الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بقوله: ﴿ما في بطون هذ الأنعام﴾ .
فقال بعضهم: عنى بذلك اللَّبن.
* ذكر من قال ذلك:
١٣٩٣٢- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس: ﴿وقالوا ما في بطون هذ الأنعام خالصة لذكورنا﴾ ، قال: اللبن. [[الأثر: ١٣٩٣٢ - ((عبد الله بن أبي الهذيل العنزي)) ، ((أبو المغيرة)) ، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ١٩٦، وفيه ((العنبري)) ، ولا أدري ما الصواب منهما.]]
١٣٩٣٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، مثله.
١٣٩٣٤- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿وقالوا ما في بطون هذ الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا﴾ ، ألبان البحائر كانت للذكور دون النساء، وإن كانت ميتة اشترك فيها ذكورهم وإناثهم.
١٣٩٣٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا﴾ ، قال: ما في بطون البحائر، يعني ألبانها، كانوا يجعلونه للرجال، دون النساء.
١٣٩٣٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عامر قال:"البحيرة" لا يأكل من لبنها إلا الرجال، وإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء.
١٣٩٣٧- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿وقالوا ما في بطون هذ الأنعام خالصة لذكورنا﴾ الآية، فهو اللبن، كانوا يحرمونه على إناثهم، ويشربه ذكرانهم. وكانت الشاة إذا ولدت ذكرًا ذبحوه، وكان للرجال دون النساء. وإن كانت أنثى تركب لم تذبح. وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء. فنهى الله عن ذلك.
* * *
وقال آخرون: بل عنى بذلك ما في بطون البحائر والسوائب من الأجنة.
* ذكر من قال ذلك:
١٣٩٣٨- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء﴾ ، فهذه الأنعام، ما ولد منها من حيّ فهو خالص للرجال دون النساء. وأما ما ولد من ميت، فيأكله الرجال والنساء.
١٣٩٣٩- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن مجاهد: ﴿ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا﴾ ، السائبة والبحيرة.
١٣٩٤٠- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الكفرة أنهم قالوا في أنعام بأعيانها:"ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا دون إناثنا"، واللبن ما في بطونها، وكذلك أجنتها. ولم يخصُص الله بالخبر عنهم أنهم قالوا: بعضُ ذلك حرام عليهن دون بعض.
وإذ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يقال إنهم قالوا: ما في بطون تلك الأنعام من لبن وجنين حِلٌّ لذكورهم = خالصة دون إناثهم، وإنهم كانوا يؤثرون بذلك رجالهم، إلا أن يكون الذي في بطونها من الأجنة ميتًا، فيشترك حينئذ في أكله الرجال والنساء.
* * *
واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أنثت"الخالصة".
فقال بعض نحويي البصرة وبعض الكوفيين: أنثت لتحقيق"الخلوص"، كأنه لما حقق لهم الخلوص أشبه الكثرة، فجرى مجرى"راوية" و"نسابة".
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: أنثت لتأنيث"الأنعام"، لأن"ما في بطونها"، مثلها، فأنثت لتأنيثها. ومن ذكّره فلتذكير"ما". قال: وهي في قراءة عبد الله: "خَالِصٌ". قال: وقد تكون الخالصة في تأنيثها مصدرًا، كما تقول:"العافية" و"العاقبة"، وهو مثل قوله: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ﴾ [سورة ص: ٤٦] . [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٥٨، ٣٥٩.]]
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: أريد بذلك المبالغة في خلوص ما في بطون الأنعام التي كانوا حرَّموا ما في بطونها على أزواجهم، لذكورهم دون إناثهم، [[السياق: ((في خلوص ما في بطون الأنعام ... لذكورهم دون إناثهم)) .]] كما فعل ذلك"بالراوية" و"النسابة" و"العلامة"، إذا أريد بها المبالغة في وصف من كان ذلك من صفته، كما يقال:"فلان خالصة فلان، وخُلصانه". [[انظر تفسير ((الخالصة)) فيما سلف ٢: ٣٦٥، ٣٦٦. انظر تمام حجة أبي جعفر في ذلك فيما سيلي بعد أسطر قليلة.]]
* * *
وأما قوله: ﴿ومحرم على أزواجنا﴾ ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيِّ بـ"الأزواج".
فقال بعضهم: عنى بها النساء.
* ذكر من قال ذلك:
١٣٩٤١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ﴿ومحرم على أزواجنا﴾ ، قال: النساء.
* * *
وقال آخرون: بل عنى بالأزواج البنات.
* ذكر من قال ذلك:
١٣٩٤٢- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ﴿ومحرم على أزواجنا﴾ ، قال:"الأزواج"، البنات. وقالوا: ليس للبنات منه شيء.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن هؤلاء المشركين أنهم كانوا يقولون لما في بطون هذه الأنعام= يعني أنعامهم=:"هذا محرم على أزواجنا"، و"الأزواج"، إنما هي نساؤهم في كلامهم، وهن لا شك بنات من هن أولاده، وحلائل من هن أزواجه. [[انظر تفسير ((الزوج)) فيما سلف ١: ٥١٤ /٢: ٤٤٦.]]
وفي قول الله عز وجل: ﴿ومحرم على أزواجنا﴾ ، الدليلُ الواضح على أن تأنيث" الخالصة"، كان لما وصفت من المبالغة في وصف ما في بطون الأنعام بالخلوصة للذكور، لأنه لو كان لتأنيث الأنعام لقيل: و"محرمة على أزواجنا"، ولكن لما كان التأنيث في"الخالصة" لما ذكرت، ثم لم يقصد في"المحرم" ما قصد في"الخالصة" من المبالغة، رجع فيها إلى تذكير"ما"، واستعمال ما هو أولى به من صفته.
* * *
وأما قوله: ﴿وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء﴾ ، فاختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه يزيد بن القعقاع، وطلحة بن مصرِّف، في آخرين:"وَإنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ" بالتاء في"تكن"، ورفع"ميتة"، غير أن يزيد كان يشدّد الياء من"مَيِّتَةٌ" ويخففها طلحة.
١٣٩٤٣- حدثني بذلك المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا عيسى، عن طلحة بن مصرف.
١٣٩٤٤- وحدثنا أحمد بن يوسف، عن القاسم، وإسماعيل بن جعفر، عن يزيد.
* * *
وقرأ ذلك بعض قَرَأة المدينة والكوفة والبصرة: ﴿وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً﴾ ، بالياء، و"ميتة"، بالنصب، وتخفيف الياء.
* * *
وكأنّ من قرأ: ﴿وإن يكن﴾ ، بالياء ﴿ميتة﴾ بالنصب، أراد: وإن يكن ما في بطون تلك الأنعام= فذكر"يكن" لتذكير"ما" ونصب"الميتة"، لأنه خبر"يكن".
وأما من قرأه:"وإن تكن ميتة"، فإنه إن شاء الله أراد: وإن تكن ما في بطونها ميتة، فأنث"تكن" لتأنيث"ميتة".
* * *
وقوله: ﴿فهم فيه شركاء﴾ ، فإنه يعني أن الرجال وأزواجهم شركاء في أكله، لا يحرمونه على أحد منهم، كما ذكرنا عمن ذكرنا ذلك عنه قبل من أهل التأويل.
* * *
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:-
١٣٩٤٥- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ﴿وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء﴾ ، قال: تأكل النساء مع الرجال، إن كان الذي يخرج من بطونها ميتة، فهم فيه شركاء، وقالوا: إن شئنا جعلنا للبنات فيه نصيبًا، وإن شئنا لم نجعل.
* * *
قال أبو جعفر: وظاهر التلاوة بخلاف ما تأوَّله ابن زيد، لأن ظاهرها يدل على أنهم قالوا: "إن يكن ما في بطونها ميتة، فنحن فيه شركاء"= بغير شرط مشيئة. وقد زعم ابن زيد أنهم جعلوا ذلك إلى مشيئتهم.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه:"سيجزي"، أي: سيثيب ويكافئ هؤلاء المفترين عليه الكذب في تحريمهم ما لم يحرّمه الله، وتحليلهم ما لم يحلله الله، وإضافتهم كذبهم في ذلك إلى الله [[انظر تفسير "الجزاء" فيما سلف ص ١٤٦، تعليق ٢، والمراجع هناك]] = وقوله: ﴿وصفهم﴾ ، يعني بـ"وصفهم"، الكذبَ على الله، وذلك كما قال جلَّ ثناؤه في موضع آخر من كتابه: ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ﴾ ، [سورة النحل: ٦٢] . [[انظر تفسير ((الوصف)) فيما سلف ﷺ: ١٠، ١١.]]
* * *
و"الوصف" و"الصفة" في كلام العرب واحد، وهما مصدران مثل"الوزن" و"الزنة".
* * *
وبنحو الذي قلنا في معنى"الوصف" قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٣٩٤٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ﴿سيجزيهم وصفهم﴾ ، قال: قولهم الكذب في ذلك.
١٣٩٤٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٣٩٤٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: ﴿سيجزيهم وصفهم﴾ قال: كذبهم.
١٣٩٤٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿سيجزيهم وصفهم﴾ ، أي كذبهم.
وأما قوله: ﴿إنه حكيم عليم﴾ ، فإنه يقول جل ثناؤه: إن الله في مجازاتهم على وصفهم الكذب وقيلهم الباطل عليه="حكيم"، في سائر تدبيره في خلقه="عليم"، بما يصلحهم، وبغير ذلك من أمورهم. [[انظر تفسير ((حكيم)) و ((عليم)) فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) و (علم) .]]
{"ayah":"وَقَالُوا۟ مَا فِی بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ خَالِصَةࣱ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰۤ أَزۡوَ ٰجِنَاۖ وَإِن یَكُن مَّیۡتَةࣰ فَهُمۡ فِیهِ شُرَكَاۤءُۚ سَیَجۡزِیهِمۡ وَصۡفَهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِیمٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











