الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وجعل هؤلاء العادلون بربهم الآلهةَ والأندادَ لله شركاء، الجن، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ [سورة الصافات: ١٥٨] . * * * وفي الجن وجهان من النصب. أحدهما: أن يكون تفسيرًا للشركاء. [[- ((التفسير)) ، هو البدل]] . والآخر: أن يكون معنى الكلام: وجعلوا لله الجن شركاء، وهو خالقهم. * * * واختلفوا في قراءة قوله:"وخلقهم". فقرأته قراء الأمصار: ﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ ، على معنى أن الله خلقهم، منفردًا بخلقه إياهم. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٤٨.]] . * * * وذكر عن يحيى بن يعمر ما:- ١٣٦٨٠ - حدثني به أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون، عن واصل مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر: أنه قال:" شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ". بجزم"اللام" بمعنى أنهم قالوا: إنّ الجنّ شركاء لله في خلقه إيّانا. * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب، قراءة من قرأ ذلك: ﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ ، لإجماع الحجة من القرأة عليها. * * * وأما قوله: ﴿وخرقوا له بنين وبنات بغير علم﴾ ، فإنه يعني بقوله: ﴿خرقوا﴾ اختلقوا. * * * يقال:"اختلق فلان على فلان كذبًا" و"اخترقه"، إذا افتعله وافتراه. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٤٨، ومجاز القرآن أبي عبيدة ١: ٢٠٣.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٣٦٨١ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: وجعلوا لله شركاء الجن والله خلقهم="وخرقوا له بنين وبنات"، يعني أنهم تخرَّصوا. ١٣٦٨٢- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وخرقوا له بنين وبنات بغير علم"، قال: جعلوا له بنين وبنات بغير علم. ١٣٦٨٣- حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وخرقوا له بنين وبنات بغير علم"، قال: كذبوا. ١٣٦٨٤ -حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٣٦٨٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وجعلوا لله شركاء الجن" كذبوا="سبحانه وتعالى عما يصفون"، عما يكذبون. أما العرب فجعلوا له البنات، ولهم ما يشتهون من الغلمان= وأما اليهود فجعلوا بينه وبين الجنة نسبًا ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرُون. [[اقرأ آية سورة الصافات: ١٥٨.]] ١٣٦٨٦- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:"وخرقوا له بنين وبنات بغير علم" قال: خرصوا له بنين وبنات. ١٣٦٨٧- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وخرقوا له بنين وبنات بغير علم"، يقول: قطعوا له بنين وبنات. [[هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة: ((قطعوا)) بمعنى: اختلقوا وادعوا ونسبوا، ولم أجد هذا المجاز في شيء من كتب اللغة، فإن صح، وهو عندي قريب الصحة، فهو بالمعنى الذي ذكرت. إلا أن يكون محرفًا عن شيء لم أتبينه.]] قالت العرب: الملائكة بنات الله= وقالت اليهود والنصارى: المسيح وعزير ابنا الله. ١٣٦٨٨- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله:"وخرقوا له بنين وبنات بغير علم"، قال:"خرقوا"، كذبوا، لم يكن لله بنون ولا بنات= قالت النصارى: المسيح ابن الله= وقال المشركون: الملائكة بنات الله= فكلٌّ خرقوا الكذب،"وخرقوا"، اخترقوا. ١٣٦٨٩- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله:"وجعلوا لله شركاء الجن"، قال: قول: الزنادقة="وخرقوا له"، قال ابن جريج، قال مجاهد:"خرقوا"، كذبوا. ١٣٦٩٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن جويبر، عن الضحاك:"وخرقوا له بنين وبنات"، قال: وصفوا له. ١٣٦٩١- حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث، عن أبي عمرو: "وخرقوا له بنين وبنات"، قال: تفسيرها: وكذبوا. * * * قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وجعلوا لله الجنَّ شركاءَ في عبادتهم إياه، وهو المنفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير="وخرقوا له بنين وبنات"، يقول: وتخرَّصوا لله كذبًا، فافتعلوا له بنين وبنات بغير علم منهم بحقيقة ما يقولون، ولكن جهلا بالله وبعظمته، وأنه لا ينبعي لمن كان إلهًا أن يكون له بنون وبنات ولا صاحبة، ولا أن يشركه في خلقه شريك. * * * القول في تأويل قوله: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: تنزه الله، [[انظر تفسير ((سبحان)) فيما سلف ١١: ٢٣٧، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] وعلا فارتفع عن الذي يصفه به هؤلاء الجهلة من خلقه، في ادّعائهم له شركاء من الجن، واختراقهم له بنين وبنات، وذلك لا ينبغي أن يكون من صفته، لأن ذلك من صفة خلقه الذين يكون منهم الجماع الذي يحدث عنه الأولاد، والذين تضطرّهم لضعفهم الشهواتُ إلى اتخاذ الصاحبة لقضاء اللذات، وليس الله تعالى ذكره بالعاجز فيضطره شيء إلى شيء، ولا بالضعيف المحتاج فتدعوه حاجته إلى النساء إلى اتخاذ صاحبة لقضاء لذة. * * * وقوله:"تعالى"،"تفاعل" من"العلوّ"، والارتفاع. [[انظر تفسير ((العلو)) فيما سلف ٥: ٤٠٥.]] * * * وروي عن قتادة في تأويل قوله:"عما يصفون"، أنه: يكذبون. ١٣٦٩٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "سبحانه وتعالى عما يصفون"، عما يكذبون. * * * وأحسب أن قتادة عنى بتأويله ذلك كذلك، أنهم يكذبون في وصفهم الله بما كانوا يصفونه به، من ادعائهم له بنين وبنات= لا أنه وجه تأويل"الوصف" إلى الكذب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب