الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: وإما تخافنّ من قوم خيانة وغدرًا، فانبذ إليهم على سواء وآذنهم بالحرب = ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ ، وإن مالوا إلى مسالمتك ومتاركتك الحربَ، إما بالدخول في الإسلام، وإما بإعطاء الجزية، وإما بموادعة، ونحو ذلك من أسباب السلم والصلح [[انظر تفسير " السلم " فيما سلف ٤: ٢٥١ - ٢٥٥.]] = ﴿فاجنح لها﴾ ، يقول: فمل إليها، وابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك وسألوكه.
* * *
يقال منه: "جنح الرجل إلى كذا يجنح إليه جنوحًا"، وهي لتميم وقيس، فيما ذكر عنها، تقول: "يجنُح"، بضم النون، وآخرون: يقولون: "يَجْنِح" بكسر النون، وذلك إذا مال، ومنه قول نابغة بني ذبيان:
جَوَانِحَ قَدْ أَيْقَنَّ أَنَّ قَبِيلَهُ إذَا مَا التَقَى الجمْعانِ أَوَّلُ غَالِبِ [[ديوانه: ٤٣، من شعره المشهور في عمرو بن الحارث الأعرج، حين هرب إلى الشأم، من النعمان بن المنذر في خبر المتجردة، وقبله، ذكر فيها غارة جيشه، والنسور التي تتبع الجيش: إذَا مَا غَزَوْا بِالجَيْشِ، حَلَّقَ فَوْقَهُمْ ... عَصَائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدِي بِعَصَائِبِ
يُصَاحبْنَهُمْ حَتَّى يُغِرْنَ مُغَارَهم ... مِنَ الضَّارِيَاتِ بالدِّمَاءِ الدَّوَارِبِ
تَرَاهُنَّ خَلْفَ القومِ خُزْرًا عُيُونهَا ... جُلُوسَ الشُّيُوخِ فِي ثِيَابِ المَرَانِبِ
جَوانِحَ قَدْ أيْقَنَّ. . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذا من جيد الشعر وخالصه.]]
جوانح: موائل.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٢٤٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿وإن جنحوا للسلم﴾ قال: للصلح، ونسخها قوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [سورة التوبة: ٥]
١٦٢٤٦- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وإن جنحوا للسلم﴾ ، إلى الصلح= ﴿فاجنح لها﴾ ، قال: وكانت هذه قبل "براءة"، وكان نبي الله ﷺ يوادع القوم إلى أجل، فإما أن يسلموا، وإما أن يقاتلهم، ثم نسخ ذلك بعد في "براءة" فقال: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ ، وقال: ﴿قاتلوا المشركين كافة﴾ ، [سورة التوبة: ٣٦] ، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده، وأمره بقتالهم حتى يقولوا "لا إله إلا الله" ويسلموا، وأن لا يقبلَ منهم إلا ذلك. وكلُّ عهد كان في هذه السورة وفي غيرها، وكل صلح يصالح به المسلمون المشركين يتوادعون به، فإن "براءة" جاءت بنسخ ذلك، فأمر بقتالهم على كل حال حتى يقولوا: "لا إله إلا الله".
١٦٢٤٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ ، نسختها الآية التي في "براءة" قوله: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ ، إلى قوله: ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [سورة التوبة: ٢٩]
١٦٢٤٨- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ ، يقول: وإن أرادوا الصلح فأرده.
١٦٢٤٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ ، أي: إن دعوك إلى السلم =إلى الإسلام= فصالحهم عليه. [[الأثر: ١٦٢٤٩ - سيرة ابن هشام ٢: ٣٣٠، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٦٢٤٤، وفي السيرة: " إلى السلم على الإسلام ".]]
١٦٢٥٠- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ ، قال: فصالحهم. قال: وهذا قد نسخه الجهاد.
* * *
قال أبو جعفر: فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله، من أن هذه الآية منسوخة، فقولٌ لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل.
وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه. فأما ما كان بخلاف ذلك، فغير كائنٍ ناسخا. [[انظر مقالته في " النسخ " فيما سلف ١١: ٢٠٩، وما بعده وما قبله في فهارس الكتاب، وفي فهارس العربية والنحو وغيرها.]]
وقول الله في براءة: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ ، غير نافٍ حكمُه حكمَ قوله. ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ ، لأن قوله: ﴿وإن جنحوا للسلم﴾ ، إنما عني به بنو قريظة، وكانوا يهودًا أهلَ كتاب، وقد أذن الله جل ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحربَ على أخذ الجزية منهم.
وأما قوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ فإنما عُني به مشركو العرب من عبدة الأوثان، الذين لا يجوز قبول الجزية منهم. فليس في إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه.
١٦٢٥١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وإن جنحوا للسلم﴾ ، قال: قريظة.
* * *
وأما قوله: ﴿وتوكل على الله﴾ ، يقول: فوِّض إلى الله، يا محمد، أمرك، واستكفِه، واثقًا به أنه يكفيك [[انظر تفسير " التوكل " فيما سلف ص: ١٥ تعليق: ١، والمراجع هناك.]] كالذي:-
١٦٢٥٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ﴿وتوكل على الله﴾ ، إن الله كافيك. [[الأثر: ١٦٢٥٢ - سيرة ابن هشام ٢: ٣٣٠، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٦٢٤٩.]]
* * *
وقوله: ﴿إنه هو السميع العليم﴾ ، يعني بذلك: إن الله الذي تتوكل عليه، "سميع"، لما تقول أنت ومن تسالمه وتتاركه الحربَ من أعداء الله وأعدائك عند عقد السلم بينك وبينه، وما يشترط كل فريق منكم على صاحبه من الشروط [[في المطبوعة: " ويشرط كل فريق. . . "، وفي المخطوطة: " ويشترط. . . "، والصواب بينهما ما أثبت.]] ="العليم"، بما يضمره كل فريق منكم للفريق الآخر من الوفاء بما عاقده عليه، ومن المضمر ذلك منكم في قلبه، والمنطوي على خلافه لصاحبه. [[انظر تفسير " سميع " و " عليم " فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) ، (علم) .]]
{"ayah":"۞ وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











