الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (٥٧) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه ﷺ:"قل"، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم، الداعين لك إلى الإشراك بربك =" إني على بيّنة من ربي"، أي إني على بيان قد تبينته، وبرهان قد وضح لي ="من ربي"، يقول: من توحيدي، [[في المطبوعة: "توحيده"، وأثبت ما في المخطوطة.]] وما أنا عليه من إخلاص عُبُودته [[في المطبوعة: "عبوديته"، وأثبت ما في المخطوطة.]] من غير إشراك شيء به. * * * وكذلك تقول العرب:"فلان على بينة من هذا الأمر"، إذا كان على بيان منه، [[انظر تفسير"البينة" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .]] ومن ذلك قول الشاعر: [[لم أعرف قائله.]] أَبَيِّنَةً تَبْغُونَ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ ... وقَوْلِ سُوَيْدٍ قَدْ كَفَيْتُكُمُ بِشْرَا [[مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٩٣.]] * * * "وكذبتم به" يقول: وكذبتم أنتم بربكم = و"الهاء" في قوله"به" من ذكر الرب جلّ وعز =" ما عندي ما تستعجلون به"، يقول: ما الذي تستعجلون من نقم الله وعذابه بيدي، ولا أنا على ذلك بقادر. وذلك أنهم قالوا حين بعث الله نبيَّه محمدًا ﷺ بتوحيده، فدعاهم إلى الله، وأخبرهم أنه رسوله إليهم: هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ [سورة الأنبياء: ٣] . وقالوا للقرآن: هو أضغاث أحلام. وقال بعضهم: بل هو اختلاق اختلقه. وقال آخرون: بل محمد شاعر، فليأتنا بآية كما أرسل الأولون = فقال الله لنبيه ﷺ: أجبهم بأن الآيات بيد الله لا بيدك، وإنما أنت رسول، وليس عليك إلا البلاغ لما أرسلت به، وأنّ الله يقضي الحق فيهم وفيك، ويفصل به بينك وبينهم، فيتبين المحقُّ منكم والمبطل [[انظر تفسير"الفصل" فيما سلف ٥: ٣٣٨.]] ="وهو خير الفاصلين"، أي: وهو خير من بيّن وميّز بين المحق والمبطل وأعدلهم، لأنه لا يقع في حكمه وقضائه حَيْف إلى أحد لوسيلة له إليه ولا لقرابة ولا مناسبة، ولا في قضائه جور، لأنه لا يأخذ الرشوة في الأحكام فيجور، فهو أعدل الحكام وخيرُ الفاصلين. وقد ذكر لنا في قراءة عبد الله: ﴿وَهُو أَسْرَعُ الْفَاصِلِينَ﴾ . ١٣٣٠٢ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قال: في قراءة عبد الله: ﴿يَقْضِي الْحَقَّ وَهُو أَسْرَعُ الْفَاصِلِينَ﴾ . * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله:"يقصُّ الحق". [[في المطبوعة والمخطوطة: "يقضي الحق"، وهو سهو هنا، والصواب ما أثبته.]] فقرأه عامة قرأة الحجاز والمدينة وبعض قرأة أهل الكوفة والبصرة:" إنِ الْحُكْمُ إلا لِلهِ يَقُصُّ الْحَقَّ"، بالصاد، بمعنى"القصص"، وتأوّلوا في ذلك قول الله تعالى ذكره: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [سورة يوسف: ٣] . وذكر ذلك عن ابن عباس. ١٣٣٠٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال،"يقص الحق"، وقال: نحن نقص عليك أحسن القصص. * * * وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفة والبصرة: ﴿إنِ الْحُكْمُ إلا لِلهِ يَقْضِي الْحَقَّ﴾ بالضاد، من"القضاء"، بمعنى الحكم والفصل بالقَضَاء، [[انظر تفسير"قضى" فيما سلف ٢: ٥٤٢، ٥٤٣، وسائر فهارس اللغة.]] واعتبروا صحة ذلك بقوله:"وهو خير الفاصلين"، وأن"الفصل" بين المختلفين إنما يكون بالقضاء لا بالقَصَص. * * * وهذه القراءة عندنا أولى القراءَتين بالصواب، لما ذكرنا لأهلِها من العلّة. * * * فمعنى الكلام إذًا: ما الحكم فيما تستعجلون به، أيها المشركون، من عذاب الله وفيما بيني وبينكم، إلا الله الذي لا يجور في حكمه، وبيده الخلق والأمر، يقضي الحق بيني وبينكم، وهو خير الفاصلين بيننا بقضائه وحكمه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب