الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤٣) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن الله، يا محمد، سميع لما يقول أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ يريك الله عدوك وعدوهم "في منامك قليلا"، يقول: يريكهم في نومك قليلا فتخبرهم بذلك، حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم= ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرًا، لفشل أصحابك، فجبنوا وخاموا، [[في المطبوعة: " فجبنوا وخافوا "، غير ما في المخطوطة. يقال: " خام في القتال "، إذا جبن، فنكل ونكص وتراجع.]] ولم يقدروا على حرب القوم، [[انظر تفسير " فشل " فيما سلف ٧: ١٦٨، ٢٨٩.]] ولتنازعوا في ذلك، [[انظر تفسير " التنازع " فيما سلف ٧: ٢٨٩ \ ٨: ٥٠٤.]] ولكن الله سلمهم من ذلك بما أراك في منامك من الرؤيا، إنه عليم بما تُجنُّه الصدور، [[في المطبوعة: " بما تخفيه الصدور "، غير ما في المخطوطة بلا طائل، وهما بمعنى.]] لا يخفى عليه شيء مما تضمره القلوب. [[انظر تفسير " ذات الصدور " فيما سلف ٧: ١٥٥، ٣٢٥ \ ١٠: ٩٤.]] * * * وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: "إذ يريكهم الله في منامك قليلا"، أي: في عينك التي تنام بها= فصيّر "المنام"، هو العين، كأنه أراد: إذ يريكهم الله في عينك قليلا. [[هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ١: ٢٤٧.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٦١٥٠ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "إذ يريكهم الله في منامك قليلا"، قال: أراه الله إياهم في منامه قليلا فأخبر النبي ﷺ أصحابه بذلك، فكان تثبيتًا لهم. ١٦١٥١- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. ١٦١٥٢-....وقال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٦١٥٣ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "إذ يريكهم الله في منامك قليلا"، الآية، فكان أول ما أراه من ذلك نعمةً من نعمه عليهم، شجعهم بها على عدوهم، وكفَّ بها ما تُخُوِّف عليهم من ضعفهم، [[في المطبوعة: و " كفاهم بها ما تخوف ... "، وفي المخطوطة: " وكعها عنهم ما تخوف "، وصل الكلام، وأثبت نص ابن هشام. وضبطه الخشني بالبناء للمجهول. وفي السيرة، بعد تمام الكلام،: " قال ابن هشام: (تخوف) ، مبدلة من كلمة ذكرها ابن إسحاق، ولم أذكرها ". فجاء أبو ذر الخشني في تعليقه على السيرة فقال: " يقال الكلمة: (تخوف) ، بفتح التاء والخاء والواو، وقيل: كانت (تخوفت) وأصلح ذلك ابن هشام، لشناعة اللفظ في حق الله عز وجل ". وهذا لا يقال، لأن ابن هشام يصرح بأنه نسيها ولم يذكرها، فأبدل منها غيرها، فهو لم يغير ذلك إلا علة النسيان.]] لعلمه بما فيهم. [[الأثر: ١٦١٥٣ - سيرة ابن هشام ٢: ٣٢٨، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٦١٤٩.]] * * * واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ولكن الله سلم". فقال بعضهم: معناه: ولكن الله سلم للمؤمنين أمرهم، حتى أظهرهم على عدوهم. * ذكر من قال ذلك: ١٦١٥٤ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولكن الله سلم"، يقول: سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولكن الله سلم أمره فيهم. * ذكر من قال ذلك: ١٦١٥٥ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "ولكن الله سلم"، قال: سلم أمره فيهم. * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي ما قاله ابن عباس، وهو أن الله سلم القومَ = بما أرى نبيه ﷺ في منامه = من الفشل والتنازع، حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم. وذلك أن قوله: "ولكن الله سلم" عَقِيب قوله: "ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر"، فالذي هو أولى بالخبر عنه، أنه سلمهم منه جل ثناؤه، ما كان مخوفًا منه لو لم يُرِ نبيه ﷺ من قلة القوم في منامه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب