الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١) ﴾
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ ، يعني بقوله: تفسَّحوا: توسعوا، من قولهم مكان فسيح إذا كان واسعًا.
واختلف أهل التأويل في المجلس الذي أمر الله المؤمنين بالتفسح فيه، فقال بعضهم: ذلك كان مجلس النبيّ ﷺ خاصة.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ قال: مجلس النبيّ ﷺ كان يقال ذاك خاصة.
⁕ حدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ ... الآية، كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنُّوا بمجلسهم عند رسول الله ﷺ، فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض.
⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ قال: كان هذا للنبيّ ﷺ ومن حوله خاصة يقول: استوسعوا حتى يصيب كلّ رجل منكم مجلسًا من النبيّ ﷺ، وهي أيضًا مقاعد للقتال.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ﴿تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ قال: كان الناس يتنافسون في مجلس النبيّ ﷺ، فقيل لهم: ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا﴾ .
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله: ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ قال: هذا مجلس رسول الله ﷺ، كان الرجل يأتي فيقول: افسحوا لي رحمكم الله، فيضنّ كلّ أحد منهم بقربه من رسول الله ﷺ، فأمرهم الله بذلك، ورأى أنه خير لهم.
وقال آخرون: بل عُنِيَ بذلك في مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ) قال: ذلك في مجلس القتال.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يتفسحوا في المجلس، ولم يخصص بذلك مجلس النبيّ ﷺ دون مجلس القتال، وكلا الموضعين يقال له مجلس، فذلك على جميع المجالس من مجالس رسول الله ﷺ، ومجالس القتال.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار ﴿تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ على التوحيد، غير الحسن البصري وعاصم، فإنهما قرآ ذلك ﴿فِي الْمَجَالِسِ﴾ على الجماع. وبالتوحيد قراءة ذلك عندنا لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
* * *
وقوله: ﴿فَافْسَحُوا﴾
يقول: فوسعوا، ﴿يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ يقول: يوسع الله منازلكم في الجنة، ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ يقول تعالى ذكره: وإذا قيل ارتفعوا، وإنما يُرَاد بذلك: وإذا قيل لكم قوموا إلى قتال عدوّ، أو صلاة، أو عمل خير، أو تفرّقوا عن رسول الله ﷺ، فقوموا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ إلى ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ قال: إذا قيل: انشزوا فانشزوا إلى الخير والصلاة.
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ﴿فَانْشُزُوا﴾ قال: إلى كلّ خير، قتال عدوّ، أو أمر بالمعروف، أو حقّ ما كان.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) يقول: إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا. وقال الحسن: هذا كله في الغزو.
⁕ حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ : كان إذا نودي إلى للصلاة تثاقل رجال، فأمرهم الله إذا نودي للصلاة أن يرتفعوا إليها، يقوموا إليها.
⁕ وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ قال: انشزوا عن رسول الله ﷺ، قال: هذا في بيته إذا قيل انشزوا، فارتفعوا عن النبيّ ﷺ، فإن له حوائج، فأحبّ كلّ رجل منهم أن يكون آخر عهده برسول الله ﷺ، فقال: ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ .
وإنما اخترت التأويل الذي قلت في ذلك، لأن الله عز وجل أمر المؤمنين إذا قيل لهم انشزوا، أن ينشزوا، فعم بذلك الأمر جميع معاني النشوز من الخيرات، فذلك على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة ﴿فَانْشُزُوا﴾ بضم الشين، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بكسرها.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان بمنزلة يعكفُون ويعكِفون، ويعرُشون ويعرِشون، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فمصيب.
* * *
قوله: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾
يقول تعالى ذكره: يرفع الله المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم، فيما أمرهم به من التفسح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا، أو بنشوزهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انشزوا إليها، ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين، الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات، إذا عملوا بما أمروا به.
كما:-
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ إن بالعلم لأهله فضلا وإن له على أهله حقًا، ولعمري للحقّ عليك أيها العالم فضل، والله معطي كل ذي فضل فضله.
وكان مطرف بن عبد الله بن الشِّخِّير يقول: فضل العلم أحبّ إليّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع.
وكان عبد الله بن مطرف يقول: إنك لتلقى الرجلين أحدهما أكثر صومًا وصلاة وصدقة، والآخر أفضل منه بونًا بعيدًا، قيل له: وكيف ذاك؟ فقال: هو أشدّهما ورعًا لله عن محارمه.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به.
* * *
وقوله: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
يقول تعالى ذكره: والله بأعمالكم أيها الناس ذو خبرة، لا يخفى عليه المطيع منكم ربه من العاصي، وهو مجاز جميعكم بعمله المحسن بإحسانه، والمسيء بالذي هو أهله، أو يعفو.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا قِیلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُوا۟ فِی ٱلۡمَجَـٰلِسِ فَٱفۡسَحُوا۟ یَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِیلَ ٱنشُزُوا۟ فَٱنشُزُوا۟ یَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَـٰتࣲۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











