الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ﴿هو الذي خلقكم من نفس واحدة﴾ ، يعني بالنفس الواحدة: آدم، [[انظر تفسير ((نفس واحدة)) فيما سلف ٧: ٥١٣، ٥١٤.]] كما: - ١٥٤٩٧ - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: ﴿خلقكم من نفس واحدة﴾ قال: آدم عليه السلام. [[الأثر: ١٥٤٩٧ - مضى برقم: ٨٤٠٢]] ١٥٤٩٨ - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿هو الذي خلقكم من نفس واحدة﴾ ، من آدم. [[الأثر: ١٥٤٩٨ - مضى برقم: ٨٤٠١.]] * * * ويعني بقوله: ﴿وجعل منها زوجها﴾ ،: وجعل من النفس الواحدة، وهو آدم، زوجها حواء، [[انظر تفسير ((جعل)) فيما سلف من فهارس اللغة (جعل) .]] كما: - ١٥٤٩٩ - حدثني بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة. ﴿وحمل منها زوجها﴾ ،: حواء، فجعلت من ضلع من أضلاعه، ليسكن إليها. [[الأثر: ١٥٤٩٩ - مضى برقم: ٨٤٠٥.]] * * * ويعني بقوله: ﴿ليسكن إليها﴾ ،: ليأوي إليها لقضاء حاجتة ولذته. [[في المطبوعة والمخطوطة: ((لقضاء الحاجة ولذته)) ، والسياق يقتضى ما أثبت.]] * * * ويعني بقوله: ﴿فلما تغشاها﴾ ، فلما تدثَّرها لقضاء حاجته منها، فقضى حاجته منها = ﴿حملت حملا خفيفًا﴾ ، وفي الكلام محذوف، ترك ذكرُه استغناءً بما ظهر عما حذف، وذلك قوله: ﴿فلما تغشاها حملت﴾ ، وإنما الكلام: فلما تغشاها =فقضى حاجته منها= حملت. * * * وقوله: ﴿حملت حملا خفيفًا﴾ ، يعني ب "خفة الحمل": الماء الذي حملته حواء في رَحِمها من آدم، أنه كان حملا خفيفًا، وكذلك هو حملُ المرأة ماءَ الرجل خفيفٌ عليها. * * * وأما قوله: ﴿فمرت به﴾ ، فإنه يعني: استمرَّت بالماء: قامت به وقعدت، وأتمت الحمل، كما: - ١٥٥٠٠ - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبي عمير، عن أيوب قال: سألت الحسن عن قوله: ﴿حملت حملا خفيفًا فمرت به﴾ قال: لو كنت امرءًا عربيًّا لعرفت ما هي؟ إنما هي: فاستمرَّت به. [[الأثر: ١٥٥٠٠ ((أبو عمير)) ، هو (الحارث بن عمير البصري) . ثقة متكلم فيه، مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ٢ / ٨٣. و ((أيوب)) هو السختياني، ((أيوب بن أبي تميمه، مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ١ / ٤٠٩، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٢٥٥.]] ١٥٥٠١ - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿فلما تغشاها حملت حملا خفيفًا فمرت به﴾ ، استبان حملها. ١٥٥٠٢ - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿فمرت به﴾ قال: استمرّ حملها. ١٥٥٠٣ - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: ﴿حملت حملا خفيفًا﴾ قال: هي النطفة = وقوله: ﴿فمرّت به﴾ ، يقول: استمرّت به. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: فشكَّت فيه. * ذكر من قال ذلك: ١٥٥٠٤ - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ﴿فمرت به﴾ قال: فشكت، أحملت أم لا؟ * * * ويعني بقوله: ﴿فلما أثقلت﴾ ، فلما صار ما في بطنها من الحمل الذي كان خفيفًا، ثقيلا ودنت ولادتها. * * * يقال منه: "أثقلت فلانة" إذا صارت ذات ثقل بحملها، كما يقال: "أَتْمَرَ فلان": إذا صار ذا تَمْر. كما: - ١٥٥٠٥ - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿فلما أثقلت﴾ ،: كبر الولد في بطنها. * * * قال أبو جعفر: ﴿دعوا الله ربهما﴾ ، يقول: نادى آدم وحواء ربهما وقالا يا ربنا، "لئن آتيتنا صالحًا لنكونن من الشاكرين". * * * واختلف أهل التأويل في معنى "الصلاح" الذي أقسم آدم وحواء عليهما السلام أنه إن آتاهما صالحًا في حمل حواء: لنكونن من الشاكرين. فقال بعضهم: ذلك هو أن يكون الحمل غلامًا. * ذكر من قال ذلك: ١٥٥٠٦ - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: قال الحسن، في قوله: ﴿لئن آتيتنا صالحًا﴾ قال: غلامًا. * * * وقال آخرون: بل هو أن يكون المولود بشرًا سويًّا مثلهما، ولا يكون بهيمة. * ذكر من قال ذلك: ١٥٥٠٧ - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن زيد بن جبير الجُشَمي، عن أبي البختري، في قوله: ﴿لئن آتيتنا صالحًا لنكونن من الشاكرين﴾ قال: أشفقا أن يكون شيئًا دون الإنسان. [[الأثر: ١٥٥٠٧ - ((زيد بن جبير الحشمي الطائى)) ، ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ١ / ٣٥٦، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٥٥٨. وكان في المطبوعة: ((الحسمي)) ، غير منقوطة كما في المخطوطة، والصواب ما أثبت.]] ١٥٥٠٨ - ... قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن زيد بن جبير، عن أبي البختري قال: أشفقا أن لا يكون إنسانًا. ١٥٥٠٩ - ... قال: حدثنا محمد بن عبيد، عن إسماعيل، عن أبي صالح قال: لما حملت امرأة آدم فأثقلت، كانا يشفقان أن يكون بهيمة، فدعوا ربهما: ﴿لئن آتيتنا صالحًا﴾ ، الآية. ١٥٥١٠ - ... قال: حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: أشفقا أن يكون بهيمة. ١٥٥١١ - حدثني القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال سعيد بن جبير: لما هبط آدم وحواء، ألقيت الشهوة في نفسه فأصابها، فليس إلا أن أصابها حملت، فليس إلا أن حملت تحرك في بطنها ولدها، [[هذا تعبير جيد، يصور سرعة حدوث ذلك، ولو شاء أن يقوله قائل، لقال: ((فليس إلا أن أصابها حتي حملت. . .)) ، فتهوى العبارة من قوة إلى ضعف.]] قالت: ما هذا؟ فجاءها إبليس، فقال [لها: إنك حملت فتلدين! قالت: ما ألد؟ قال] : [[الزيادة بين القوسين من الدر المنثور٣: ١٥٢، وهي زيادة لا بد منها. والمخطوطة مضطربة في الوضع.]] أترين في الأرض إلا ناقةً أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة، أو بعض ذلك! [[في المطبوعة والدر المنثور: ((هو بعض ذلك)) .]] [ويخرج من أنفك، أو من أذنك، أو من عينك] . [[الزيادة بين القوسين من الدر المنثور، ولا يستقيم الكلام إلا بها.]] قالت: والله ما مني شيء إلا وهو يضيق عن ذلك! قال: فأطيعيني وسميه "عبد الحارث" = [وكان اسمه في الملائكة الحارث] = [[هذه الزيادة أيضا من الدر المنثور.]] تلدي شبهكما مثلكما! قال: فذكرت ذلك لآدم عليه السلام، فقال: هو صاحبنا الذي قد علمت! [[في المطبوعة: ((هو صاحبنا الذي قد أخرجنا من الجنة)) ، وفي المخطوطة: ((الذي قد فمات)) وبين ((قد)) و ((فمات)) حرف ((ط)) وبالهامش و ((كذا)) . وأثبت نص العبارة من الدر المنثور.]] فمات، ثم حملت بآخر، فجاءها فقال: أطيعيني وسميه عبد الحارث -وكان اسمه في الملائكة الحارث= وإلا ولدت ناقة أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة، أو قتلته، فإني أنا قتلت الأول! قال: فذكرت ذلك لآدم، فكأنه لم يكرهه، فسمته "عبد الحارث"، فذلك قوله: ﴿لئن آتيتنا صالحًا﴾ ، يقول: شبهنا مثلنا = ﴿فلما آتاهما صالحًا﴾ قال: شبههما مثلهما. [[الأثر: ١٥٥١١ - هذه أخبار باطلة كما أشرنا إليه مرارًا.]] ١٥٥١٢ - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿فلما أثقلت﴾ ، كبر الولد في بطنها، جاءها إبليس، فخوَّفها وقال لها: ما يدريك ما في بطنك؟ لعله كلب، أو خنزير، أو حمار! وما يدريك من أين يخرج؟ أمن دبرك فيقتلك، أو من قُبُلك، أو ينشق بطنك فيقتلك؟ فذلك حين ﴿دعوا الله ربهما لئن آتينا صالحًا﴾ ، يقول: مثلنا = ﴿لنكونن من الشاكرين﴾ . * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن آدم وحواء أنهما دعَوا الله ربهما بحمل حواء، وأقسما لئن أعطاهما ما في بطن حواء، صالحًا ليكونان لله من الشاكرين. و"الصلاح" قد يشمل معاني كثيرة: منها "الصلاح" في استواء الخلق، ومنها "الصلاح" في الدين، و"الصلاح" في العقل والتدبير. وإذ كان ذلك كذلك، ولا خبر عن الرسول يوجب الحجة بأن ذلك على بعض معاني "الصلاح" دون بعض، ولا فيه من العقل دليل، وجب أن يُعَمَّ كما عمَّه الله، فيقال: إنهما قالا ﴿لئن آتيتنا صالحًا﴾ بجميع معاني "الصلاح". [[انظر تفسير ((الصلاح)) فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) .]] * * * وأما معنى قوله: ﴿لنكونن من الشاكرين﴾ ، فإنه: لنكونن ممن يشكرك على ما وهبت له من الولد صالحًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب