الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (٢٣) ﴾
.
يقول تعالى ذكره: من أي شيء خلق الإنسان الكافر ربه حتي يتكبر ويتعظم عن طاعة ربه، والإقرار بتوحيده. ثم بين جلّ ثناؤه الذي منه خلقه، فقال: ﴿مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾ أحوالا نطفة تارة، ثم عَلَقة أخرى، ثم مُضغة، إلى أن أتت عليه أحواله وهو في رحم أمه. ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ يقول: ثم يسَّره للسبيل، يعني للطريق.
واختلف أهل التأويل في السبيل الذي يسَّره لها، فقال بعضهم: هو خروجه من بطن أمه.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ يعني بذلك: خروجه من بطن أمه يسَّره له.
⁕ حدثني ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ قال: سبيل الرحم.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ قال: أخرجه من بطن أمه.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ قال: خروجه من بطن أمه.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ قال: أخرجه من بطن أمه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: طريق الحق والباطل، بيَّناه له وأعلمناه، وسهلنا له العمل به.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ قال: هو كقوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ .
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ قال: على نحو ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ .
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: سبيل الشقاء والسعادة، وهو كقوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ .
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال الحسن، في قوله: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ قال: سبيل الخير.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ قال: هداه للإسلام الذي يسَّره له، وأعلمه به، والسبيل سبيل الإسلام.
وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: ثم الطريق، وهو الخروج من بطن أمه يسَّره.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب، لأنه أشبههما بظاهر الآية، وذلك أن الخبر من الله قبلها وبعدها عن صفته خلقه وتدبيره جسمه، وتصريفه إياه في الأحوال، فالأولى أن يكون أوسط ذلك نظير ما قبله وما بعده.
* * *
وقوله: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾
يقول: ثم قَبَضَ رُوحه، فأماته بعد ذلك. يعني بقوله: ﴿أَقْبَرَهُ﴾ صيره ذا قبر، والقابر: هو الدافن الميت بيده، كما قال الأعشى:
لَوْ أسْنَدَتْ مَيْتا إلى نَحْرِها ... عاشَ وَلمْ يُنْقَلْ إلى قابِرِ [[الخبر ١٥٨- إسناده حسن على الأقل، لأن عطاء بن السائب تغير حفظه في آخر عمره، وقيس بن الربيع قديم، لعله سمع منه قبل الاختلاط، ولكن لم نتبين ذلك بدليل صريح. ووقع في هذا الإسناد خطأ في المطبوع "حدثنا مصعب"، وصوابه من المخطوطة "حدثنا محمد بن مصعب"، وهو القرقساني، كما مضى في الإسناد ١٥٤.]]
والمقبر: هو الله، الذي أمر عباده أن يقبروه بعد وفاته، فصيره ذا قبر. والعرب تقول فيما ذُكر لي: بترت ذنَب البعير، والله أبتره، وعضبت قَرنَ الثور، والله أعضبه؛ وطردت عني فلانا، والله أطرده، صيره طريدا.
* * *
وقوله: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾
يقول: ثم إذا شاء الله أنشره بعد مماته وأحياه، يقال: أنشر الله الميت بمعنى: أحياه، ونشر الميت بمعنى حيى هو بنفسه، ومنه قول الأعشى:
حتى يَقُولَ النَّاسُ مِمَّا رأوْا ... يا عَجَبا لِلْمَيِّتِ النَّاشرِ [[الخبر ١٥٩- إسناده حسن كالذي قبله. وأبو أحمد الزبيري: هو محمد بن عبد الله ابن الزبير الأسدي، من الثقات الكبار، من شيوخ أحمد بن حنبل وغيره من الحفاظ. وقيس: هو ابن الربيع. وهذه الأخبار الثلاثة ١٥٧- ١٥٩، ولفظها واحد، ذكرها ابن كثير ١: ٤٤ خبرًا واحدًا دون إسناد. وذكرها السيوطي في الدر المنثور ١: ١٣ خبرًا واحدًا ونسبه إلى "الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وصححه، عن ابن عباس".]]
* * *
وقوله: ﴿كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾
يقول تعالى ذكره: كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر من أنه قد أدّى حقّ الله عليه، في نفسه وماله، ﴿لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾ لم يؤدّ ما فرض عليه من الفرائض ربُّه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾ قال: لا يقضي أحد أبدًا ما افتُرِض عليه. وقال الحارث: كلّ ما افترض عليه.
{"ayahs_start":18,"ayahs":["مِنۡ أَیِّ شَیۡءٍ خَلَقَهُۥ","مِن نُّطۡفَةٍ خَلَقَهُۥ فَقَدَّرَهُۥ","ثُمَّ ٱلسَّبِیلَ یَسَّرَهُۥ","ثُمَّ أَمَاتَهُۥ فَأَقۡبَرَهُۥ","ثُمَّ إِذَا شَاۤءَ أَنشَرَهُۥ","كَلَّا لَمَّا یَقۡضِ مَاۤ أَمَرَهُۥ"],"ayah":"مِن نُّطۡفَةٍ خَلَقَهُۥ فَقَدَّرَهُۥ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق