الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال موسى، لما تبين له عذر أخيه، وعلم أنه لم يفرط في الواجب الذي كان عليه من أمر الله، في ارتكاب ما فعله الجهلة من عبدة العجل: "رب اغفر لي"، مستغفرًا من فعله بأخيه، ولأخيه من سالفٍ سلف له بينه وبين الله: [[(١) في المطبوعة: ((من سالف له)) ، أسقط ((سلف)) ، وهي من المخطوطة.]] تغمد ذنوبنا بستر منك تسترها به [[(٢) انظر تفسير ((المغفرة)) فيما سف من فهارس اللغة (غفر) .]] = "وأدخلنا في رحمتك"، يقول: وارحمنا برحمتك الواسعة عبادك المؤمنين، فإنك أنت أرحم بعبادك من كل من رحم شيئًا. * * * القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "إن الذين اتخذوا العجل" إلهًا= "سينالهم غضب من ربهم"، بتعجيل الله لهم ذلك [[(٣) انظر تفسير ((نال)) فيما سلف ١٢: ٤٠٨، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] = "وذلة"، وهي الهوان، لعقوبة الله إياهم على كفرهم بربهم= [[(١) انظر تفسير ((الذلة)) فيما سلف ٢: ٢١٢ / ٧: ١٧١ / ١١: ٤٢١.]] "في الحياة الدنيا"، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة. * * * وكان ابن جريج يقول في ذلك بما: - ١٥١٤٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين"، قال: هذا لمن مات ممن اتخذ العجل قبل أن يرجع موسى عليه السلام، ومن فرّ منهم حين أمرهم موسى أن يقتل بعضهم بعضًا. * * * قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله ابن جريج، وإن كان قولا له وجه، فإن ظاهر كتاب الله، مع تأويل أكثر أهل التأويل، بخلافه. وذلك أن الله عم بالخبر عمن اتخذ العجل أنه سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا، وتظاهرت الأخبار عن أهل التأويل من الصحابة والتابعين بأن الله إذ رجع إلى بني إسرائيل موسى عليه السلام، تابَ على عبدة العجل من فعلهم بما أخبر به عن قيل موسى عليه السلام في كتابه، وذلك قوله: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [سورة البقرة: ٥٤] ، ففعلوا ما أمرهم به نبيهم ﷺ. فكان أمرُ الله إياهم بما أمرهم به من قتل بعضهم أنفُس بعض، عن غضب منه عليهم بعبادتهم العجل. فكان قتل بعضهم بعضًا هوانًا لهم وذلة أذلهم الله بها في الحياة الدنيا، وتوبة منهم إلى الله قبلها. وليس لأحد أن يجعل خبرًا جاء الكتاب بعمومه، في خاصٍّ مما عمه الظاهر، بغير برهان من حجة خبر أو عقل. ولا نعلم خبرًا جاء بوجوب نقل ظاهر قوله: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم"، إلى باطن خاصّ = ولا من العقل عليه دليل، فيجب إحالة ظاهره إلى باطنه. * * * ويعني بقوله: "وكذلك نجزي المفترين"، وكما جَزيت هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلهًا، من إحلال الغضب بهم، والإذلال في الحياة الدنيا على كفرهم ربّهم، ورِدَّتهم عن دينهم بعد إيمانهم بالله، كذلك نجزي كل من افترى على الله، فكذب عليه، وأقر بألوهية غيره، وعبد شيئًا سواه من الأوثان، بعد إقراره بوحدانية الله، وبعد إيمانه به وبأنبيائه ورسله وقِيلَ ذلك، إذا لم يتب من كفره قبل قتله. [[(١) انظر تفسير ((الافتراء)) فيما سلف ١٢: ٥٦٢، تعلق: ١، والمراجع هناك.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٥١٤٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب قال: تلا أبو قلابة: "سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا" الآية، قال: فهو جزاء كل مفترٍ يكون إلى يوم القيامة: أن يذله الله عز وجل. ١٥١٤٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب قال: قرأ أبو قلابة يومًا هذه الآية: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين"، قال: هي والله لكل مفترٍ إلى يوم القيامة. ١٥١٥٠- ... قال حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد، عن ثابت، وحميد: أن قيس بن عُبَاد، وجارية بن قدامة، دخلا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقالا أرأيت هذا الأمر الذي أنت فيه وتدعو إليه، أعهدٌ عهده إليك رسول الله ﷺ، أم رأيٌ رأيته؟ قال: ما لكما ولهذا؟ أعرضا عن هذا! فقالا والله لا نعرضُ عنه حتى تخبرنا! فقال: ما عهد إليّ رسول الله ﷺ إلا كتابًا في قراب سيفي هذا! فاستلَّه، فأخرج الكتاب من قراب سيفه، وإذا فيه: "إنه لم يكن نبيّ إلا له حرم، وأنّي حرمت المدينة كما حرّم إبراهيم عليه السلام مكة، لا يحمل فيها السلاحُ لقتال. من أحدث حدثًا أو آوى مُحدِثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عَدْل". فلما خرجا قال أحدهما لصاحبه: أما ترى هذا الكتاب؟ فرجعا وتركاه وقالا إنا سمعنا الله يقول "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم"، الآية، وإن القوم قد افتروا فرية، ولا أدري إلا سينزل بهم ذلة. [[(١) الأثر: ١٥١٥٠ - كان إسناد هذا الخبر في المطبوعة هكذا: ((قال، حدثنا حماد، عن ثابت: أن حميد بن قيس بن عباد، وحارثه بن قدامة)) ، وفي المخطوطة: ((قال حدثنا حماد عن ثابت وحميد بن قيس بن عباد، وحارثه بن قدامة)) . ((حارثة)) غير منقوطة. وهما جميعاً خطأ، صوابه ما أثبت. و ((حماد)) هو: ((حماد بن سلمة)) ، ثقة مشهور، مضى مرارًا. و ((ثابت)) هو ((ثابت بن أسلم البنانى)) ، مضى مرارًا. و ((حميد)) هو ((حميد الطويل)) ، وهو: ((حميد بن أبي حميد)) ، الإمام المشهور، مضى مرارًا، وهو خال ((حماد بن سلمة)) . وأما ((قيس بن عباد القيسى الضبعى)) ، فهو ثقة قليل الحديث، روى عنه الحسن. قدم المدينة في خلافة عمر. وهو ممن قتلهم الحجاج في من خرج مع ابن الأشعث. مترجم في التهذيب، وابن سعد ٧ / ١ / ٩٥، والكبير ٤/١/١٤٥، وابن أبي حاتم ٣/١٢/١٠١، وفي الإصابة في القسم الثالث. وأما ((جارية بن قدامة بن زهير بن الحصين السعدي)) ، يقال هو بن عم الأحنف بن قيس، ويقال هو: عمه. وقال الطبراني: ((ليس بعم الأحنف أخي أبيه، ولكنه كان يدعوه عمه على سبيل الإعظام له)) . وجارية تميمى من أشراف تميم وكان شجاعاً فاتكاً، وهو صحابي ثابت الصحبة. مترجم في التهذيب، وابن سعد ٧/١/٣٨، والكبير ١/٢/٢٣٦، وابن أبي حاتم ١/١/٥٢٠، وفي الإصابة، وغيرها. وهذا الخبر لم أهتد إليه بهذا الإسناد، وهذه السياقة، في شيء من الكتب، ولكن خبر الصحيفة، عن ((قيس بن عباد)) ، رواه أحمد في مسنده رقم ٩٩٣، من طريق يحيى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى على، فقلنا: هل عهد إليك نبى الله ﷺ شيئاً لم يعهده إلى الناس عامة؟)) ، وساق خبراً آخر. وروى أحمد خبر الصحيفة في مسند علي رضي الله عنه، بأسانيد مختلفة، وألفاظ مختصرة ومطولة، ومؤتلفة ومختلفة. انظر رقم ٦١٥، ٨٧٢، ٨٧٤، ٩٥٤، ٩٦٢، ١٠٣٧، ١٢٩٧، ١٣٠٦، وليس في شيء منها ذكر ((جارية بن قدامة)) . ومع ذلك فخبر أبي جعفر صحيح الإسناد، فكأنهما حادثتان مختلفتان. وكان في المخطوطة: ((ولا أدرى إلا سينزل به ذلة)) والصواب ما صححه ناشر المطبوعة.]] ١٥١٥١- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة: في قوله: "وكذلك نجزي المفترين" قال: كل صاحب بدعة ذليلٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب