الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٣٠) ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"فطوّعت" فآتتهُ وساعدته عليه. [[في المطبوعة: "فأقامته وساعدته ... "، وفي المخطوطة كما كتبتها، ولكنها غير منقوطة. يقال: "آتيته على هذا الأمر مؤاتاة"، إذا وافقته وطاوعته. قالوا: "والعامة تقول: واتيته. قالوا: ولا تقل: واتيته، إلا في لغة لأهل اليمن. ومثله آسيت، وآكلت، وآمرت= وإنما جعلوها واوًا على تخفيف الهمزة في: يواكل، ويوامر، ونحو ذلك".]] * * * وهو"فعَّلت" من"الطوع"، من قول القائل:"طاعني هذا الأمر"، إذا انقاد له. * * * وقد اختلف أهل التأويل في تأويله. فقال بعضهم، معناه: فشجَّعت له نفسه قتل أخيه. * ذكر من قال ذلك: ١١٧٤٢ - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ومحمد بن حميد قالا حدثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عن ابن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد:"فطوعت له نفسه"، قال: شجعت. [[الأثر: ١١٧٤٢-"عنبسة"، هو"عنبسة بن سعيد بن الضريس الأسدي" مضى مرارًا، منها رقم: ٢٢٤، ٣٣٥٦، ٥٣٨٥. و"ابن أبي ليلى"، هو"محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى"، مضى مرارًا. رقم: ٣٢، ٣٣، ٦٣١، ٣٩١٤، ٥٤٣٤. وكان في الإسناد هنا، في المخطوطة والمطبوعة: "عن عنبسة بن أبي ليلى"، وهو خطأ لا شك فيه، وقد مضى هذا الإسناد كثيًرا، انظر مثلا رقم: ٦٣١.]] ١١٧٤٣ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فطوعت له نفسه" قال: فشجعته. ١١٧٤٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فطوعت له نفسه قتل أخيه"، قال: شجعته على قتل أخيه. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: زيَّنَت له. * ذكر من قال ذلك: ١١٧٤٥ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"فطوعت له نفسه"، قال: زينت له نفسه قتلَ أخيه فقَتله. * * * ثم اختلفوا في صفة قتله إياه، كيف كانت، والسبب الذي من أجله قتله. * * * فقال بعضهم: وجده نائمًا فشدَخ رأسه بصَخرة. * ذكر من قال ذلك: ١١٧٤٦ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي فيما ذكر، عن أبى مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس= وعن مرة، عن عبد الله= وعن ناس من أصحاب رسول الله ﷺ:"فطوعت له نفسه قتل أخيه" فطلبه ليقتله، فراغ الغلام منه في رءوس الجبال. وأتاه يومًا من الأيام وهو يرعى غنمًا له في جبل، وهو نائم، فرفع صخرة فشدَخ بها رأسه، فمات، فتركه بالعَرَاء. * * * وقال بعضهم ما:- ١١٧٤٧ - حدثني محمد بن عمر بن علي قال، سمعتَ أشعث السجستاني يقول: سمعت ابن جريج قال: ابنُ آدم الذي قتل صاحبَه لم يدر كيف يقتله، فتمثَّل إبليس له في هيئة طير، فأخذ طيرًا فقطع رأسه، [[في المطبوعة: "فقصع رأسه"، ولا تصح وأثبت ما في المخطوطة. وإنما عني"قطع رأسه"، علمه قطع الرأس في القتل، ثم علمه الشدخ في القتل. صورتان للقتل.]] ثم وضعه بين حجرين فشدَخ رأسه، فعلَّمه القتل. ١١٧٤٨ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قتله حيث يرعَى الغنم، فأتاه فجعل لا يدري كيف يقتله، [[في المطبوعة"فأتى"، وأثبت ما في المخطوطة.]] فلَوَى برقبته وأخذ برأسه، فنزل إبليس وأخذ دابَّةً أو طيرًا، فوضع رأسه على حجرٍ، ثم أخذ حجرًا آخر فرضخ به رأسه، وابنُ آدم القاتلُ ينظر. فأخذ أخاه فوضع رأسه على حجَر، وأخذ حجرًا آخر فرضخ به رأسه. ١١٧٤٩ - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا رجل سمع مجاهدًا يقول، فذكر نحوه. ١١٧٥٠ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما أكلت النار قربانَ ابن آدم الذي تُقُبِّل قربانه، قال الآخر لأخيه: أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قربانًا فتقُبِّل منك، ورُدَّ عليَّ؟ والله لا تنتظر الناس إلي وإليك وأنت خير مني! فقال:"لأقتلنك"، فقال له أخوه: ما ذنبي؟ "إنما يتقبل الله من المتقين". فخوّفه بالنار، فلم ينته ولم ينزجر="فطوعت له نفسه قتلَ أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين". [[الأثر: ١١٧٥٠- مضى مفرقًا برقم: ١١٧٠٦، ١١٧٢٢.]] ١١٧٥١ - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال: أقبلت مع سعيد بن جبير أرمي الجَمْرة، وهو متقَنّع متوكئٌ على يدي، حتى إذا وازينا بمنزل سَمُرَةَ الصوّاف، [[في المطبوعة والمخطوطة"بمنزل سمرة الصراف" بالراء، وأثبت ما في تاريخ الطبري، ولا أدري ما يكون هذا، فلم أجد موضعًا بهذا الاسم فيما بين يدي من المراجع. و"سمرة الصراف"، اسم رجل. ولم أعرف من يكون.]] وقف يحدثني عن ابن عباس قال: نهى أن ينكح المرأة أخوها تُؤْمها، [[في تاريخ الطبري: "أن تنكح المرأة أخاها توأمها"، وكان في المطبوعة هنا"توأمها"، وأثبت ما في المخطوطة، وانظر ما سلف ص: ٢٠٥، تعليق: ٣.]] وينكحها غيره من إخوتها. وكان يولد في كل بطن رجلٌ وامرأة. فوُلدت امرأةٌ وسيمةٌ، وولدت امرأة دميمة قبيحة. فقال أخو الدّميمة: أنكحني أختك وأنكحك أختي. قال: لا أنا أحق بأختي. فقرّبا قربانًا، فتقبل من صاحب الكبش، ولم يتقبل من صاحب الزرع، فقتله. فلم يزل ذلك الكبش محبوسًا عند الله عز وجل حتى أخرجه في فداء إسحاق، فذبحه على هذا الصَّفا في ثَبِير، عند منزل سمرة الصواف، [[في المطبوعة والمخطوطة"بمنزل سمرة الصراف" بالراء، وأثبت ما في تاريخ الطبري، ولا أدري ما يكون هذا، فلم أجد موضعًا بهذا الاسم فيما بين يدي من المراجع. و"سمرة الصراف"، اسم رجل. ولم أعرف من يكون.]] وهو على يمينك حين ترمي الجمار = قال ابن جريج، وقال آخرون بمثل هذه القصة. قال: فلم يزل بنو آدم على ذلك حتى مضى أربعة آباء، فنكح ابنةَ عمه، وذهب نكاح الأخوات. [[الأثر: ١١٧٥١- رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ٦٩.]] * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله عز ذكره قد أخبر عن القاتل أنه قتل أخاه، ولا خبر عندنا يقطع العذر بصفة قتله إياه. وجائزٌ أن يكون على نحو ما قد ذكر السديّ في خبره= وجائزٌ أن يكون كان على ما ذكره مجاهد، والله أعلم أيُّ ذلك كان. غير أن القتل قد كان لا شك فيه. * * * وأما قوله:"فأصْبَحَ من الخاسرين"، فإن تأويله: فأصبح القاتل أخاه من ابني آدم، من حزب الخاسرين، وهم الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، بإيثارهم إياها عليها، فوُكسوا في بيعهم، وغبنوا فيه، وخابوا في صفقتهم. [[انظر تفسير"الخاسرين" و"الخسران" فيما سلف ص: ١٧٠، تعليق: ٤. والمراجع هناك.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب