الباحث القرآني
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: [[في المطبوعة والمخطوطة: "يعني جل ثناؤه بقوله"، والسياق يقتضي ما أثبت.]] واذكروا نعمة الله عليكم أيها المؤمنون، بالعقود التي عقدتموها لله على أنفسكم، واذكروا نعمته عليكم في ذلك بأن هداكم من العقود لما فيه الرضا، ووفقكم لما فيه نجاتكم من الضلالة والرَّدَى في نِعم غيرها جَمّة. كما:-
١١٥٥٠ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"واذكروا نعمة الله عليكم" قال، النعم: آلاءُ الله.
١١٥٥١ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
وأما قوله:"وميثاقه الذي واثقكم به" فإنه يعني: واذكروا أيضا أيها المؤمنون، في نعم الله التي أنعم عليكم="ميثاقه الذي واثقكم به، وهو عهده الذي عاهدكم به. [[انظر تفسير"الميثاق" فيما سلف ٩: ٣٦٣، تعليق: ١، والمراجع هناك.]]
* * *
واختلف أهل التأويل في"الميثاق" الذي ذكر الله في هذه الآية، أيَّ مواثيقه عَنى؟
فقال بعضهم: عنى به ميثاقَ الله الذي واثقَ به المؤمنين من أصحاب رسول الله ﷺ، حين بايعوا رسولَ الله ﷺ على السمع والطاعة له فيما أحبّو وكرهوا، والعمل بكل ما أمرهم الله به ورسوله.
* ذكر من قال ذلك:
١١٥٥٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله:"واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا" الآية، يعني: حيث بعث الله النبيَّ ﷺ، وأنزل عليه الكتاب، [["حيث" هنا، استعملت في موضع"حين". وقد قال الأصمعي: "ومما تخطئ فيه العامة والخاصة، باب"حين" و"حيث"، غلط فيه العلماء، مثل أبي عبيدة وسيبويه".وقال أبو حاتم: "رأيت في كتاب سيبويه أشياء كثيرة، يجعل حين: حيث"، وكذلك في كتاب أبي عبيدة بخطه. قال أبو حاتم: واعلم أن"حين" و"حيث" ظرفان، فحين ظرف للزمان، وحيث ظرف للمكان، ولكل واحد منهما حد لا يجاوزه، والأكثر من الناس جعلوهما معا: حيث".
ثم انظر مقالة الأخفش أن"حيث" ظرف للزمان، في الخزانة ٣: ١٦٢. والأمر يحتاج إلى زيادة بحث. ليس هذا موضعه.]] فقالوا:"آمنا بالنبي ﷺ وبالكتاب، [[في المطبوعة: "بالنبي والكتاب" وأثبت ما في المخطوطة.]] وأقررنا بما في التوراة"، فذكّرهم الله ميثاقَه الذي أقروا به على أنفسهم، وأمرهم بالوفاء به.
١١٥٥٣ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا"، فإنه أخذ ميثاقنا فقلنا: سمعنا وأطعنا على الإيمان والإقرار به وبرسوله.
* * *
وقال آخرون: بل عنى به جلّ ثناؤه: ميثاقه الذي أخذ على عباده حين أخرجهم من صُلب آدم ﷺ، وأشهدهم على أنفسهم: ألستُ بربكم؟ فقالوا: بلى شهدنا.
* ذكر من قال ذلك:
١١٥٥٤ - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وميثاقه الذي واثقكم به" قال: الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم.
١١٥٥٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
* * *
ثال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك: قولُ ابن عباس، وهو أن معناه:"واذكروا" أيها المؤمنون="نعمة الله عليكم" التي أنعمها عليكم بهدايته إياكم للإسلام="وميثاقه الذي واثقكم به"، يعني: وعهده الذي عاهدكم به حين بايعتم رسوله محمدا ﷺ على السمع والطاعة له في المنشَط والمكرَه، والعُسر واليُسر="إذ قلتم سمعنا" ما قلت لنا، وأخذت علينا من المواثيق وأطعناك فيما أمرتنا به ونهيتنا عنه، وأنعم عليكم أيضا بتوفيقكم لقبول ذلك منه بقولكم له:"سمعنا وأطعنا"، يقول: ففُوا لله، أيها المؤمنون بميثاقه الذي واثقكم به، ونعمته التي أنعم عليكم في ذلك بإقراركم على أنفسكم بالسمع له والطاعة فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، يَفِ لكم بما ضمن لكم الوفاءَ به إذا أنتم وفيتم له بميثاقه، من إتمام نعمته عليكم، وبإدخالكم جنته وإنعامكم بالخلود في دار كرامته، وإنقاذكم من عقابه وأليم عذابه.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من قول من قال:"عنى به الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم صلوات الله عليه"، لأن الله جل ثناؤه ذكرَ بعقب تذكرة المؤمنين ميثاقَه الذي واثقهم به، ميثاقَه الذي واثق به أهل التوراة= بعد ما أنزل كتابه على نبيه موسى ﷺ فيما أمرهم به ونهاهم= فيها، [[قوله: "فيها"، أي في التوراة، والسياق: "ميثاقه الذي واثق به أهل التوراة.. فيها".]] فقال: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ ، الآيات بعدها [سور المائدة: ١٢] = مُنبِّهًا بذلك أصحاب رسول الله ﷺ محمد على مواضع حظوظهم من الوفاء لله بما عاهدهم عليه= ومعرِّفَهم سوء عاقبة أهل الكتاب في تضييعهم ما ضيعوا من ميثاقه الذي واثقهم به في أمره ونهيه، وتعزير أنبيائه ورسله= زاجرًا لهم عن نكث عهودهم، فيُحلّ بهم ما أحلَّ بالناكثين عهوده من أهل الكتاب قبلهم.
فكان= إذْ كان الذي ذكرهم فوعظهم به ونهاهم عن أن يركبوا من الفعل مثلَه، ميثاقَ قوم أخذ ميثاقهم بعد إرسال الرسول إليهم وإنزال الكتاب عليهم [[سياق هذه العبارة: "فكان.. واجبا أن يكون الحال.."، وأما الجملة التي بينهما فهي معترضة، فمن أجل ذلك وضعتها بين خطين.]] واجبًا أن يكون الحال التي أخذ فيها الميثاق والموعوظين نظيرَ حال الذين وعظوا بهم. وإذا كان ذلك كذلك، كان بيِّنًا صحة ما قلنا في ذلك وفسادُ خلافه.
* * *
وأما قوله:"واتقوا الله إنّ الله عليم بذات الصدور"، فإنه وعيد من الله جل اسمه للمؤمنين كانوا برسوله ﷺ من أصحابه [[في المطبوعة: ".. للمؤمنين الذين أطافوا برسوله"، غير ما في المخطوطة، وهو صواب محض وعربي عريق، وضع مكان"كانوا": "الذي أطافوا".]] وتهدُّدًا لهم أن ينقضوا ميثاق الله الذي واثقهم به في رسوله [[في المطبوعة: "وتهديدا لهم"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.]] وعهدهم الذي عاهدوه فيه= بأن يضمروا له خِلاف ما أبدوا له بألسنتهم. [[قوله: "بأن يضمروا.." متعلق"أن ينقضوا ميثاق الله.."، بأن يضمروا.]] .
يقول لهم جل ثناؤه: واتقوا الله، أيها المؤمنون، فخافوه أن تبدِّلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الذي واثقكم به، أو تخالفوا ما ضمنتم له بقولكم:"سمعنا وأطعنا"، بأن تضمروا له غير الوفاء بذلك في أنفسكم، فإن الله مطلع على ضمائر صدوركم [[انظر تفسير"ذات الصدور" فيما سلف ٧: ١٥٥، ٣٢٥.]] وعالم بما تخفيه نفوسكم لا يخفى عليه شيء من ذلك، فيُحّل بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به، كالذي حلَّ بمن قبلكم من اليهود من المسخ وصنوف النّقم، وتصيروا في معادِكم إلى سخط الله وأليم عقابه.
{"ayah":"وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَمِیثَـٰقَهُ ٱلَّذِی وَاثَقَكُم بِهِۦۤ إِذۡ قُلۡتُمۡ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق