الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"ولو أنهم أقامُوا التوراة والإنجيلَ"، ولو أنهم عملوا بما في التوراة والإنجيل [[انظر تفسير"الإقامة" فيما سلف من فهارس اللغة (قوم) مثل"إقامة الصلاة".]] ="وما أنزل إليهم من ربهم"، يقول: وعملوا بما أنزل إليهم من ربهم من الفرقانِ الذي جاءهم به محمد ﷺ. * * * فإن قال قائل: وكيف يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد ﷺ، مع اختلاف هذه الكتب، ونسخِ بعضها بعضًا؟ قيل: إنها وإن كانت كذلك في بعض أحكامها وشرائعها، فهي متَّفِقة في الأمر بالإيمان برُسُل الله، والتصديق بما جاءت به من عند الله. فمعنى إقامتهم التوراةَ والإنجيل وما أنزل إلى محمد ﷺ: تصديقُهُم بما فيها، والعملُ بما هي متفقة فيه، وكل واحد منها في الحين الذي فرض العمل به. [[في المطبوعة: "وكل واحد منهما في الخبر الذي فرض العمل به"، وهي جملة لا معنى لها، صوابها من المخطوطة.]] * * * وأما معنى قوله:"لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"، فإنه يعني: لأنزل الله عليهم من السماء قَطْرَها، فأنبتت لهم به الأرض حبها ونباتها، فأخرج ثمارَها. * * * وأما قوله:"ومن تحت أرجلهم"، فإنه يعني تعالى ذكره: لأكلوا من برَكة ما تحت أقدامِهم من الأرض، وذلك ما تخرجه الأرض من حَبِّها ونباتها وثمارِها، وسائرِ ما يؤكل مما تخرجه الأرض. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٢٢٥٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم"، يعني: لأرسل السماءَ عليهم مدرارًا="ومن تحت أرجلهم"، تخرج الأرض برَكتها. ١٢٢٥٨ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"، يقول: إذًا لأعطتهم السماء برَكتها والأَرْضُ نَباتها. ١٢٢٥٩ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"، يقول: لو عملوا بما أنزل إليهم مما جاءهم به محمد ﷺ، لأنزلنا عليهم المطرَ، فلأنبت الثَّمر. [[في المطبوعة: "فأنبتت الثمر"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.]] ١٢٢٦٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم"، أمّا"إقامتهم التوراة"، فالعمل بها= وأما"ما أنزل إليهم من ربهم"، فمحمد ﷺ وما أنزل عليه. يقول:"لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"، أما"من فوقهم"، فأرسلت عليهم مطرًا، وأما"من تحت أرجلهم"، يقول: لأنبتُّ لهم من الأرض من رزقي ما يُغْنيهم. ١٢٢٦١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله:"لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"، قال: بركات السماء والأرض= قال ابن جريج:"لأكلوا من فوقهم"، المطر="ومن تحت أرجلهم"، من نبات الأرض. ١٢٢٦٢ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"من فوقهم ومن تحت أرجلهم"، يقول: لأكلوا من الرزق الذي ينزل من السماء="ومن تحت أرجلهم"، يقول: من الأرض. * * * وكان بعضهم يقول [[هذه مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٣١٥.]] إنما أريد بقوله:"لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"، التَّوْسِعَة، كما يقول القائل:"هو في خير من قَرْنه إلى قدمه". [[في المطبوعة: "من فرقه إلى قدمه"، وأثبت ما في المخطوطة، ومعاني القرآن للفراء و"القرن": حد الرأس وجانبها، ورأس كل عال قرنه.]] وتأويل أهل التأويل بخلاف ما ذكرنا من هذا القول، وكفى بذلك شهيدًا على فساده. * * * القول في تأويل قوله: ﴿مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (٦٦) ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"منهم أمة"، منهم جماعة [[انظر تفسير"أمة" فيما سلف ٧: ١٠٦، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] ="مقتصدة"، يقول: مقتصدة في القول في عيسى ابن مريم، قائلةٌ فيه الحقَّ أنه رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، لا غاليةٌ قائلةٌ: إنه ابن الله، تعالى الله عما قالوا من ذلك، ولا مقصرة قائلةٌ: هو لغير رِشْدَة="وكثير منهم"، يعني: من بني إسرائيل من أهل الكتابِ اليهودِ والنصارى ="ساء ما يعملون"، يقول: كثير منهم سيئ عملهم، [[انظر تفسير"ساء" فيما سلف ٩: ٢٠٥، تعليق: ٤، والمراجع هناك.]] وذلك أنهم يكفرون بالله، فتكذب النصارى بمحمد ﷺ، وتزعُم أن المسيحَ ابن الله= وتكذِّب اليهود بعيسى وبمحمد صلى الله عليهما. فقال الله تعالى فيهم ذامًّا لهم:"ساء ما يعملون"، في ذلك من فعلهم. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٢٢٦٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"منهم أمة مقتصدة"، وهم مسلمة أهل الكتاب="وكثير منهم ساءَ ما يعملون". [[سقط من الترقيم، رقم: ١٢٢٦٣ سهوًا.]] ١٢٢٦٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل قال، حدثنا عبد الله بن كثير، أنه سمع مجاهدًا يقول: تفرَّقت بنو إسرائيل فِرَقًا، فقالت فرقة:"عيسى هو ابن الله"، وقالت فرقة:"هو الله"، وقالت فرقة:"هو عبد الله وروحه"، وهي المقتصدة، وهي مسلمةُ أهل الكتاب. ١٢٢٦٦ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قال الله:"منهم أمة مقتصدة"، يقول: على كتابه وأمره. ثم ذمّ أكثر القوم فقال:"وكثير منهم ساء ما يعملون". ١٢٢٦٧ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"منهم أمة مقتصدة"، يقول: مؤمنة. ١٢٢٦٨ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون" قال: المقتصدة، أهلُ طاعة الله. قال: وهؤلاء أهل الكتاب. ١٢٢٦٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله:"منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون"، قال: فهذه الأمة المقتصدة، الذين لا هم جَفَوا في الدين ولا هم غلوا. [[في المطبوعة: "الذين لا هم فسقوا في الدين"، وهي كذلك في الدر المنثور ٢: ٢٩٧، والذي في المخطوطة هو ما أثبته، وهو الصواب إن شاء الله، وفي الحديث: "وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي"، وفيه أيضا: "اقرأوا القرآن ولا تجفوا عنه"، أي تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته.]] قال: و"الغلو"، الرغبة [عنه] ، و"الفسق"، التقصير عنه. [[هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها، استظهرتها من الأثر السالف رقم: ١٠٨٥٣، من تفسير الربيع بن أنس أيضا لآية سورة النساء: ١٧١.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب