الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) ﴾ يقول تعالى ذكره: يودّ الكافر يومئذ ويتمنى أنه يفتدي من عذاب الله إياه ذلك اليوم ببنيه وصاحبته، وهي زوجته، وأخيه وفصيلته، وهم عشيرته التي تؤويه، يعني التي تضمه إلى رحله، وتنزل فيه امرأته، لقربة ما بينها وبينه، وبمن في الأرض جميعا من الخلق، ثم ينجيه ذلك من عذاب الله إياه ذلك اليوم، وبدأ جلّ ثناؤه بذكر البنين، ثم الصاحبة، ثم الأخ، إعلاما منه عباده أن الكافر من عظيم ما ينزل به يومئذ من البلاء يفتدي نفسه، لو وجد إلى ذلك سبيل بأحب الناس إليه، كان في الدنيا، وأقربهم إليه نسبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ الأحبّ فالأحبّ، والأقرب فالأقرب من أهله وعشيرته لشدائد ذلك اليوم. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ قال: قبيلته. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَصَاحِبَتِهِ﴾ قال: الصاحبة الزوجة، ﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ قال: فصيلته: عشيرته. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿كَلا إِنَّهَا لَظَى (١٥) نزاعَةً لِلشَّوَى (١٦) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (١٨) ﴾ يقول تعالى ذكره: كلا ليس ذلك كذلك، ليس ينجيه من عذاب الله شيء. ثم ابتدأ الخبر عما أعدّه له هنالك جلّ ثناؤه، فقال: ﴿إِنَّهَا لَظَى﴾ ولظى: اسم من أسماء جهنم، ولذلك لم يجر. واختلف أهل العربية في موضعها، فقال بعض نحويي البصرة: موضعها نصب على البدل من الهاء، وخبر إن: ﴿نزاعَةً﴾ ؛ قال: وان شئت جعلت لظَى رفعا على خبر إن، ورفعت ﴿نزاعَةً﴾ على الابتداء، وقال بعض من أنكر ذلك: لا ينبغي أن يتبع الظاهر المكنى إلا في الشذوذ؛ قال: والاختيار ﴿إِنَّهَا لَظَى نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ لظى الخبر، ونزاعة حال، قال: ومن رفع استأنف، لأنه مدح أو ذمّ، قال: ولا تكون ابتداء إلا كذلك. والصواب من القول في ذلك عندنا، أن ﴿لَظَى﴾ الخبر، و ﴿نزاعَةً﴾ ابتداء، فذلك رفع، ولا يجوز النصب في القراءة لإجماع قرّاء الأمصار على رفعها، ولا قارئ قرأ كذلك بالنصب؛ وإن كان للنصب في العربية وجه؛ وقد يجوز أن تكون الهاء من قوله: "إنها" عمادا، ولظى مرفوعة بنزاعة، ونزاعة بلظَى، كما يقال: إنها هند قائمة، وإنه هند قائمة، والهاء عماد في الوجهين. * * * وقوله: ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ يقول تعالى ذكره مخبرا عن لظَى: إنها تنزع جلدة الرأس وأطراف البدن، والشَّوَى: جمع شواة، وهي من جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلا يقال: رمى فأشوى إذا لم يصب مَقْتلا فربما وصف الواصف بذلك جلدة الرأس كما قال الأعشى: قالَتْ قُتَيْلَةُ ما لَهُ قَدْ جُلِّلَتْ شَيْبا شَوَاتُهُ [[البيت في ديوان الأعشى (طبعة فيينا ٢٣٨) قال: وهو مما نسب إلى الأعشى، وليس في ديوانه. وهو من شواهد أبي عبيدة (في مجاز القرآن الورقة ١٨٠) . قال: الشوى: واحدها: شواة، وهي اليدان والرجلان والرأس من الآدميين، قال الأعشى: "قالت قتيلة.." البيت. وفي (اللسان: شوى) قال الفراء: في قوله تعالى: (كلا إنها لظى نزاعة للشوى) قال: الشوى: اليدان، والرجلان، وأطراف الأصابع، وقحف الرأس. وجلدة الرأس يقال لها: شواة. وقال الزجاج: الشوى: جمع الشواة، وهي جلدة الرأس، وأنشد: "قالت قتيلة ما له.." البيت.]] وربما وصف بذلك الساق كقولهم في صفة الفرس: عبْلُ الشَّوَى نَهْدُ الجُزَارَة [[هذه عجز بيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة من قصيدة من مجزوء الكامل يهجو شيبان بن شهاب الجحدري مطلعها: "يا جارتي ما كنت جاره". (ديوانه طبع القاهرة ١٥٣ وما بعدها) . وهاك بيت الشاهد بتمامه مع بيتين قبله من (خزانة الأدب الكبرى ١: ٨٣) : وهناك يكذب ظنكم ... أنْ لا اجْتِماعَ ولا زِيارَهْ ولا بَرَاءَةَ للبرِي ... ءِ وَلا عَطاء ولا خفارَهْ إلا عُلالةَ أو بُدا ... هَةَ سابِحٍ نهْد الجُزارَهْ قال البغددادي: يقول: إذا غزوناكم علمتم أن ظنكم بأننا لا نغزوكم كذب، وهو زعمكم أننا لا نجتمع ولا نزوركم بالخيل والسلاح غازين لكم، ومن كان بريا منكم لم تنفعه براءته؛ لأن الحرب إذا عظمت لحق شرها البريء، كما يلحق المسيء ولا نقبل منكم عطاء، ولا نعطيكم خفارة تفتنون بها منا، والخفارة بالضم والكسر: الذمة إلا علالة: أي لكن نزوركم بالخيل. والعلالة: بقية جري الفرس من التعلل بمعنى: التلهي. والبداهة: أول جري الفرس. والسابح: الفرس الذي يدحو الأرض بيديه في العدو. والنهد: المرتفع. والجزارة: الرأس واليدان والرجلان. يريد أن في عنقه وقوائمه طولا وارتفاعا، فإنه يستحب في عنق الخيل الطول واللين. ويستحب أيضا أن يكون ما فوق الساقين من الفخدين طويلا، فيوصف حينئذ بطول القوائم. اهـ والشطر الذي أورده المؤلف شاهدًا، يختلف عن شطر الأعشى، ولكن فيه موضع الشاهد. اهـ.]] يعني بذلك: قوائمه، وأصل ذلك كله ما وصفت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني سليمان بن عبد الحبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس عن: ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ : قال: تنزع أمّ الرأس. ⁕ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف، قال: ثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: ثنا يحيى بن مهلب أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ قال: تنزع الرأس. ⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ : يعني الجلود والهام. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ قال: لجلود الرأس. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إبراهيم بن المهاجر، قال: سألت سعيد بن جبير عن قوله: ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ فلم يخبر، فسألت عنها مجاهدًا، فقلت: اللحم دون العظم؟ فقال: نعم. ⁕ قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ قال: لحم الساق. ⁕ حدثني محمد بن عُمارة الأسديّ، قال: ثنا قبيصة بن عقبة السُّوائّي، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح في قوله: ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ قال: نزاعة للحم الساقين. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن قرة بن خالد، عن الحسن ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ قال: للهام تحرق كلّ شيء منه، ويبقى فؤاده نضيجا. ⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله: ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ ثم ذكر نحوه. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ : أي نزاعة لهامته ومكارم خَلْقِهِ وأطرافه. ⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ : تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئا. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ﴿نزاعَةً لِلشَّوَى﴾ قال: الشوى: الآراب العظام، ذاك الشوى. * * * وقوله: ﴿نزاعَةً﴾ قال: تقطع عظامهم كما ترى، ثم يجدّد خلقهم، وتبدّل جلودهم. * * * وقوله: ﴿تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى﴾ يقول: تدعو لظى إلى نفسها من أدبر في الدنيا عن طاعة الله، وتولى عن الإيمان بكتابه ورسله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى﴾ قال: عن طاعة الله، ﴿وَتَوَلَّى﴾ قال: عن كتاب الله، وعن حقه. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى﴾ قال: عن الحق. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ﴿تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى﴾ قال: ليس لها سلطان إلا على هوانِ مَنْ كفر وتولى وأدبر عن الله، فأما من آمن بالله ورسوله، فليس لها عليه سلطان. * * * وقوله: ﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾ يقول: وجمع مالا فجعله في وعاء، ومنع حق الله منه، فلم يزك ولم ينفق فيما أوجب الله عليه إنفاقه فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾ قال: جمع المال. ⁕ حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا أبو قطن، قال: ثنا المسعودي، عن الحكم، قال: كان عبد الله بن عكيم، لا يربط كيسه، يقول: سمعت الله يقول: ﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾ . ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾ كان جموعا قموما للخبيث.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب