الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذكروا، أيها القوم= ﴿إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين﴾ ، يعني إحدى الفرقتين، [[انظر تفسير " الطائفة " فيما سلف ١٢: ٥٦٠، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] فرقة أبي سفيان بن حرب والعير، وفرقة المشركين الذين نَفَروا من مكة لمنع عيرهم.
* * *
وقوله: ﴿أنها لكم﴾ ، يقول: إن ما معهم غنيمة لكم= ﴿وتودون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، يقول: وتحبون أن تكون تلك الطائفة التي ليست لها شوكة= يقول: ليس لها حدٌّ، [[" الحد " (بفتح الحاء) هو: الحدة (بكسر الحاء) ، والبأس الشديد، والنكاية.]] ولا فيها قتال= أن تكون لكم. يقول: تودُّون أن تكون لكم العيرُ التي ليس فيها قتال لكم، دون جماعة قريش الذين جاءوا لمنع عيرهم، الذين في لقائهم القتالُ والحربُ.
* * *
وأصل "الشوكة" من "الشوك".
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٥٧١٩- حدثنا علي بن نصر، وعبد الوارث بن عبد الصمد قالا حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة، عن عروة: أن أبا سفيان أقبل ومن معه من رُكبان قريش مقبلين من الشأم، [[" الركبان " و " الركب "، أصحاب الإبل في السفر، وهو اسم جمع لا واحد له.]] فسلكوا طريق الساحل. فلما سمع بهم النبي ﷺ، ندب أصحابه، وحدّثهم بما معهم من الأموال، وبقلة عددهم. فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان والركب معه، لا يرونها إلا غنيمة لهم، لا يظنون أن يكون كبيرُ قتالٍ إذا رأوهم. وهي التي أنزل الله فيها [[في المطبوعة: " وهي ما أنزل الله "، وفي المخطوطة: " وهي أنزل الله "، وأثبت ما في تاريخ الطبري.]] ﴿وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ . [[الأثر: ١٥٧١٩ - " علي بن نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضي "، الثقة الحافظ، شيخ الطبري، روى عنه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، في غير الجامع الصحيح. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ \ ١ \ ٢٠٧.
و" عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري "، شيخ الطبري. ثقة، مضى برقم: ٢٣٤٠.
وأبوه: " عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري "، ثقة، مضى مرارًا كثيرة.
و" أبان العطار "، هو " أبان بن يزيد العطار "، ثقة، مضى برقم: ٣٨٣٢، ٩٦٥٦.
وهذا الخبر رواه أبو جعفر، بإسناده هذا في التاريخ ٢: ٢٦٧، مطولا مفصلا، وهو كتاب من عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان. وكتاب عروة إلى عبد الملك بن مروان كتاب طويل رواه الطبري مفرقًا في التاريخ، وسأخرجه مجموعًا في تعليقي على الأثر ١٦٠٨٣.]]
١٥٧٢٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا، [[القائل " من علمائنا ... " إلى آخر السياق، هو محمد بن إسحاق.]] عن عبد الله بن عباس، كُلٌّ قد حدثني بعض هذا الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سُقت من حديث بدر، قالوا: لما سمع رسول الله ﷺ بأبي سفيان مقبلا من الشأم، ندب المسلمين إليهم وقال: هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفِّلكموها! فانتدب الناس، فخف بعضهم وثقل بعض، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله ﷺ يلقى حربًا. وكان أبو سفيان يستيقن حين دنا من الحجاز ويتحسس الأخبار، [[في المطبوعة، وفي تاريخ الطبري، وفي سيرة ابن هشام: " وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس "، ليس فيها " يستقين "، وليس فيها واو العطف في " يتحسس "، ولكن المخطوطة واضحة، فأثبتها.
وكان في المطبوعة: " يتجسس " بالجيم، وإنما هي بالحاء المهملة، و " تحسس الخبر "، تسمعه بنفسه وتبحثه وتطلبه.]] ويسأل من لقي من الركبان، تخوفًا على أموال الناس، [[في المطبوعة: " تخوفًا من الناس "، وفي سيرة ابن هشام: " تخوفًا على أمر الناس "، وأثبت ما في تاريخ الطبري.]] حتى أصاب خبرًا من بعض الركبان: "أن محمدًا قد استنفر أصحابه لك ولعِيرك"! [[" استنفر الناس "، استنجدهم واستنصرهم، وحثهم على الخروج للقتال.]] فحذر عند ذلك، واستأجر ضمضم بن عمرو الغِفاري، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشًا يستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدًا قد عرض لها في أصحابه. فخرج ضمضم بن عمرو سريعًا إلى مكة. [[عند هذا الموضع انتهي ما في سيرة ابن هشام ٢: ٢٥٧، ٢٥٨، وسيصله بالآتي في السيرة بعد ٢: ٢٦٦، وعنده انتهي الخبر في تاريخ الطبري ٢: ٢٧٠، وسيصله بالآتي في التاريخ أيضًا ٢: ٢٧٣.
وانظر التخريج في آخر هذا الخبر.]] وخرج رسول الله ﷺ في أصحابه حتى بلغ واديًا يقال له "ذَفِرَان"، فخرج منه، [[في السيرة وحدها " فجزع فيه "، وهي أحق بهذا الموضع، ولكني أثبت ما في لمطبوعة والمخطوطة والتاريخ. و " جزع الوادي "، قطعه عرضًا.]] حتى إذا كان ببعضه، نزل، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عِيرهم، فاستشار النبي ﷺ الناسَ، وأخبرهم عن قريش. فقام أبو بكر رضوان الله عليه، فقال فأحسن. ثم قام عمر رضي الله عنه، فقال فأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض إلى حيث أمرك الله، فنحن معك، والله، لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ ، [سورة المائدة: ٢٤] ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون! فوالذي بعثك بالحق، لئن سرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد = يعني: مدينة الحبشة [[" برك الغماد "، " برك " (بفتح الباء وكسرها) ، و " الغماد "، (بكسر الغين وضمها ". قال الهمداني: " برك الغماد "، في أقاصي اليمن (معجم ما استعجم: ٢٤٤) .]] = لجالدنا معك مَن دونه حتى تبلغه! فقال له رسول الله ﷺ خيرًا، ثم دعا له بخيرٍ، ثم قال رسول الله ﷺ: أشيروا عليّ أيها الناس! = وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عَدَدَ الناس، وذلك أنهم حين بايعوه على العقبة قالوا: "يا رسول الله، إنا برآء من ذِمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا، [[" الذمام " و " الذمة "، العهد والكفالة والحرمة.]] نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا"، فكأن رسول الله ﷺ يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نُصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، [[في المطبوعة " خاف أن لا تكون الأنصار "، وأثبت ما في سيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري. و " يتخوف " ساقطة من المخطوطة.
و" دهمه " (بفتح الهاء وكسرها) : إذا فاجأه على غير استعداد.]] وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوٍّ من بلادهم= قال: فلما قال ذلك رسول الله ﷺ، قال له سعد بن معاذ: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل! قال: فقد آمنا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضتَ بنا هذا البحرَ فخضته لخُضناه معك، [[" استعرض البحر، أو الخطر ": أقبل عليه لا يبالي خطره. وهذا تفسير للكلمة، استخرجته، لا تجده في المعاجم.]] ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، [[في المطبوعة: " أن يلقانا عدونا غدًا "، لم يحسن قراءة المخطوطة، وهذا هو الموافق لما في سيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري.]] إنا لصُبُرٌ عند الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، [[" صدق " (بضمتين) جمع " صدوق "، مجازه: أن يصدق في قتاله أو عمله، أي يجد فيه جدًا، كالصدق في القول الذي لا يخالطه كذب، أي ضعف.]] لعلّ الله أن يريك منا ما تَقرُّ به عينك، فسر بنا على بركة الله! فسُرَّ رسول الله ﷺ بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: سيروا على بركة الله وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، [[قوله في آخر الجملة الآتية " غدًا "، ليست في سيرة ابن هشام ولا في التاريخ، ولكنها ثابتة في المخطوطة.]] والله لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم غدًا". [[الأثر: ١٥٧٢٠ - هذا الخبر، روى صدر منه فيما سلف: ١٥٧١٠. وهو في سيرة ابن هشام مفرق ٢: ٢٥٧، ٢٥٨، ثم ٢: ٢٦٦، ٢٦٧.
وفي تاريخ الطبري ٢: ٢٧٠ ثم ٢: ٢٧٣، ثم تمامه أيضًا في: ٢٧٣.]]
١٥٧٢١- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أن أبا سفيان أقبل في عير من الشأم فيها تجارة قريش، وهي اللَّطيمة، [[" اللطيمة "، هو الطيب، و " لطيمة المسك "، وعاؤه ثم سموا العير التي تحمل الطيب والعسجد، ونفيس بز التجار: " اللطيمة ".]] فبلغ رسول الله ﷺ أنها قد أقبلت، فاستنفر الناس، فخرجوا معه ثلثمائة وبضعة عشر رجلا. فبعث عينًا له من جُهَينة، حليفًا للأنصار، يدعى "ابن أريقط"، [[في المطبوعة: " ابن الأريقط "، وأثبت ما في المخطوطة.]] فأتاه بخبر القوم. وبلغ أبا سفيان خروج محمد ﷺ، فبعث إلى أهل مكة يستعينهم، فبعث رجلا من بني غِفار يدعى ضمضم بن عمرو، فخرج النبي ﷺ ولا يشعر بخروج قريش، فأخبره الله بخروجهم، فتخوف من الأنصار أن يخذلوه ويقولوا: "إنا عاهدنا أن نمنعك إن أرادك أحد ببلدنا"! فأقبل على أصحابه فاستشارهم في طلب العِير، فقال له أبو بكر رحمة الله عليه: إنّي قد سلكت هذا الطريق، فأنا أعلم به، وقد فارقهم الرجل بمكان كذا وكذا، فسكت النبي ﷺ، ثم عاد فشاورهم، فجعلوا يشيرون عليه بالعير. فلما أكثر المشورة، تكلم سعد بن معاذ، فقال: يا رسول الله، أراك تشاور أصحابك فيشيرون عليك، وتعود فتشاورهم، فكأنك لا ترضى ما يشيرون عليك، وكأنك تتخوف أن تتخلف عنك الأنصار! أنت رسول الله، وعليك أنزل الكتاب، وقد أمرك الله بالقتال، ووعدك النصر، والله لا يخلف الميعاد، امض لما أمرت به، فوالذي بعثك بالحق لا يتخلف عنك رجل من الأنصار! ثم قام المقداد بن الأسود الكندي فقال: يا رسول الله، إنا لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: (اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) ، [سورة المائدة: ٢٤] ، ولكنا نقول: أقدم فقاتل، إنا معك مقاتلون! ففرح رسول الله ﷺ بذلك، وقال: إن ربي وعدني القوم، وقد خرجوا، فسيروا إليهم! فساروا.
١٥٧٢٢- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، قال: الطائفتان إحداهما أبو سفيان بن حرب إذ أقبل بالعير من الشأم، والطائفة الأخرى أبو جهل معه نفر من قريش. فكره المسلمون الشوكة والقتال، وأحبوا أن يلقوا العير، وأراد الله ما أراد.
١٥٧٢٣- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ﴿وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين﴾ ، قال: أقبلت عير أهل مكة = يريد: من الشأم [[في المخطوطة: " يريد الشأم "، وما في المطبوعة هو الصواب.]] = فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول الله ﷺ يريدون العير. فبلغ ذلك أهل مكة، فسارعوا السير إليها، لا يغلب عليها النبي ﷺ وأصحابه. فسبقت العير رسول الله ﷺ، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين، فكانوا أن يلقوا العير أحبَّ إليهم، وأيسر شوكة، وأحضر مغنمًا. فلما سبقت العير وفاتت رسول الله ﷺ، سار رسول الله ﷺ بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكةٍ في القوم.
١٥٧٢٤- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ﴿وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، قال: أرادوا العير. قال: ودخل رسول الله ﷺ المدينة في شهر ربيع الأول، فأغار كُرْز بن جابر الفهري يريد سَرْح المدينة حتى بلغ الصفراء، [[" السرح "، المال يسام في المرعى، من الأنعام والماشية ترعى. و " الصفراء " قرية فويق ينبع، كثيرة المزارع والنخل، وهي من المدينة على ست مراحل، وكان يسكنها جهينة والأنصار ونهد.]] فبلغ النبي ﷺ فركب في أثره، فسبقه كرز بن جابر. فرجع النبي ﷺ، فأقام سنَتَه. ثم إن أبا سفيان أقبل من الشأم في عير لقريش، حتى إذا كان قريبًا من بدر، نزل جبريل على النبي ﷺ فأوحى إليه: ﴿وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، فنفر النبي ﷺ بجميع المسلمين، وهم يومئذ ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا منهم سبعون ومئتان من الأنصار، وسائرهم من المهاجرين. وبلغ أبا سفيان الخبر وهو بالبطم، [[هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة، ولم أجد مكانًا ولا شيئا يقال له " البطم "، وأكاد أقطع أنه تحريف محض، وأن صوابه (بِإضَمٍ) . و " إضم " واد بجبال تهامة، وهو الوادي الذي فيه المدينة. يسمى عند المدينة " قناة "، ومن أعلى منها عند السد يسمى " الشظاة "، ومن عند الشظاة إلى أسفل يسمى " إضما ". وقال ابن السكيت: " إضم "، واد يشق الحجاز حتى يفرغ في البحر، وأعلى إضم " القناة " التي تمر دوين المدينة. و " إضم " من بلاد جهينة.
والمعروف في السير أن أبا سفيان في تلك الأيام، نزل على ماء كان عليه مجدى بن عمير الجهني، فلما أحس بخبر المسلمين، ضرب وجه عيره، فساحل بها، وترك بدرًا بيسار. فهو إذن قد نزل بأرض جهينة، و " إضم " من أرضهم، وهو يفرغ إلى البحر، فكأن هذا هو الطريق الذي سلكه. ولم أجد الخبر في مكان حتى أحقق ذلك تحقيقًا شافيًا.]] فبعث إلى جميع قريش وهم بمكة، فنفرت قريش وغضبت.
١٥٧٢٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: ﴿وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، قال: كان جبريل عليه السلام قد نزل فأخبره بمسير قريش وهي تريد عيرها، ووعده إما العيرَ، وإما قريشًا وذلك كان ببدر، وأخذوا السُّقاة وسألوهم، فأخبروهم، فذلك قوله: ﴿وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، هم أهل مكة.
١٥٧٢٦- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، إلى آخر الآية، خرج النبي ﷺ إلى بدر وهم يريدون يعترضون عِيرًا لقريش. قال: وخرج الشيطان في صورة سُرَاقة بن جعشم، حتى أتى أهل مكة فاستغواهم، وقال: إنّ محمدًا وأصحابه قد عرضوا لعيركم! وقال: لا غالبَ لكم اليوم من الناس من مثلكم، وإنّي جار لكم أن تكونوا على ما يكره الله! فخرجوا ونادوا أن لا يتخلف منا أحد إلا هدمنا داره واستبحناه! وأخذ رسول الله ﷺ وأصحابه بالروحاء عينًا للقوم، فأخبره بهم، فقال رسول الله ﷺ: إن الله قد وعدكم العير أو القوم! فكانت العير أحبّ إلى القوم من القوم، كان القتال في الشوكة، والعير ليس فيها قتال، وذلك قول الله عز وجل: ﴿وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، قال: "الشوكة"، القتال، و"غير الشوكة"، العير.
١٥٧٢٧- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال، حدثنا عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن ابن أبي حبيب، عن أبي عمران، عن أبي أيوب قال: أنزل الله جل وعز: ﴿وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم﴾ ، فلما وعدنا إحدى الطائفتين أنها لنا، طابت أنفسنا: و"الطائفتان"، عِير أبي سفيان، أو قريش. [[الأثر: ١٥٧٢٧ - " يعقوب بن محمد الزهري "، سلف قريبًا رقم: ١٥٧١٥.
و" عبد الله بن وهب المصري "، الثقة، مضى برقم ٦٦١٣، ١٠٣٣٠.
و" ابن لهيعة "، مضى الكلام في توثيقه مرارًا.
و" ابن أبي حبيب "، هو " يزيد بن أبي حبيب المصري "، ثقة مضى مرارًا كثيرة.
و" أبو عمران " هو: " أسلم أبو عمران "، " أسلم بن يزيد التجيبي "، روى عن أبي أيوب، تابعي ثقة، وكان وجيهًا بمصر. مترجم في التهذيب، والكبير ١ \ ٢ \ ٢٥، وابن أبي حاتم ١ \ ١ \ ٣٠٧. وسيأتي في هذا الخبر بإسناد آخر، في الذي يليه.
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٦: ٧٣، ٧٤ مطولا، وقال: " رواه الطبراني، وإسناده حسن ".]]
١٥٧٢٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران الأنصاري، أحسبه قال: قال أبو أيوب=: ﴿وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، قالوا: "الشوكة" القوم و"غير الشوكة" العير، فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين، إما العير وإما القوم، طابت أنفسنا. [[الأثر: ١٥٧٢٨ - " أسلم، أبو عمران الأنصاري "، هو الذي سلف في الإسناد السابق، وسلف تخريجه.]]
١٥٧٢٩- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني يعقوب بن محمد قال، حدثني غير واحد في قوله: ﴿وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، إن "الشوكة"، قريش.
١٥٧٣٠- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، هي عير أبي سفيان، ودّ أصحاب رسول الله ﷺ أن العير كانت لهم، وأن القتال صُرِف عنهم.
١٥٧٣١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ﴿وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، أي الغنيمة دون الحرب. [[الأثر: ١٥٧٣١ - سيرة ابن هشام ٢: ٣٢٢، وهو تابع الأثريين السالفين، رقم: ١٥٧١٣، ١٥٧١٨.]]
* * *
وأما قوله: ﴿أنها لكم﴾ ، ففتحت على تكرير "يعد"، وذلك أن قوله: ﴿يعدكم الله﴾ ، قد عمل في "إحدى الطائفتين".
فتأويل الكلام: ﴿وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين﴾ ، يعدكم أن إحدى الطائفتين لكم، كما قال: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ . [سورة محمد: ١٨] . [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٠٤، وزاد " فأن، في موضع نصب كما نصب الساعة ".]]
* * *
قال: ﴿وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ، فأنث "ذات"، لأنه مراد بها الطائفة. [[انظر ما قاله آنفًا في " ذات بينكم " ص: ٣٨٤.]] ومعنى الكلام: وتودون أن الطائفة التي هي غير ذات الشوكة تكون لكم، دون الطائفة ذات الشوكة.
القول في تأويل قوله: ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (٧) ﴾
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويريد الله أن يحق الإسلام ويعليه [[انظر تفسير " حق " فيما سلف من فهارس اللغة (حقق) .]]
= "بكلماته"، يقول: بأمره إياكم، أيها المؤمنون، بقتال الكفار، وأنتم تريدون الغنيمة، والمال [[انظر تفسير " كلمات الله " فيما سلف ١١: ٣٣٥، وفهارس اللغة (كلم) .]] وقوله: ﴿ويقطع دابر الكافرين﴾ ، يقول: يريد أن يَجُبَّ أصل الجاحدين توحيدَ الله.
* * *
وقد بينا فيما مضى معنى "دابر"، وأنه المتأخر، وأن معنى: "قطعه"، الإتيان على الجميع منهم. [[انظر تفسير " قطع الدابر " ١١: ٣٦٣، ٣٦٤ \ ١٢: ٥٢٣، ٥٢٤.]]
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٥٧٣١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قول الله: ﴿ويريد الله أن يحق الحق بكلماته﴾ ، أن يقتل هؤلاء الذين أراد أن يقطع دابرهم، هذا خيرٌ لكم من العير.
١٥٧٣٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ﴿ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين﴾ ، أي: الوقعة التي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يوم بدر. [[الأثر: ١٥٧٣١ - سيرة ابن هشام ٢: ٣٢٢، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٥٧٣٠.]]
{"ayah":"وَإِذۡ یَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّاۤىِٕفَتَیۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَیۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَیُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَیَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











