الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا (١٧) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا (١٨) ﴾ . يقول تعالى ذكره: ﴿قَوَارِيرَا﴾ في صفاء الصفاء من فضة الفضة من البياض [[الخبر ١٤٤- الحسين بن داود: اسمه "الحسين" ولقبه "سنيد"، بضم السين المهملة وفتح النون. واشتهر بهذا اللقب، وترجم به في التهذيب ٤: ٢٤٤- ٢٤٥، وفي الجرح والتعديل ٣ / ١ / ٣٢٦. وحجاج: هو ابن محمد المصيصي، من شيوخ الإمام أحمد. وهذا الأثر عن مجاهد، سيرويه الطبري في تفسير آية الأعراف (٩: ١٨ بولاق) - بإسناد آخر.]] . كما:- ⁕ حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: قال الحسن، في قوله: ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ قال: صفاء القوارير في بياض الفضة. ⁕ حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن كثير، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله الله ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ قال: بياض الفضة في صفاء القوارير. ⁕ حدثني يعقوب، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: أخبرنا ابن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ قال: كان ترابها من فضة. * * * وقوله: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ قال: صفاء الزجاج في بياض الفضة. ⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله: ﴿قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ قال: لو احتاج أهل الباطل [[الحديث ١٤٥- هو حديث لا أصل له. وهو جزء من الحديث الموضوع الذي روى الطبري بعضه فيما مضى ١٤٠، بهذا الإسناد. وفصلنا القول فيه هناك.]] أن يعملوا إناء من فضة يرى ما فيه من خلفه، كما يرى ما في القوارير ما قدروا عليه. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ قال: هي من فضة، وصفاؤها: صفاء القوارير في بياض الفضة. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ قال: على صفاء القوارير، وبياض الفضة. * * * وقوله: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ يقول: قدّروا تلك الآنية التي يُطاف عليهم بها تقديرا على قَدْر رِيِّهم لا تزيد ولا تنقص عن ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ قال: قُدّرت لريّ القوم. ⁕ حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ قال: قدر ريِّهم. ⁕ حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ قال: لا تنقص ولا تفيض. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ قال: لا تَترع فتُهراق، ولا ينقصون من مائها فتنقص فهي ملأى. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ لريِّهم. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ قدرت على ريّ القوم. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ قال: قدّروها لريهم على قدر شربهم أهل الجنة. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ قال: ممتلئة لا تُهَراق، وليست بناقصة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: قدّروها على قدر الكفّ. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ قال: قدرت للكفّ. واختلفت القرّاء في قراءة قوله ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: ﴿قَدَّرُوها﴾ بفتح القاف، بمعنى: قدّرها لهم السُّقاة الذين يطوفون بها عليهم. ورُوي عن الشعبيّ وغيره من المتقدمين أنهم قرءوا ذلك بضم القاف، بمعنى: قُدّرت عليهم، فلا زيادة فيها ولا نقصان. والقراءة التي لا أستجير القراءة بغيرها فتح القاف، لإجماع الحجة من القرّاء عليه. * * * وقوله: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا﴾ يقول تعالى ذكره: ويُسْقَى هؤلاء القوم الأبرار في الجنة كأسا، وهي كلّ إناء كان فيه شراب، فإذا كان فارغا من الخمر لم يقل له: كأس، وإنما يقال له: إناء، كما يقال للطبق الذي تهدى فيه الهدية: المِهْدَى مقصورا ما دامت عليه الهدية فإذا فرغ مما عليه كان طبقا أو خِوَانا، ولم يكن مِهْدًى ﴿كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا﴾ يقول: كان مزاج شراب الكأس التي يُسقون منها زنجبيلا. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: يمزج لهم شرابهم بالزنجبيل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ﴿مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا﴾ قال: تمزج بالزنجبيل. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا﴾ قال: يأثُرُ لهم ما كانوا يشربون في الدنيا. زاد الحارث في حديثه: فَيُحَبِّبُهُ إليهم. وقال بعضهم: الزنجبيل: اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا﴾ رقيقة يشربها المقرّبون صِرْفا، وتمزج لسائل أهل الجنة. * * * وقوله: ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا﴾ يقول تعالى ذكره: عينا في الجنة تسمى سلسبيلا. قيل: عُنِي بقوله سلسبيلا سلسة مُنقادا ماؤها. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا﴾ عينا سلسة مستقيدا ماؤها. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿تُسَمَّى سَلْسَبِيلا﴾ قال: سلسة يصرفونها حيث شاءوا. وقال آخرون: عُني بذلك أنها شديدة الجِرْيَةِ. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا﴾ قال: حديدة الجِرْية. ⁕ حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ⁕ قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: سلسة الجرية. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا﴾ حديدة الجِرْية. ⁕ حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. واختلف أهل العربية في معنى السلسبيل وفي إعرابه، فقال بعض نحويِّي البصرة، قال بعضهم: إن سلسبيل صفة للعين بالتسلسل. وقال بعضهم: إنما أراد عينا تسمى سلسبيلا أي: تسمى من طيبها السلسبيل أي: توصف للناس كما تقول: الأعوجّي والأرحبيّ والمهريّ من الإبل، وكما تنسب الخيل إذا وصفت إلى الخيل المعروفة المنسوبة كذلك تنسب العين إلى أنها تسمى، لأن القرآن نزل على كلام العرب، قال: وأنشدني يونس: صَفْرَاءُ مِنْ نَبْعٍ يُسَمَّى سَهْمُها ... مِنْ طُولِ ما صَرَعَ الصُّيُودَ الصَّيِّبُ [[قوله: "أن يقال" من تمام قوله في السطر الثالث "ولكن الواجب-" خبر لكن.]] فرفع الصَّيِّبُ لأنه لم يرد أن يسمى بالصَّيب، إنما الصَّيب من صفة الاسم والسهم، وقوله: "يسمى سهمها" أي يذكر سهمها. قال: وقال بعضهم: لا بل هو اسم العين، وهو معرفة، ولكنه لما كان رأس آية، وكان مفتوحا، زيدت فيه الألف، كما قال: ﴿كَانت قَوارِيرا﴾ . وقال بعض نحويِّي الكوفة: السلسبيل: نعت أراد به سلس في الحلق، فلذلك حَرِيّ أن تسمى بسلاستها. وقال آخر منهم: ذكروا أن السلسبيل اسم للعين، وذكروا أنه صفة للماء لسلسه وعذوبته؛ قال: ونرى أنه لو كان اسما للعين لكان ترك الإجراء فيه أكثر، ولم نر أحدا ترك إجراءها وهو جائز في العربية، لأن العرب تجري ما لا يجرى في الشعر، كما قال متمم بن نويرة: فَمَا وَجْدُ أظْآرٍ ثَلاثٍ رَوَائمٍ ... رأيْنَ مخَرًّا مِنْ حُوَارٍ ومَصْرَعا [[الأضداد لابن الأنباري: ١٦٣، والخزانة ٤: ٤٩٠، وقال: "لم أقف على تتمته وقائله، مع أنه مشهور، قلما خلا منه كتاب نحوي، والله أعلم".]] فأجرى روائم، وهي مما لا يُجرَى. والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله: ﴿تُسَمَّى سَلْسَبِيلا﴾ صفة للعين، وصفت بالسلاسة في الحلق، وفي حال الجري، وانقيادها لأهل الجنة يصرّفونها حيث شاءوا، كما قال مجاهد وقتادة؛ وإنما عني بقوله ﴿تُسَمَّى﴾ : توصف. وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لإجماع أهل التأويل على أن قوله: ﴿سَلْسَبِيلا﴾ صفة لا اسم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب