الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) ﴾ يقول تعالى ذكره: قد بين الله عزّ وجلّ لكم تحلة أيمانكم، وحدّها لكم أيها الناس ﴿وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ﴾ يتولاكم بنصره أيها المؤمنون ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ﴾ بمصالحكم ﴿الْحَكِيمُ﴾ في تدبيره إياكم، وصرفكم فيما هو أعلم به. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) ﴾ يقول تعالى ذكره: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ﴾ محمد ﷺ ﴿إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ ، وهو في قول ابن عباس وقتادة وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن بن زيد والشعبي والضَّحاك بن مزاحم: حَفْصةُ. وقد ذكرنا الرواية في ذلك قبل. * * * وقوله: ﴿حَدِيثًا﴾ والحديث الذي أسرّ إليها في قول هؤلاء هو قوله لمن أسرّ إليه ذلك من أزواجه تحريم فتاته، أو ما حرّم على نفسه مما كان الله جلّ ثناؤه قد أحله له، وحلفه على ذلك وقوله: "لا تذكري ذلك لأحد". * * * وقوله: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ يقول تعالى ذكره: فلما أخبرت بالحديث الذي أسرّ إليها رسول الله ﷺ صاحبتها ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ يقول: وأظهر الله نبيه محمدًا ﷺ على أنها قد أنبأت بذلك صاحبتها. * * * وقوله: ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار غير الكسائي ﴿عَرَّفَ﴾ بتشديد الراء، بمعنى: عرف النبيّ ﷺ حفصة بعض ذلك الحديث وأخبرها به، وكان الكسائيّ يذكر عن الحسن البصريّ وأبي عبد الرحمن السلمي وقتادة، أنهم قرءوا ذلك ﴿عَرَفَ﴾ بتخفيف الراء، بمعنى: عرف لحفصة بعض ذلك الفعل الذي فعلته من إفشائها سرّه، وقد استكتمها إياه: أي غضب من ذلك عليها رسول الله ﷺ، وجازاها عليه؛ من قول القائل لمن أساء إليه: لأعرفنّ لك يا فلان ما فعلت، بمعنى: لأجازينك عليه؛ قالوا: وجازاها رسول الله ﷺ على ذلك من فعلها بأن طلقها. وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾ بتشديد الراء، بمعنى: عرّف النبيّ ﷺ حفصة، يعني ما أظهره الله عليه من حديثها صاحبتها لإجماع الحجة من القرّاء عليه. * * * وقوله: ﴿وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾ يقول: وترك أن يخبرها ببعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا﴾ قوله لها: لا تذكريه ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾ وكان كريمًا ﷺ. * * * وقوله: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ﴾ يقول: فلما خبر حفصة نبيّ الله ﷺ بما أظهره الله عليه من إفشائها سرّ رسول الله ﷺ إلى عائشة ﴿قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا﴾ يقول: قالت حفصةُ لرسول الله ﷺ: من أنبأك هذا الخبر وأخبرك به ﴿قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ يقول تعالى ذكره: قال محمد نبيّ الله لحفصة: خبرني به العليم بسرائر عباده، وضمائر قلوبهم، الخبير بأمورهم، الذي لا يخفى عنه شيء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا﴾ ولم تشكّ أن صاحبتها أخبرت عنها ﴿قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب