الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: ﴿قل﴾ ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان، الداعيك إلى عبادة الأصنام واتباع خطوات الشيطان = ﴿أغير الله أبغي ربًّا﴾ ، يقول: أسوى الله أطلب سيدًا يسودني؟ [[انظر تفسير ((بغي)) فيما سلف ١١: ٣٣٧، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] = (وهو رب كل شيء) ، يقول: وهو سيد كل شيء دونه ومدبّره ومصلحه [[انظر تفسير ((الرب)) فيما سلف ١: ١٤٢.]] = ﴿ولا تكسب كل نفس إلا عليها﴾ ، يقول: ولا تجترح نفس إثمًا إلا عليها، أي: لا يؤخذ بما أتت من معصية الله تبارك وتعالى، وركبت من الخطيئة، سواها، بل كل ذي إثم فهو المعاقب بإثمه والمأخوذ بذنبه [[انظر تفسير ((كسب)) فيما سلف ﷺ: ٢٦٦، تعليق ٢، والمراجع هناك.]] = ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ ، يقول: ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها، ولكنها تأثم بإثمها، وعليه تعاقب، دون إثم أخرى غيرها. وإنما يعني بذلك المشركين الذين أمرَ الله نبيه ﷺ أن يقول هذا القول لهم. يقول: قل لهم: إنا لسنا مأخوذين بآثامكم، وعليكم عقوبة إجرامكم، ولنا جزاء أعمالنا. وهذا كما أمره الله جل ثناؤه في موضع آخر أن يقول لهم: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [سورة الكافرون:٦] ، وذلك كما:- ١٤٣٠٧- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: كان في ذلك الزمان، لا مخرج للعلماء العابدين إلا إحدى خَلَّتين: إحداهما أفضل من صاحبتها. إمَّا أمرٌ ودعاء إلى الحق، أو الاعتزال = فلا تشارك أهل الباطل في عملهم، وتؤدي الفرائض فيما بينك وبين ربك، وتحبّ لله وتبغض لله، ولا تشارك أحدًا في إثم. قال: وقد أنزل في ذلك آية محكمة: ﴿قل أغير الله أبغي ربًا وهو رب كل شيء﴾ ، إلى قوله: ﴿فيه تختلفون﴾ ، وفي ذلك قال: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [سورة البينة: ٤] . * * * يقال من"الوزر""وزَر يَزِر"،"و"وزَرَ يَوْزَر"، و"وُزِرَ يُؤزر، فهو موزور". [[في المطبوعة: ((وزر يوزر فهو وزير، ووزر يوزر فهو موزور)) ، غير ما في المخطوطة، وحذف وزاد من عند نفسه، وعذره في ذلك سوء كتابة ناسخ المخطوطة، وصواب قراءة ما فيها ما أثبت. وهو المطابق لنص كتب اللغة.]] * * * القول في تأويل قوله: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: قل لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان: كل عامل منا ومنكم فله ثواب عمله، وعليه وزره، فاعملوا ما أنتم عاملوه - ﴿ثم إلى ربكم﴾ ، أيها الناس = ﴿مرجعكم﴾ ، يقول: ثم إليه مصيركم ومنقلبكم [[انظر تفسير ((المرجع)) فيما سلف ص: ٣٧، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] = ﴿فينبئكم بما كنتم فيه﴾ ، في الدنيا، ﴿تختلفون﴾ من الأديان والملل، [[انظر تفسير ((النبأ)) فيما سلف ص: ٢٧٤، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] إذ كان بعضكم يدين باليهودية، وبعضٌ بالنصرانية، وبعض بالمجوسية، وبعض بعبادة الأصنام وادِّعاء الشركاء مع الله والأنداد، ثم يجازي جميعَكم بما كان يعمل في الدنيا من خير أو شر، فتعلموا حينئذ من المحسنُ منَّا والمسيء. * * * القول في تأويل قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ وأمته: والله الذي جعلكم، أيها الناس، ﴿خلائفَ الأرض﴾ ، بأن أهلك مَنْ كان قبلكم من القرون والأمم الخالية، واستخلفكم، فجعلكم خلائف منهم في الأرض، تخلفونهم فيها، وتعمرُونها بعدَهم. * * * و"الخلائف" جمع"خليفة"، كما"الوصائف" جمع"وصيفة"، وهي من قول القائل:"خَلَف فلان فلانًا في داره يخلُفه خِلافة، فهو خليفة فيها"، [[انظر تفسير ((الخليفة)) فيما سلف ١: ٤٤٩ - ٤٥٣.]] كما قال الشماخ: تُصِيبُهُمُ وَتُخْطِئُنِي المَنَايا ... وَأَخْلُفُ فِي رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ [[ديوانه ٥٨، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢٠٩، واللسان (ربع) ، من قصيدته التي قالها لامرأته عائشة، وكانت تلومه على طول تعهده ماله، أولها: أَعَائِشَ، مَا لِقَوْمِكِ لا أَرَاهُمْ ... يُضِيعُونَ الهِجَانَ مَعَ المُضِيعِ يقول: لها تلوميني على إصلاح مالي، فمالي أرى قومك يقترون على أنفسهم، ولا يهلكون أموالهم في الكرم والسخاء؟ ثم يقول لها بعد أبيات: لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ... مَفَاقِرَهُ، أَعَفُّ مِنَ القُنُوعِ و ((القنوع)) ، السؤال. وقوله: ((وأخلف في ربوع ... )) ، ((الربوع)) جمع ((ربع وهو جماعة الناس الذين ينزلون ((ربعا)) يسكنونه، يقول: أبقي في قوم بعد قوم. وعندي أن هذا البيت قلق في قصيدة الشماخ، سقط قبله شيء من شعره.]] وذلك كما:- ١٤٣٠٨- حدثني الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿وهو الذي جعلكم خلائف الأرض﴾ ، قال: أما"خلائف الأرض"، فأهلك القرون واستخلفنا فيها بعدهم. * * * وأما قوله: ﴿ورفع بعضكم فوق بعض درجات﴾ ، فإنه يقول: وخالف بين أحوالكم، فجعل بعضكم فوق بعض، بأن رفع هذا على هذا، بما بسط لهذا من الرزق ففضّله بما أعطاه من المال والغِنى، على هذا الفقير فيما خوَّله من أسباب الدنيا، وهذا على هذا بما أعطاه من الأيْد والقوة على هذا الضعيف الواهن القُوى، فخالف بينهم بأن رفع من درجة هذا على درجة هذا، وخفض من درجة هذا عن درجة هذا. [[انظر تفسير ((الدرجة)) فيما سلف ص: ٢٥، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] وذلك كالذي:- ١٤٣٠٩- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿ورفع بعضكم فوق بعض درجات﴾ ، يقول: في الرزق. * * * وأما قوله: ﴿ليبلوكم فيما آتاكم﴾ ، فإنه يعني: ليختبركم فيما خوَّلكم من فضله ومنحكم من رزقه، [[انظر تفسير ((الابتلاء)) فيما سلف ١٠: ٥٨٢، تعليق: ١ والمراجع هناك. = تفسير ((الإيتاء)) فيما سلف من فهارس اللغة (أتى) .]] فيعلم المطيع له منكم فيما أمره به ونهاه عنه، والعاصي؛ ومن المؤدِّي مما آتاه الحق الذي أمره بأدائه منه، والمفرِّط في أدائه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب