الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ قال أبو جعفر: وهذا أمرٌ من الله تعالى ذكره نبيَّه محمدًا ﷺ بإبلاغ اليهود والنصارى الذين كانوا بين ظهرانَيْ مُهاجَره. يقول تعالى ذكره له:"قل"، يا محمد، لهؤلاء اليهود والنصارى="يا أهل الكتاب"، التوراة والإنجيل="لستم على شيء"، مما تدَّعون أنكم عليه مما جاءكم به موسى ﷺ، معشرَ اليهود، ولا مما جاءكم به عيسى، معشرَ النصارى="حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم"، مما جاءكم به محمد ﷺ من الفرقان، فتعملوا بذلك كله، وتؤمنوا بما فيه من الإيمان بمحمد ﷺ وتصديقه، وتقرُّوا بأن كل ذلك من عند الله، فلا تكذِّبوا بشيء منه، ولا تفرِّقوا بين رسل الله فتؤمنوا ببعض وتكفروا ببعض، فإن الكفر بواحد من ذلك كفر بجميعه، لأنّ كتب الله يصدِّق بعضها بعضًا، فمن كذَّب ببعضها فقد كذَّب بجميعها. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر. ١٢٢٨٤ - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جاء رسولَ الله ﷺ رافعُ بن حارثة وسَلام بن مِشْكم، [[في المطبوعة والمخطوطة: "سلام بن مسكين"، ولم أجد هذا الاسم فيمن كان من يهود على عهد رسول الله ﷺ، والمعروف هو ما أثبته وهو الموجود في هذا الخبر في سيرة ابن هشام.]] ومالك بن الصيف، ورافع بن حريملة، [[في المطبوعة: " ... بن حرملة"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في سيرة ابن هشام.]] فقالوا: يا محمد، ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه، وتؤمن بما عندنا من التوراة، وتشهد أنها من الله حق؟ فقال رسول الله ﷺ:"بلى، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخِذَ عليكم من الميثاق، وكتمتم منها ما أمرتم أن تبيِّنوه للناس، وأنا بريء من أحداثكم! قالوا: فإنا نأخذ بما في أيدينا، فإنا على الحق والهدى، ولا نؤمن بك، ولا نتبعك! فأنزل الله تعالى ذكره:"قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم" إلى:"فلا تأس على القوم الكافرين". [[الأثر: ١٢٢٨٤- سيرة ابن هشام ٢: ٢١٧، وهو تابع الآثار التي مضت رقم: ٢١٠١، ٢١٠٢، ١٢٢١٩.]] ١٢٢٨٥ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم"، قال: فقد صرنا من أهل الكتاب="التوراة"، لليهود، و"الإنجيل"، للنصارى،"وما أنزل إليكم من ربكم"، وما أنزل إلينا من ربنا= أي:"لستم على شيء حتى تقيموا"، حتى تعملوا بما فيه. * * * القول في تأويل قوله: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٦٨) ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"وليزيدن كثيًرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانًا وكفرًا"، وأقسم: ليزيدن كثيرًا من هؤلاء اليهود والنصارى الذين قص قصصهم في هذه الآيات، الكتابُ الذي أنزلته إليك، يا محمد [["الكتاب" فاعل قوله: "ليزيدن كثيرًا من هؤلاء اليهود ... ".]] ="طغيانًا"، يقول: تجاوزًا وغلوًّا في التكذيب لك، على ما كانوا عليه لك من ذلك قبل نزول الفرقان="وكفرًا" يقول: وجحودًا لنبوتك. [[انظر تفسير"الكفر" فيما سلف من فهارس اللغة.]] وقد أتينا على البيان عن معنى"الطغيان"، فيما مضى قبل. [[انظر تفسير"الطغيان" فيما سلف ص: ٤٥٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] * * * وأما قوله:"فلا تأس على القوم الكافرين"، يعني بقوله: [[في المطبوعة: "يعبي يقول"، والصواب من المخطوطة.]] "فلا تأس"، فلا تحزن. * * * يقال:"أسِيَ فلان على كذا"، إذا حزن"يأسَى أسىً"،، ومنه قول الراجز: [[هو العجاج.]] وَانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ مِنْ فَرْطِ الأَسَى [[ديوانه: ٣١، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٧١، والكامل ١: ٣٥٢، واللسان (حلب) (كرس) ، وهو من رجزه المشهور، مضى أوله في هذا التفسير ١: ٥٠٩، يقول: يَا صَاحِ، هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا؟ ... قَالَ: نَعَمْ! أَعْرِفُهُ! وَأَبْلَسَا وَانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ مِنْ فَرْطِ الأَسَى ومضى شرح البيتين الأولين. و"انحلبت عيناه" و"تحلبتا": سال دمعهما وتتابع. وكان في المطبوعة: "وأنحلت"، خالف ما في المخطوطة، لأنها غير منقوطة، فأتى بما لا يعرف. فجاء بعض من كتب على هذا البيت وصححه فكتب"وأبخلت" وقال: "معنى: أبخلت: وجدتا بخيلتين بالدمع لغلبة الحزن عليه، أي أنه من شدة حزنه لم يبك، وإنما جمدت عيناه"، فأساء من وجوه: ترك مراجعة الشعر ومعرفته، واجتهد في غير طائل، وأتى بكلام سخيف جدًا! والله المستعان.]] * * * يقول تعالى ذكره لنبيه: لا تحزن، يا محمد، على تكذيب هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى من بني إسرائيل لك، فإن مثلَ ذلك منهم عادة وخلق في أنبيائهم، فكيف فيك؟ * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٢٢٨٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"وليزيدن كثيًرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانًا وكفرًا"، قال: الفرقان= يقول: فلا تحزن. ١٢٢٨٧ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"فلا تأس على القوم الكافرين"، قال: لا تحزن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب