الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (٥٨) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ﴿وإما تخافن﴾ ، يا محمد، من عدو لك بينك وبينه عهد وعقد، أن ينكث عهد. وينقض عقده، ويغدر بك =وذلك هو "الخيانة" والغدر [[انظر تفسير " الخيانة " فيما سلف ١٣: ٤٨٠، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] = ﴿فانبذ إليهم على سواء﴾ ، يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم، بما كان منهم من ظهور أمار الغدر والخيانة منهم، [[انظر تفسير " النبذ " فيما سلف ٢: ٤٠١، ٤٠٢ \ ٧: ٤٥٩. وفي المطبوعة: " آثار الغدر "، وأثبت ما في المخطوطة، و " الأمار " و " الأمارة "، العلامة، ويقال: " أمار " جمع " أمارة ".]] حتى تصير أنتَ وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر = ﴿إن الله لا يحب الخائنين﴾ ، الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر به فيحاربه، قبل إعلامه إياه أنه له حرب، وأنه قد فاسخه العقد. * * * فإن قال قائل: وكيف يجوز نقضُ العهد بخوف الخيانة، و"الخوف" ظنٌّ = لا يقين؟ [[انظر تفسير " الخوف " فيما سلف ١١: ٣٧٣، تعليق: ٥، والمراجع هناك.]] قيل: إن الأمر بخلاف ما إليه ذهبت، وإنما معناه: إذا ظهرت أمارُ الخيانة من عدوك، [[في المطبوعة: " آثار الخيانة "، وأثبت ما في المخطوطة، وانظر التعليق السالف رقم: ٢.]] وخفت وقوعهم بك، فألق إليهم مقاليد السَّلم وآذنهم بالحرب. [[في المخطوطة: " وأد "، وبعدها بياض، صوابه ما في المطبوعة.]] وذلك كالذي كان من بني قريظة إذ أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله ﷺ ومحاربتهم معهم، [[في المطبوعة: " ومحاربتهم معه "، وأثبت ما في المخطوطة.]] بعد العهد الذي كانوا عاهدوا رسولَ الله ﷺ على المسالمة، ولن يقاتلوا رسولَ الله ﷺ. [[في المخطوطة: " ولم يقاتلوا "، وما في المطبوعة شبيه بالصواب.]] فكانت إجابتهم إياه إلى ذلك، موجبًا لرسول الله ﷺ خوف الغدر به وبأصحابه منهم. فكذلك حكم كل قوم أهل موادعةٍ للمؤمنين، ظهر لإمام المسلمين منهم من دلائل الغدر مثل الذي ظهرَ لرسول الله ﷺ وأصحابه من قريظة منها، فحقٌّ على إمام المسلمين أن ينبذ إليهم على سواء، ويؤذنهم بالحرب. * * * ومعنى قوله: ﴿على سواء﴾ ، أي: حتى يستوي علمك وعلمهم بأن كل فريق منكم حرب لصاحبه لا سِلْم. [[انظر تفسير " السواء " فيما سلف ١٠: ٤٨٨، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] * * * وقيل: نزلت الآية في قريظة. * ذكر من قال ذلك: ١٦٢٢١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿فانبذ إليهم على سواء﴾ ، قال: قريظة. * * * وقد كان بعضهم يقول: "السواء"، في هذا الموضع، المَهَل. [[في المطبوعة: " وقد قال بعضهم "، غير الجملة كلها بلا شيء.]] * ذكر من قال ذلك: ١٦٢٢٢- حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال: إنه مما تبين لنا أن قوله: ﴿فانبذ إليهم على سواء﴾ ، أنه: على مهل =كما حدثنا بكير، عن مقاتل بن حيان في قول الله: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ، [التوبة: ١-٢] * * * وأما أهل العلم بكلام العرب، فإنهم في معناه مختلفون. فكان بعضهم يقول: معناه: فانبذ إليهم على عدل =يعني: حتى يعتدل علمك وعلمهم بما عليه بعضكما لبعض من المحاربة، واستشهدوا لقولهم ذلك بقول الراجز: [[لم أعرف قائله.]] وَاضْرِبْ وُجُوهَ الغُدُرِ الأعْدَاءِ حَتَّى يُجِيبُوكَ إلَى السَّوَاءِ [[كان في المطبوعة: " الغدر للأعداء ". وهو خطأ، صوابه من المخطوطة و " الغدر " (بضمتين) ، جمع " غدور "، مثل " صبور "، وهو الغادر المستمرئ للغدر.]] يعني: إلى العدل. * * * وكان آخرون يقولون: معناه: الوسَط، من قول حسان: يَا وَيْحَ أَنْصَارِ الرَّسُولِ ورَهْطِهِ بَعْدَ الُمغيَّبِ فِي سَوَاءِ المُلْحَدِ [[سلف البيت وتخريجه وشرحه فيما مضى ٢: ٤٩٦، تعليق ٢.]] بمعنى: في وسط اللَّحْد. * * * وكذلك هذه المعاني متقاربة، لأن "العدل"، وسط لا يعلو فوق الحق ولا يقصّر عنه، وكذلك "الوسط" عدل، واستواء علم الفريقين فيما عليه بعضهم لبعض بعد المهادنة، [[في المطبوعة: " واستواء الفريقين "، وفي المخطوطة " واستواء على الفريقين ". وصواب قراءتها ما أثبت، وهو حق المعنى.]] عدل من الفعل ووسط. وأما الذي قاله الوليد بن مسلم من أن معناه: "المهل"، فما لا أعلم له وجهًا في كلام العرب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب