القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (٨) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (٩) ﴾
يقول تعالى ذكره: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ﴾ للمقلّ من المال المقدور عليه رزقه ﴿بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ يقول: من بعد شدّة رخاء، ومن بعد ضيق سعة، ومن بعد فقر غنى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) بعد الشدة الرخاء.
* * *
وقوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ﴾
يقول تعالى ذكره: وكأين من أهل قرية طغوا عن أمر ربهم وخالفوه، وعن أمر رسل ربهم، فتمادوا في طغيانهم وعتّوهم، ولجوا في كفرهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط عن السدي، في قوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ﴾ قال: غَيَّرت وَعَصَت.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا﴾ قال: العتو هاهنا الكفر والمعصية، عتُوّا: كفرًا، وعتت عن أمر ربها: تركته ولم تقبله.
وقيل: إنهم كانوا قومًا خالفوا أمر ربهم في الطلاق، فتوعد الله بالخبر عنهم هذه الأمة أن يفعل بهم فعله بهم إن خالفوا أمره في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت عمر بن سليمان يقول في قوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ﴾ قال: قرية عذّبت في الطلاق.
* * *
وقوله: ﴿فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا﴾
يقول: فحاسبناها على نعمتنا عندها وشكرها حسابًا شديدًا، يقول: حسابًا استقصينا فيه عليهم، لم نعف لهم فيه عن شيء، ولم نتجاوز فيه عنهم.
كما:-
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، قوله: ﴿فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا﴾ قال: لم نعف عنها الحساب الشديد الذي ليس فيه من العفو شيء.
⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ﴿فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا﴾ يقول: لم نرحم.
* * *
وقوله: ﴿وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا﴾
يقول: وعذبناها عذابًا عظيمًا منكرًا، وذلك عذاب جهنم.
* * *
وقوله: ﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا﴾
يقول: فذاقت هذه القرية التي عتت عن أمر ربها ورسله، عاقبة ما عملت وأتت من معاصي الله والكفر به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: ﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا﴾ قال: عقوبة أمرها.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا﴾ قال: ذاقت عاقبة ما عملت من الشرّ، الوبال: العاقبة.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا﴾ يقول: عاقبة أمرها.
⁕ حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا﴾ قال: جزاء أمرها.
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا﴾ يعني بوبال أمرها: جزاء أمرها الذي قد حلّ.
* * *
وقوله: ﴿وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا﴾
يقول تعالى ذكره: وكان الذي أعقب أمرهم، وذلك كفرهم بالله وعصيانهم إياه خسرًا: يعني غَبْنا، لأنهم باعوا نعيم الآخرة بخسيس من الدنيا قليل، وآثروا اتباع أهوائهم على اتباع أمر الله.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["وَكَأَیِّن مِّن قَرۡیَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَـٰهَا حِسَابࣰا شَدِیدࣰا وَعَذَّبۡنَـٰهَا عَذَابࣰا نُّكۡرࣰا","فَذَاقَتۡ وَبَالَ أَمۡرِهَا وَكَانَ عَـٰقِبَةُ أَمۡرِهَا خُسۡرًا"],"ayah":"فَذَاقَتۡ وَبَالَ أَمۡرِهَا وَكَانَ عَـٰقِبَةُ أَمۡرِهَا خُسۡرًا"}