الباحث القرآني

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٥) ﴾ قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل وعز عن قيل قوم موسى حين قال له قومه ما قالوا، من قولهم:"إنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون"= أنه قال عندَ ذلك، وغضب من قيلهم له، [[في المطبوعة والمخطوطة: "من قيلهم لهم"، والسياق يقتضي"له"، وسياق العبارة: "أنه قال عند ذلك.. داعيًا: يا رب..".]] داعيا: يا رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي= يعني بذلك، لا أقدر على أحد أن أحمله على ما أحب وأريد من طاعتك واتّباع أمرك ونهيك، إلا على نفسي وعلى أخي. * * * = من قول القائل:"ما أملك من الأمر شيئا إلا كذا وكذا"، بمعنى: لا أقدر على شيء غيره. [[انظر تفسير"ملك" فيما سلف قريبًا ص: ١٠٥.]] * * * ويعني بقوله:"فافرق بيننَا وبين القوم الفاسقين"، افصل بيننا وبينهم بقضاء منك تقضيه فينا وفيهم فتبعِدُهم منّا. * * * =من قول القائل:"فَرَقت بين هذين الشيئين"، بمعنى: فصلت بينهما، من قول الراجز: [[لعله: حبينة بن طريف العكلي. وانظر التعليق التالي. و"حبينة" بالباء، والنون وأخطأ من ظن أنه بنونين.]] يَا رَبِّ فافْرُقْ بَيْنَهُ وَبَيْنِي ... أَشَدَّ مَا فَرَّقْتَ بَيْنَ اثْنَيْنَ [[مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٦٠، وهكذا جاء هناك وهنا. وفي المخطوطة: "يا رب فارق"، وصححه في المطبوعة، وجاء تصحيحه موافقًا لما في مجاز القرآن. ولم أجد الرجز بهذا اللفظ، وظني أنه رجز حبينة بن طريف العكلي، له خبر طويل (انظر تهذيب إصلاح المنطق ١: ١٣٨) ، كان بينه وبين ليلى الأخيلية كلام، فقال لها: "أما والله لو أن لي منك النصف، لسببتك سبًا يدخل معك قبرك!! " ثم راجزها وفضحها، فقال في رجزه ذلك: جَارِيَةٌ منْ شِعْب ذي رُعَيْنِ ... حَيَّاكَةٌ تَمْشِي بِعُلْطَتَيْنِ وَذِي هِبَابٍ نَعِظِ الْعَصْرَيْنِ ... قَدْ خَلَجَتْ بحاجِبٍ وعَيْنِ يَا قَوْمِ خَلُّوا بَيْنَها وَبَيْنِي ... أَشَدَّ مَا خُلِّي بَيْنَ اثْنَيْنَ لم يُلْقَ قَطُّ مِثْلَنَا سِيَّيْنِ "حياكة"، تحيك في مشيتها، أي تتبختر. و"وتتثط بالعلطتان"، قلادتان أو ودعتان تكون في أعناق الصبيان، "خجلت العين" واضطربت. يصفها بالغمز للرجال."سيين": مثلين. و"هب التيس هبابًا وهبيبًا"، هاج ونب للسفاد. وتجد هذا الشعر وخبره مفرقًا في المؤتلف والمختلف للآمدي: ٩٧، وإصلاح المنطق: ٨٩، وتهذيب إصلاح المنطق: ١٣٨، واللسان (خلج) (علط) (نعظ) (عرك) ، والمخصص ٢: ٤٧. والشعر بهذه الرواية لا شاهد فيه.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل * ذكر من قال ذلك: ١١٦٨٦ - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين"، يقول: اقض بيني وبينهم. ١١٦٨٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين"، يقول: اقض بيننا وبينهم. ١١٦٨٨ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قال: غضب موسى ﷺ حين قال له القوم:"اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون"، فدعا عليهم فقال:"رب إنّي لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين"، وكانت عَجْلَةً من موسى عِجلها. [["عجلة" مصدر الواحدة من قولهم: "عجل"، إذا أسرع.]] ١١٦٨٩ - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين"، يقول: اقض بيننا وبينهم، وافتح بيننا وبينهم= كلّ هذا يقول الرجل:"اقض بيننا" [[في المطبوعة: "كل هذا من قول الرجل"، وأثبت ما في المخطوطة، وكأنه صواب، وكأنه يقول"افرق بينا" و"اقض بينا"، و"افتتح بيننا" كل ذلك يقول الرجل بمعنى"اقض بيننا".]] فقضاء الله جل ثناؤه بينه وبينهم: أن سماهم"فاسقين". [[في المطبوعة والمخطوطة: "فقضى الله"، وآثرت قراءتها كذلك لحسن سياقها، وهو في المخطوطة يكثر أن يكتب"قضاء" هكذا"قضى"، كما سلف مرارا.]] * * * وعنى بقوله:"الفاسقين" الخارجين عن الإيمان بالله وبه إلى الكفر بالله وبه. * * * وقد دللنا على أن معنى"الفسق"، الخروج من شيء إلى شيء، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. [[انظر تفسير"الفسق" فيما سلف ١: ٤٠٩، ٤١٠/٢: ١١٨/ ثم ٩: ٥١٥، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب