الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٢٦) ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"وهم ينهون عنه وينأون عنه". فقال بعضهم: معناه: هؤلاء المشركون المكذبون بآيات الله، ينهونَ الناس عن اتباع محمّد ﷺ والقبول منه ="وينأَوْن عنه"، يتباعدون عنه. * ذكر من قال ذلك: ١٣١٥٩ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث وهانئ بن سعيد، عن حجاج، عن سالم، عن ابن الحنفية:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، قال: يتخلفون عن النبي ﷺ ولا يجيبونه، وينهون الناس عنه. [[الأثر: ١٣١٥٩ -"هانئ بن سعيد النخعي"، صالح الحديث، مترجم في الكبير ٤/٢/٢٣٣، وابن أبي حاتم ٤/٢/١٠٢. و"حجاج" هو"حجاج بن أرطاة"، مضى مرارًا. و"سالم"، هو"سالم بن أبي الجعد"، مضى أيضًا. و"ابن الحنفية" هو: "محمد بن علي بن أبي طالب"، مضى أيضًا.]] ١٣١٦٠ - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، يعني: ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به ="وينأون عنه"، يعني: يتباعدون عنه. ١٣١٦١ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، أن يُتَّبع محمد، ويتباعدون هم منه. ١٣١٦٢ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، يقول: لا يلقونَه، ولا يَدَعُون أحدًا يأتيه. ١٣١٦٣ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول في قوله:"وهم ينهون عنه"، يقول: عن محمد ﷺ. ١٣١٦٤ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، جمَعُوا النهي والنأي. و"النأي"، التباعد. [[في المخطوطة: "والنهي التباعد"، وهو خطأ، صوابه ما في المطبوعة بلا شك.]] وقال بعضهم: بل معناه:"وهم ينهون عنه" عن القرآن، أن يسمع له ويُعمَل بما فيه. * ذكر من قال ذلك: ١٣١٦٥ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"وهم ينهون عنه"، قال: ينهون عن القرآن، وعن النبي ﷺ ="وينأون عنه"، ويتباعدون عنه. ١٣١٦٦ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:"وهم ينهون عنه"، قال: قريش، عن الذكر ="وينأون عنه"، يقول: يتباعدون. ١٣١٦٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، قريش، عن الذكر. ="ينأون عنه"، يتباعدون. ١٣١٦٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، قال: ينهون عن القرآن، وعن النبي ﷺ، ويتباعدون عنه. ١٣١٦٩- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ينأون عنه"، قال:"وينأون عنه"، يباعدونه. [[في المطبوعة: "يبعدون"، وفي المخطوطة: "يبعدونه"، وآثرت قراءتها كما أثبتها.]] * * * وقال آخرون: معنى ذلك: وهم ينهون عن أذى محمد ﷺ ="وينأون عنه"، يتباعدون عن دينه واتّباعه. * ذكر من قال ذلك: ١٣١٧٠ - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع وقبيصة = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عمن سمع ابن عباس يقول: نزلت في أبي طالب، كان ينهى عن محمد أن يُؤذَى، وينأى عما جاء به أن يؤمن به. ١٣١٧١- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال، حدثني من سمع ابن عباس يقول:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، قال: نزلت في أبي طالب، ينهى عنه أن يؤذى، وينأى عما جاء به. ١٣١٧٢- حدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عمن سمع ابن عباس:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، قال: نزلت في أبي طالب، كان ينهى المشركين أن يؤذُوا محمدًا، وينأى عمّا جاء به. ١٣١٧٣- حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن القاسم بن مخيمرة قال: كان أبو طالب ينهى عن النبي ﷺ، ولا يصدِّقه. [[الأثر: ١٣١٧٣ -"القاسم بن مخيمرة الهمداني"، "أبو عروة"، روى عن عبد الله بن عمرو، وأبي سعيد الخدري، وأبي أمامة، وغيرهم من التابعين. ثقة. مترجم في التهذيب. والكبير ٤/١/١٦٧، وابن أبي حاتم ٣/٢/١٢٠.]] ١٣١٧٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ومحمد بن بشر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن القاسم بن مخيمرة في قوله:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، قال: نزلت في أبي طالب = قال ابن وكيع، قال ابن بشر: كان أبو طالب ينهي عن النبي ﷺ أن يؤذَى ولا يصدّق به. ١٣١٧٥- حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير، عن أبي محمد الأسدي، عن حبيب بن أبي ثابت قال، حدثني من سمع ابن عباس يقول في قول الله تعالى ذكره:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، نزلت في أبي طالب، كان ينهى عن أذى محمد، وينأى عما جاء به أن يتّبعه. [[الأثر: ١٣١٧٥ -"أبو محمد الأسدي"، لم أعرف من هو، ولم أجد من يكنى به. وأخشى أن يكون هو"عبد العزيز بن سياه الأسدي"، الآتي في الأثر رقم: ١٣١٧٧ و"عبد العزيز" يروي عنه يونس بن بكير.]] ١٣١٧٦ - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن القاسم بن مخيمرة في قوله:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، قال: نزلت في أبي طالب. ١٣١٧٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب قال: ذاك أبو طالب، في قوله:"وهم ينهون عنه وينأون عنه". [[الأثر: ١٣١٧٧ -"عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي"، مضى مرارًا كثيرة. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عبد الله بن موسى"، وهو خطأ محض. و"عبد العزيز بن سياه الأسدي"، ثقة، محله الصدق، وكان من كبار الشيعة. وروى عنه عبيد الله بن موسى، ويونس بن بكير، ووكيع، وغيرهم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢/٢/٣٨٣. وانظر التعليق على الأثر السالف، فإني أرجح أن"أبا محمد الأسدي"، كنية: "عبد العزيز بن سياه الأسدي".]] ١٣١٧٨ - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني سعيد بن أبي أيوب قال، قال عطاء بن دينار في قول الله:"وهم ينهون عنه وينأون عنه"، أنها نزلت في أبي طالب، أنه كان ينهى الناسَ عن إيذاء رسول الله ﷺ، وينأى عما جاء به من الهدى. [[الأثر: ١٣١٧٨ -"سعيد بن أبي أيوب الخزاعي المصري"، وهو"سعيد بن مقلاص"، ثقة ثبت. ومضى في الأثرين رقم: ٥٦١٥، ٦٧٤٣، غير مترجم. مترجم في التهذيب، والكبير٢/١/٤١٩، وابن أبي حاتم ٢/١/٦٦. و"عطاء بن دينار المصري"، من ثقات أهل مصر، مضى برقم: ١٦٠.]] * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قولُ من قال: تأويلُه:"وهم ينهون عنه"، عن إتباع محمد ﷺ مَنْ سواهم من الناس، وينأون عن اتباعه. وذلك أن الآيات قبلَها جرت بذكر جماعة المشركين العادِلين به، والخبرِ عن تكذيبهم رسولَ الله ﷺ، والإعراض عما جاءهم به من تنزيل الله ووحيه، فالواجب أن يكون قوله:"وهم ينهون عنه"، خبرًا عنهم، إذ لم يأتنا ما يدُلُّ على انصراف الخبر عنهم إلى غيرهم. بل ما قبل هذه الآية وما بعدها، يدلّ على صحة ما قلنا، من أن ذلك خبر عن جماعة مشركي قوم رسولِ الله ﷺ، دون أن يكون خبرًا عن خاصٍّ منهم. * * * وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: وإن يرَ هؤلاء المشركون، يا محمد، كلَّ آية لا يؤمنوا بها، حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقولون:"إن هذا الذي جئتنا به إلا أحاديث الأوَّلين وأخبارهم"! وهم ينهون عن استماع التنزيل، وينأون عنك فيبعدون منك ومن اتباعك ="وإن يهلكون إلا أنفسهم"، يقول: وما يهلكونَ بصدّهم عن سبيل الله، وإعراضهم عن تنزيله، وكفرهم بربهم - إلا أنفسهم لا غيرها، وذلك أنهم يكسِبُونها بفعلهم ذلك، سخط الله وأليم عقابه، وما لا قِبَل لها به [[انظر تفسير"الهلاك" فيما سلف قريبًا ص: ٢٦٣.]] ="وما يشعرون"، يقول: وما يدرون ما هُمْ مكسبوها من الهلاك والعطب بفعلهم. [[انظر تفسير"شعر" فيما سلف ١: ٢٧٧، ٢٧٨/٦: ٥٠٢.]] * * * والعرب تقول لكل من بعد عن شيء:"قد نأى عنه، فهو ينأى نَأْيًا". ومسموع منهم:"نأيتُكَ"، [[في المطبوعة: "مسموع منهم: نأيت"، خطأ، صوابه في المخطوطة.]] بمعنى:"نأيت عنك". وأما إذا أرادوا: أبعدتُك عني، قالوا:"أنأيتك". ومن"نأيتك" بمعنى: نأيتُ عنك، قول الحطيئة: نَأَتْكَ أُمَامَةُ إلا سُؤَالا ... وَأَبْصَرْتَ مِنْهَا بِطَيْفٍ خَيَالا [[ديوانه: ٣١، من قصيدته التي مدح بها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، معتذرًا له من هجاء الزبرقان بن بدر، وبعد البيت: خَيَالا يَرُوعُكَ عِنْدَ المَنَا ... مِ وَيَأْبَى مَعَ الصُّبْحِ إِلا زَوَالا كِنَانيَّةٌ، دَارُهَا غَرْبَةٌ ... تُجِدُّ وِصَالا وتُبْلِي وصَالا]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب