الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (١٢٣) ﴾ قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون، كذلك جعلنا بكل قرية عظماءَها مجرميها= يعني أهل الشرك بالله والمعصية له= ﴿ليمكروا فيها﴾ ، بغرور من القول أو بباطل من الفعل، بدين الله وأنبيائه = ﴿وما يمكرون﴾ : أي ما يحيق مكرهم ذلك، إلا بأنفسهم، لأن الله تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدّهم عن سبيله ="وهم لا يشعرون"، يقول: لا يدرون ما قد أعدّ الله لهم من أليم عذابه، [[انظر تفسير ((شعر)) فيما سلف: ص: ٣٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] فهم في غيِّهم وعتوِّهم على الله يتمادَوْن. * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٣٨٤٧- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿أكابر مجرميها﴾ ، قال: عظماءها. ١٣٨٤٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٣٨٤٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿أكابر مجرميها﴾ ، قال: عظماءها. ١٣٨٥٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: نزلت في المستهزئين = قال ابن جريج، عن عمرو، عن عطاء، عن عكرمة: ﴿أكابر مجرميها﴾ ، إلى قوله: ﴿بما كانوا يمكرون﴾ ، بدين الله، وبنبيه عليه الصلاة والسلام وعباده المؤمنين. * * * والأكابر: جمع"أكبر"، كما"الأفاضل" جمع"أفضل". ولو قيل: هو جمع"كبير"، فجمع"أكابر"، لأنه قد يقال:"أكبر"، كما قيل: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا﴾ ، [سورة الكهف: ١٠٣] ، واحدهم"الخاسر"، لكان صوابًا. وحكي عن العرب سماعًا "الأكابرة" و"الأصاغرة"، و"الأكابر"، و"الأصاغر"، بغير الهاء، على نية النعت، كما يقال:"هو أفضل منك". وكذلك تفعل العرب بما جاء من النعوت على" أفعل"، إذا أخرجوها إلى الأسماء، مثل جمعهم"الأحمر" و"الأسود"،"الأحامر" و"الأحامرة"، و"الأساود" و"الأساودة"، ومنه قول الشاعر: [[هو الأعشى.]] إنَّ الأحَامِرَة الثَّلاثَةَ أَهْلَكَتْ ... مَالِي، وكُنْتُ بِهِنّ قِدْمًا مُولَعًا الخَمْرُ واللَّحْمُ السِّمِينُ إدَامُهُ ... والزَّعْفَرَانُ، فَلَنْ أرُوحَ مُبَقَّعَا [[ديوانه ٢٤٧، ٢٤٨، وهي في نسختي المصورة من ديوان الأعشى رقم: ٢٩، واللسان (حمر) وهو أول الشعر. وكان في المطبوعة هنا: ((السمين أديمه)) ، و ((فلن أزال مبقعا)) ، وأثبت ما في المخطوطة وفي مخطوطة الأعشى: ((السمين، وأطلى بالزعفران وقد أروح مبقعًا)) . وهكذا جاء في المخطوطة: ((السمين إدامه)) ، والإدام ما يؤتدم به مع الخبز، أي شيء كان. وعجيب إضافة الإدام إلى اللحم. ويروى: ((أديمه)) ، ضبطه في اللسان بفتح الألف، وهو غير مرتضى، بل الصواب إن شاء الله ((أديمه)) من ((أدام الشيء)) ، إذا أطال زمانه واستمر به. ورواية أبي جعفر هنا ((فلن أروح مبقعًا)) ، ورواية مخطوطة ديوانه: ((وقد أروح مبقعًا)) ، وهي أجودهما. و ((المبقع)) الذي فيه لون يخالف لونه، أو لون ما أصابه الماء أو الزعفران أو ما شابههما. يعني أنه يكثر من الزعفران حتى يترك في بشرته لمعا. وأكثر ما كانوا يستعملون الزعفران في أعراسهم، إذا أعرس الرجل تزعفر. فكني بذلك عن كثرة زواجه. وفي البيت روايات أخرى، راجعها في حواشي ديوانه، في ذيل الديوان.]] * * * وأما"المكر"، فإنه الخديعة والاحتيال للممكور به بالغدر، ليورِّطه الماكر به مكروهًا من الأمر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب