الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٦) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨) ﴾ . يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: هل أتاك يا محمد حديث موسى بن عمران، وهل سمعت خبره حين ناجاه ربه بالواد المقدّس، يعني بالمقدّس: المطهر المبارك. وقد ذكرنا أقوال أهل العلم في ذلك فيما مضى، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع، وكذلك بيَّنَّا معنى قوله: ﴿طُوًى﴾ وما قال فيه أهل التأويل، غير أنا نذكر بعض ذلك هاهنا. وقد اختلف أهل التأويل في قوله: ﴿طُوى﴾ فقال بعضهم: هو اسم الوادي. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿طُوًى﴾ اسم الوادي. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ قال: اسم المقدّس طوى. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ كنا نحدّث أنه قدّس مرّتين، واسم الوادي طُوًى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: طأ الأرض حافيا. * ذكر بعض من قال ذلك: ⁕ حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ قال: طأ الأرض بقدمك. وقال آخرون: بل معنى ذلك أن الوادي قدّس طوى: أي مرّتين، وقد بيَّنا ذلك كله ووجوهه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقرأ ذلك الحسن بكسر الطاء، وقال: بُثَّتْ فيه البركة والتقديس مرّتين. حدثنا بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة ﴿طُوًى﴾ بالضمّ ولم يجرّوه وقرأ ذلك بعض أهل الشأم والكوفة ﴿طُوًى﴾ بضمّ الطاء والتنوين. * * * وقوله: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ يقول تعالى ذكره: نادى موسى ربُّه: أن اذهب إلى فرعون، فحذفت " أن" إذ كان النداء قولا فكأنه قيل لموسى قال ربه: اذهب إلى فرعون. * * * وقوله: ﴿إِنَّهُ طَغَى﴾ يقول: عتا وتجاوز حدّه في العدوان، والتكبر على ربه. * * * وقوله: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ يقول: فقل له: هل لك إلى أن تتطهَّر من دنس الكفر، وتؤمِن بربك؟ كما:- ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ قال: إلى أن تُسلم. قال: والتزكي في القرآن كله: الإسلام، وقرأ قول الله: ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ قال: من أسلم، وقرأ ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ قال: يسلم، وقرأ ﴿وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى﴾ . ألا يسلم. ⁕ حدثني سعيد بن عبد الله بن عبد الحَكَم، قال: ثنا حفص بن عُمَرَ العَدَنِيّ، عن الحكم بن أبان عن عكرمة، قول موسى لفرعون: ﴿هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ هل لك إلى أن تقول: لا إله إلا الله. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ﴿تَزَكَّى﴾ فقرأته عامة قرَّاء المدينة ﴿تَزَّكَّى﴾ بتشديد الزاي، وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة ﴿إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ بتخفيف الزاي. وكان أبو عمرو يقول فيما ذُكر عنه ﴿تَزَّكَّى﴾ بتشديد الزاي، بمعنى: تتصدّق بالزكاة، فتقول: تتزكى، ثم تدغم، وموسى لم يدع فرعون إلى أن يتصدّق وهو كافر، إنما دعاه إلى الإسلام، فقال: تزكى: أي تكون زاكيا مؤمنا، والتخفيف في الزاي هو أفصح القراءتين في العربية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب