الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: من وافَى ربَّه يوم القيامة في موقف الحساب، من هؤلاء الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعًا، بالتوبة والإيمان والإقلاع عما هو عليه مقيم من ضلالته، وذلك هو الحسنة التي ذكرها الله فقال: من جاء بها فله عشر أمثالها. [[انظر تفسير ((الحسنة)) فيما سلف ٤: ٢٠٣ - ٢٠٦ / ٨: ٥٥٥ - ٥٥٦، وفهارس اللغة (حسن) .]] ويعني بقوله: ﴿فله عشر أمثالها﴾ ، فله عشر حسنات أمثال حسنته التي جاء بها = ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ ، يقول: ومن وافى يوم القيامة منهم بفراق الدِّين الحقّ والكفر بالله، فلا يجزى إلا ما ساءه من الجزاء، كما وافى الله به من عمله السيئ [[انظر تفسير ((السيئة)) فيما سلف من فهارس اللغة (سوأ) .]] = ﴿وهم لا يظلمون﴾ ، يقول: ولا يظلم الله الفريقين، لا فريق الإحسان، ولا فريق الإساءة، بأن يجازي المحسن بالإساءة والمسيء بالإحسان، ولكنه يجازي كلا الفريقين من الجزاء ما هو له، لأنه جل ثناؤه حكيمٌ لا يضع شيئًا إلا في موضعه الذي يستحق أن يضعه فيه، ولا يجازي أحدًا إلا بما يستحقّ من الجزاء. * * * وقد دللنا فيما مضى على أن معنى"الظلم"، وضع الشيء في غير موضعه، بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع. [[انظر تفسير ((الظلم)) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .]] * * * قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما ذكرت، من أن معنى"الحسنة" في هذا الموضع: الإيمان بالله، والإقرار بوحدانيته، والتصديق برسوله ="والسيئة" فيه: الشرك به، والتكذيب لرسوله = أفللإيمان أمثال فيجازى بها المؤمن؟ [[في المطبوعة: ((فللإيمان)) بغير همزة الاستفهام، والصواب ما في المخطوطة.]] وإن كان له مثل، فكيف يجازى به، و"الإيمان"، إنما هو عندك قول وعمل، والجزاء من الله لعباده عليه الكرامة في الآخرة، والإنعام عليه بما أعدّ لأهل كرامته من النعيم في دار الخلود، وذلك أعيان ترى وتعاين وتحسّ ويلتذّ بها، لا قول يسمع، ولا كسبُ جوارح؟ قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبتَ إليه، وإنما معناه: من جاء بالحسنة فوافَى الله بها له مطيعًا، فإن له من الثواب ثواب عشر حسنات أمثالها. فإن قال: قلت فهل لقول"لا إله إلا الله" من الحسنات مثل؟ قيل: له مثل هو غيره، [ولكن له مثل هو قول لا إله إلا الله] ، [[هذه العبارة التي بين القوسين، هكذا جاءت في المخطوطة، وغيرها ناشر المطبوعة الأولى فكتب: ((وليس له مثل هو قول لا إله إلا الله)) ، ولا أدري ما معنى هذا التعبير. وعبارة المخطوطة غير مفهومة، وأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء، فأودعتها بين القوسين لكي يتوقف عندها قارئها، عسى أن يتبين له ما لم يتبين لي.]] وذلك هو الذي وعد الله جل ثناؤه من أتاه به أن يجازيه عليه من الثواب بمثل عشرة أضعاف ما يستحقه قائله. وكذلك ذلك فيمن جاء بالسيئة التي هي الشرك، إلا أنه لا يجازى صاحبها عليها إلا ما يستحقه عليها من غير إضعافه عليه. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٤٢٧١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾ ، قال رجل من القوم: فإنّ"لا إله إلا الله" حسنة؟ قال: نعم، أفضل الحسنات. ١٤٢٧٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، لا إله إلا الله. ١٤٢٧٣- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا حفص قال، حدثنا الأعمش والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله قال: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، قال: من جاء بلا إله إلا الله. قال: ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ ، قال: الشرك. ١٤٢٧٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن الحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله. ١٤٢٧٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا معاوية بن عمرو المعنَّى، عن زائدة، عن عاصم، عن شقيق: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، قال: لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص = ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ ، قال: الشرك. [[الأثر: ١٤٢٧٥ - ((معاوية بن عمرو المعنى، الأزدي)) ، ثقة مضى برقم: ٤٠٧٤.]] ١٤٢٧٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد= وعن عثمان بن الأسود، عن مجاهد والقاسم بن أبي بزة: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، قالوا: لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص = ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ ، قالوا: بالشرك وبالكفر. ١٤٢٧٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير وابن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، قال: لا إله إلا الله = ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ ، قال: الشرك. ١٤٢٧٨- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾ ، قال: لا إله إلا الله. ١٤٢٧٩- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي المحجل، عن إبراهيم: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، قال: لا إله إلا الله = ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ ، قال: الشرك. [[الآثار: ١٤٢٧٩ - ١٤٢٨٢ - ((أبو المحجل)) ، هكذا في المطبوعة، وهو في المخطوطة غير منقوط، لم أعرف من يكون، ولم أجد له ذكرًا، ولا تبين لي وجه في تحريفه!!]] ١٤٢٨٠- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن أبي المحجل، عن أبي معشر، عن إبراهيم، مثله. ١٤٢٨١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي المحجل، عن إبراهيم، مثله. ١٤٢٨٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن أبي المحجل، عن أبي معشر قال: كان إبراهيم يحلف بالله ما يستثني: أنّ ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، لا إله إلا الله = ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ ، من جاء بالشرك. ١٤٢٨٣- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك، عن عطاء، في قوله: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، قال: كلمة الإخلاص، لا إله إلا الله = ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ قال: بالشرك. ١٤٢٨٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = وحدثنا المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو نعيم = جميعًا، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالح: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، قال: لا إله إلا الله = ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ ، قال: الشرك. ١٤٢٨٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن عثمان بن الأسود، عن القاسم بن أبي بزة: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، قال: كلمة الإخلاص = ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ ، قال: الكفر. ١٤٢٨٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة، عن الضحاك: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، قال: لا إله إلا الله. ١٤٢٨٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن أشعث، عن الحسن: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، قال: لا إله إلا الله. ١٤٢٨٨- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، قال: لا إله إلا الله. ١٤٢٨٩- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله. ١٤٢٩٠- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ﴿من جاء بالحسنة﴾ ، يقول: من جاء بلا إله إلا الله = ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ ، قال: الشرك. ١٤٢٩١- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون﴾ ، ذكر لنا أن نبيّ الله ﷺ كان يقول: الأعمال ستة: مُوجِبة ومُوجِبة، ومُضْعِفة ومُضْعِفة، ومِثْل ومِثْل. فأما الموجبتان: فمن لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقي الله مشركًا به دخل النار. وأما المضعف والمضعف: فنفقة المؤمن في سبيل الله سبعمئة ضعف، ونفقته على أهل بيته عشر أمثالها. وأما مثل ومثل: فإذا همّ العبد بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإذا هم بسيئة ثم عملها كتبت عليه سيئة. ١٤٢٩٢- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا الأعمش، عن شمر بن عطية، عن شيخ من التيم، عن أبي ذرّ قال: قلت: يا رسول الله، علمني عملا يقرِّبني إلى الجنة ويباعدني من النار. قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، فإنها عشر أمثالها. قال: قلت: يا رسول الله،"لا إله إلا الله" من الحسنات؟ قال: هي أحسن الحسنات. [[الأثر: ١٤٢٩٢ - ((شمر بن عطية الأسدي الكاهلي)) ، ثقة، مضى برقم ١١٥٤٥. وهذا خبر ضعيف، لجهالة ((شيخ من التيم)) . وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٣: ٦٤، ونسبة إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه. ولم ينسبه إلى الطبري.]] * * * وقال قوم: عني بهذه الآية الأعراب، فأما المهاجرون فإن حسناتهم سبعمئة ضعف أو أكثر. * ذكر من قال ذلك: ١٤٢٩٣- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري في قوله: ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾ ، قال: هذه للأعراب، وللمهاجرين سبعمئة. [[الأثر: ١٤٢٩٣ - ((أبو الصديق الناجي)) هو ((بكر بن عمرو)) وقيل: ((بكر ابن قيس)) ، ثقة، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب. وهذا إسناد صحيح.]] ١٤٢٩٤- حدثنا محمد أبو نشيط بن هارون الحربي قال، حدثنا يحيى بن أبي بكير قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن عبد الله بن عمر قال: نزلت هذه الآية في الأعراب: ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾ ، قال: قال رجل: فما للمهاجرين؟ قال: ما هو أعظم من ذلك: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ ، [سورة النساء: ٤٠] وإذا قال الله لشيء:"عظيم"، فهو عظيم. [[الأثر: ١٤٢٩٤ - ((محمد بن هارون الحربي)) ، ((أبو نشيط)) ، شيخ الطبري، مضى برقم: ٩٥١١، ١٠٣٧١، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: ((محمد بن نشيط بن هارون الحربي)) ، وهو خطأ محض تبين من رواية الأثر فيما سلف. و ((يحيى بن أبي بكير الأسدي)) ، مضى مرارًا، آخرها رقم: ٧٥٤٤، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا ((يحيى بن أبي بكر)) ، وهو خطأ. وقد سلف هذا الخبر وتخريجه برقم: ٩٥١١، وأنه إسناد ضعيف من أجل ((عطية العوفي)) .ووقع في إسناد الخبر هناك خطأ: ((عن عبد الله بن عمير)) ، وهو خطأ في الطباعة صوابه ((عن عبد الله بن عمر)) ، فليصح.]] ١٤٢٩٥- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع قال: نزلت هذه الآية: ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾ ، وهم يصومون ثلاثة أيام من الشهر، ويؤدّون عشر أموالهم. ثم نزلت الفرائض بعد ذلك: صوم رمضان والزكاة. * * * فإن قال قائل: وكيف قيل"عشر أمثالها"، فأضيف"العشر" إلى"الأمثال"، وهي"الأمثال"؟ وهل يضاف الشيء إلى نفسه؟ قيل: أضيفت إليها لأنه مرادٌ بها: فله عشر حسنات أمثالها، فـ"الأمثال" حلّت محل المفسّر، وأضيف"العشر" إليها، كما يقال:"عندي عشر نسوة"، فلأنه أريد بالأمثال مقامها، فقيل:"عشر أمثالها"، فأخرج"العشر" مخرج عدد الحسنات، [[في المطبوعة والمخطوطة: ((عدد الآيات)) ، وبين أنه ((عدد الحسنات)) ، ولا ذكر للآيات في هذا الموضع.]] و"المثل" مذكر لا مؤنث، ولكنها لما وضعت موضع الحسنات، [[وكان هنا أيضًا في المخطوطة والمطبوعة: ((موضع الآيات)) ، والصواب ما أثبت.]] وكان"المثل" يقع للمذكر والمؤنث، فجعلت خلفًا منها، فعل بها ما ذكرت. ومَنْ قال:"عندي عشر أمثالها"، لم يقل:"عندي عشر صالحات"، لأن"الصالحات" فعل لا يعدّ، وإنما تعدّ الأسماء. و"المثل" اسم، ولذلك جاز العدد به. * * * وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك:"فَلَهُ عَشْرٌ" بالتنوين،"أَمْثَالُهَا" بالرفع. وذلك على وجه صحيح في العربية، غير أن القرأة في الأمصار على خلافها، فلا نستجيز خلافها فيما هي عليه مُجْمِعة. [[في المطبوعة: ((مجتمعة)) ، وأثبت ما في المخطوطة.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب