الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (٣٠) ﴾ . يقول تعالى ذكره: ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء المشركون من أنهم لا يعاقبون على شركهم ومعصيتهم ربهم بل إذا بلغت نفس أحدهم التراقي عند مماته وحشرج بها. وقال ابن زيد في قول الله: ﴿كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ﴾ قال: التراقي: نفسه. ⁕ حدثني بذلك يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ يقول تعالى ذكره: وقال أهله: من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به، وطلبوا له الأطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئا. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ﴿مَنْ رَاقٍ﴾ فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا أبو كُريب وأبو هشام، قالا ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرِمة ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ قال: هل من راق يرقي. ⁕ حدثنا أبو كُرَيب وأبو هشام، قالا ثنا وكيع، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قِلابة ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ قال: هل من طبيب شاف. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة، مثله. ⁕ حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن أبي بسطام، عن الضحاك بن مزاحم في قول الله تعالى ذكره: ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ قال: هو الطبيب. ⁕ حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن جويبر، عن الضحاك في ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ قال: هل من مداوٍ. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ أي: التمسوا له الأطباء فلم يُغْنوا عنه من قضاء الله شيئا. ⁕ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن يزيد في قوله: ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ قال: أين الأطباء، والرُّقاة: من يرقيه من الموت. وقال آخرون: بل هذا من قول الملائكة بعضهم لبعض، يقول بعضهم لبعض: من يَرقى بنفسه فيصعد بها. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا أبو هشام، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس ﴿كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ قال: إذا بلغت نفسه يرقى بها، قالت الملائكة: من يصعد بها، ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب؟ ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، في قوله: ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ قال: بلغني عن أبي قلابة قال: هل من طبيب؟ قال: وبلغني عن أبي الجوزاء أنه قال: قالت الملائكة بعضهم لبعض: من يرقَى: ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب؟ * * * وقوله: ﴿وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ﴾ يقول تعالى ذكره: وأيقن الذي قد نزل ذلك به أنه فراق الدنيا والأهل والمال والولد. وبنحو الذي قلنا في ذاك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ﴾ أي: استيقن أنه الفراق. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ﴾ قال: ليس أحد من خلق الله يدفع الموت، ولا ينكره، ولكن لا يدري يموت من ذلك المرض أو من غيره؟ فالظنّ كما هاهنا هذا. * * * وقوله: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: والتفَّت شدّة أمر الدنيا بشدّة أمر الآخرة. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبى، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: الدنيا بالآخرة شدّة ⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ يقول: آخر يوم من الدنيا، وأوّل يوم من الآخرة، فتلتقي الشدّة بالشدة، إلا من رحم الله. ⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ يقول: والتفَّت الدنيا بالآخرة، وذلك ساق الدنيا والآخرة، ألم تسمع أنه يقول: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ . ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: التفّ أمر الدنيا بأمر الآخرة عند الموت. ⁕ حدثنا أبو كُريب وأبو هشام، قالا ثنا وكيع، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد، قال: آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: قال الحسن: ساق الدنيا بالآخرة. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن مجاهد، قال: هو أمر الدنيا والآخرة عند الموت. ⁕ حدثني عليّ بن الحسين، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أبي سنان الشيباني، عن ثابت، عن الضحاك في قوله: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: أهل الدنيا يجهزون الجسد، وأهل الآخرة يجهزون الروح. ⁕ حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي سنان، عن الضحاك، مثله ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك، قال: اجتمع عليه أمران، الناس يجهِّزون جسده، والملائكة يجهزون روحه. ⁕ حدثنا أبو هشام، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: ساق الدنيا بساق الآخرة. ⁕ حدثنا أبو هشام، قال: ثنا جعفر بن عون، عن أبي جعفر، عن الربيع مثله، وزاد: ويقال: التفافهما عند الموت. ⁕ حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية قال: الدنيا والآخرة. ⁕ قال: ثنا ابن يمان، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، قال: أمر الدنيا بأمر الآخرة. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: أمر الدنيا بأمر الآخرة. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: الشدّة بالشدّة، ساق الدنيا بساق الآخرة. ⁕ حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سألت إسماعيل بن أبي خالد، فقال: عمل الدنيا بعمل الآخرة. ⁕ حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سلمة، عن الضحاك، قال: هما الدنيا والآخرة. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: العلماء يقولون فيه قولين: منهم من يقول: ساق الآخرة بساق الدنيا. وقال آخرون: قلّ ميت يموت إلا التفَّت إحدى ساقيه بالأخرى. قال ابن زيد: غير أنَّا لا نشكّ أنها ساق الآخرة، وقرأ: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ قال: لما التفَّت الآخرة بالدنيا، كان المساق إلى الله، قال: وهو أكثر قول من يقول ذلك. وقال آخرون: بل معنى ذلك: التفَّت ساقا الميت إذا لفتا في الكفن. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا بشير بن المهاجر، عن الحسن، في قوله: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: لفُّهما في الكفن. ⁕ حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع وابن اليمان، عن بشير بن المهاجر، عن الحسن، قال: هما ساقاك إذا لفَّتا في. الكفن. ⁕ حدثنا أبو كُريب، قال: حدثنا وكيع عن بشير بن المهاجر، عن الحسن، مثله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: التفاف ساقي الميت عند الموت. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا حميد بن مسعدة، قال ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: ساقا الميت. ⁕ حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب وعبد الأعلى، قالا ثنا داود، عن عامر قال: التفَّت ساقاه عند الموت. ⁕ حدثنا ابن المثنى، قال: ثني ابن أبى عديّ، عن داود، عن الشعبيّ مثله. ⁕ حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد، عن داود، عن عامر، بنحوه. ⁕ حدثنا أبو كُريب وأبو هشام قالا ثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين عن أبي مالك ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: عند الموت. ⁕ حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السديّ، عن أبي مالك، قال: التفَّت ساقاك عند الموت. ⁕ حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ لفَّهما أمر الله. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر قال: قال الحسن: ساقا ابن آدم عند الموت. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل السديّ، عن أبي مالك ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: هما ساقاه إذا ضمت إحداهما بالأخرى. ⁕ حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال قتادة: أما رأيته إذا ضرب برجله رجله الأخرى. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شيء، فقد كان عليهما جوّالا. ⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: ساقاه عند الموت. وقال آخرون: عُنِيَ بذلك يبسهما عند الموت. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: يبسهما عند الموت. ⁕ حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السديّ، مثله. وقال آخرون: معنى ذلك: والتفّ أمر بأمر. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا أبو كُريب وأبو هشام قالا ثنا وكيع، قال: ثنا ابن أبي خالد، عن أبي عيسى ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قال: الأمر بالأمر. وقال آخرون: بل عني بذلك: والتفّ بلاء ببلاء. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، قال: بلاء ببلاء. وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندي قول من قال: معنى ذلك: والتفَّت ساق الدنيا بساق الآخرة، وذلك شدّة كرب الموت بشدة هول المطلع، والذي يدل على أن ذلك تأويله، قوله: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ والعرب تقول لكلّ أمر اشتدّ: قد شمر عن ساقه، وكشف عن ساقه، ومنه قول الشاعر: إذَا شَمَّرَتْ لَكَ عَنْ ساقها ... فَرِنها رَبِيعُ وَلا تَسأَم [[في المطبوعة: "إذا وأخر". وقوله "فرفع الاسم"، يعني ما في قول لبيد "ثم اسم"، وكان حقه أن ينصب على الإغراء لو قال: "ثم عليكما اسم السلام" بتقديم الإغراء.]] عني بقوله: ﴿الْتَفَّتِ السَّاقُ بالسَّاقِ﴾ التصقت إحدى الشِّدّتين بالأخرى، كما يقال للمرأة إذا التصقت إحدى فخذيها بالأخرى: لفَّاء. * * * وقوله: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ يقول: إلى ربك يا محمد يوم التفاف الساق بالساق مساقه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب