القول في تأويل قوله: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "وإذ تأذن"، واذكر، يا محمد، إذ آذن ربك، وأعلم. [[(١) كان في المطبوعة: ((إذ أذن ربك فأعلم)) ، وأثبت ما في المخطوطة.]]
* * *
=وهو "تفعل" من "الإيذان"، كما قال الأعشى، ميمون بن قيس:
أَذِنَ اليَوْمَ جِيرَتِي بِخُفُوفِ صَرَمُوا حَبْلَ آلِفٍ مَأْلُوفِ [[(٢) ديوانه: ٢١١، مطلع قصيدة له طويلة. وفي الديوان المطبوع ((بحفوفي)) ، وهو خطأ صرف، صوابه في مصورة ديوانه. و ((الخفوف)) مصدر قولهم: ((خف القوم عن منزلهم خفوفاً)) ، ارتحلوا، أو أسرعوا في الارتحال، وفي خطبته ﷺ في مرضه: ((أيها الناس، إنه قد دنا منى خفوف من بين أظهركم)) ، أي قرب ارتحال، منذراً ﷺ بموته.]]
يعني بقوله: "أذِن"، أعلم. وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع. [[(٣) انظر تفسير ((الإذن)) فيما سلف ١١: ٢١٥، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]]
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٥٢٩٧- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "وإذ تأذن ربك"، قال: أمرَ ربك.
١٥٢٩٨- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: "وإذ تأذن ربك"، قال: أمر ربك.
* * *
وقوله: "ليبعثن عليهم"، يعني: أعلم ربك ليبعثن على اليهود من يسومهم سوء العذاب. [[(١) انظر تفسير ((البعث)) فيما سلف من فهارس اللغة (بعث) ، وأخشى أن يكون الصواب: ((يعنى: أعلم ربك ليرسلن على اليهود)) .]] قيل: إن ذلك، العربُ، بعثهم الله على اليهود، يقاتلون من لم يسلم منهم ولم يعط الجزية، ومن أعطى منهم الجزية كان ذلك له صغارًا وذلة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٥٢٩٩- حدثني المثني بن إبراهيم وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب"، قال: هي الجزية، والذين يسومونهم: محمد ﷺ وأمّته، إلى يوم القيامة.
١٥٣٠٠- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب"، فهي المسكنة، وأخذ الجزية منهم.
١٥٣٠١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب"، قال: يهود، وما ضُرب عليهم من الذلة والمسكنة.
١٥٣٠٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب"، قال: فبعث الله عليهم هذا الحيَّ من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة.
١٥٣٠٣- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم"، قال: بعث عليهم هذا الحي من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة. = وقال عبد الكريم الجزريّ: يُستحبُّ أن تُبعث الأنباط في الجزية. [[(١) القائل: ((قال عبد الكريم الجزرى ... )) ، إلى آخر الكلام، هو ((معمر)) ، وسيأتي بيان ذلك ومصداقه في ا"لأثر رقم: ١٥٣٠٨، رواية معمر، عن عبد الكريم، عن ابن المسيب.]]
١٥٣٠٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم"، قال: العرب= "سوء العذاب"، قال: الخراج. وأوّلُ من وضع الخراج موسى عليه السلام، فجبى الخراجَ سبعَ سنين.
١٥٣٠٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم"، قال: العرب= "سوء العذاب"؟ قال: الخراج. قال: وأول من وضع الخراج موسى، فجبى الخراج سبعَ سنين.
١٥٣٠٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب"، قال: هم أهل الكتاب، بعث الله عليهم العرب يجبُونهم الخراجَ إلى يوم القيامة، فهو سوء العذاب. ولم يجب نبيٌّ الخراجَ قطُّ إلا مُوسى ﷺ ثلاث عشرة سنةً، ثم أمسك، وإلا النبي ﷺ.
١٥٣٠٧- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب"، قال: يبعث عليهم هذا الحي من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة.
١٥٣٠٨-..... قال أخبرنا معمر قال، أخبرني عبد الكريم، عن ابن المسيب قال: يستحبُّ أن تبعث الأنباط في الجزية. [[(١) الأثر: ١٥٣٠٨ - انظر ختام الأثر السالف رقم: ١٥٣٠٣.]]
١٥٣٠٩- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط عن السدي: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب"، يقول: إن ربك يبعث على بني إسرائيل العرب، فيسومونهم سوء العذاب، يأخذون منهم الجزية ويقتلونهم.
١٥٣١٠- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة"، ليبعثن على يَهُود.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد، لسريعٌ عقابه إلى من استوجَب منه العقوبة على كفره به ومعصيته= "وإنه لغفور رحيم"، يقول: وإنه لذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه، فأناب وراجع طاعته، يستر عليها بعفوه عنها= "رحيم"، له، أن يعاقبه على جرمه بعد توبته منها، لأنه يقبل التوبة ويُقِيل العَثْرة. [[(٢) انظر تفسير ((سريع العقاب)) ، و ((غفور)) ،و ((رحيم)) فيما سلف من فهارس اللغة (سرع) و (غفر) و (رحم) .]]
{"ayah":"وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَیَبۡعَثَنَّ عَلَیۡهِمۡ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَن یَسُومُهُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِیعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}