الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ﴾ يعني تعالى ذكره بقوله ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ وأُدنيت الجنة وقرّبت للذين اتقوا ربهم، فخافوا عقوبته بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ يقول: وأدنيت ﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ . * * * وقوله ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ﴾ يقول: قال لهم: هذا الذي توعدون أيها المتقون، أن تدخلوها وتسكنوها وقوله ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ﴾ يعني: لكل راجع من معصية الله إلى طاعته، تائب من ذنوبه. وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: هو المسبح، وقال بعضهم: هو التائب، وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته، غير أنا نذكر في هذا الموضع ما لم نذكره هنالك. ⁕ حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ﴾ قال: لكلّ مسبح. ⁕ حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مسلم الأعور، عن مجاهد، قال: الأوّاب: المسبح. ⁕ حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، قال: ثني أبي، عن الحكم بن عتيبة في قول الله ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾ قال: هو الذاكر الله في الخلاء. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن خباب، عن مجاهد ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾ قال: الذي يذكر ذنوبه فيستغفر منها. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ﴾ . قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن عيسى الحناط، عن الشعبيّ، قال: هو الذي يذكر ذنوبه في خلاء فيستغفر منها ﴿حَفِيظٍ﴾ : أي مطيع لله كثير الصلاة. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾ قال: الأوّاب: التوّاب الذي يئوب إلى طاعة الله ويرجع إليها. ⁕ حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن يونس بن خباب في قوله ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾ قال: الرجل يذكر ذنوبه، فيستغفر الله لها. * * * وقوله ﴿حَفِيظٍ﴾ اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: حفظ ذنوبه حتى تاب منها. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس، عن الأوّاب الحفيظ، قال: حفظ ذنوبه حتى رجع عنها. وقال آخرون: معناه: أنه حفيظ على فرائض الله وما ائتمنه عليه. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿حَفِيظٍ﴾ قال: حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره وصف هذا التائب الأوّاب بأنه حفيظ، ولم يخصّ به على حفظ نوع من أنواع الطاعات دون نوع، فالواجب أن يعمّ كما عمّ جلّ ثناؤه، فيقال: هو حفيظ لكلّ ما قرّبه إلى ربه من الفرائض والطاعات والذنوب التي سلَفت منه للتوبة منها والاستغفار. * * * وقوله ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ يقول: من خاف الله في الدنيا من قبل أن يلقاه، فأطاعه، واتبع أمره. وفي ﴿مَن﴾ في قوله ﴿مَنْ خَشِيَ﴾ وجهان من الإعراب: الخفض على إتباعه كلّ في قوله ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ﴾ والرفع على الاستئناف، وهو مراد به الجزاء من خشي الرحمن بالغيب، قيل له ادخل الجنة؛ فيكون حينئذ قوله (ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ) جوابا للجزاء أضمر قبله القول، وحمل فعلا للجميع، لأن ﴿مَن﴾ قد تكون في مذهب الجميع. * * * وقوله ﴿وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ يقول: وجاء الله بقلب تائب من ذنوبه، راجع مما يكرهه الله إلى ما يرضيه. كما:- ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ : أي منيب إلى ربه مُقْبل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب