الباحث القرآني
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"يا أهل الكتاب"، اليهودَ الذين كانوا بين ظهرانَيْ مُهاجَر رسول الله ﷺ يوم نزلت هذه الآية. وذلك أنهم= أو: بعضهم، فيما ذكر= لما دعاهم رسول الله ﷺ إلى الإيمان به وبما جاءهم به من عند الله، قالوا: ما بعثَ الله من نبيّ بعد موسى، ولا أنزل بعد التوراة كتابًا!
١١٦١٦ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب لليهود: يا معشر اليهود، اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله! لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مَبعثه، وتصفونه لنا بصفته! فقال رافع بن حُرَيملة ووهب بن يهودا [[في المطبوعة: "رافع بن حرملة"، وفي المخطوطة: "نافع بن حرملة"، وأثبت ما في سيرة ابن هشام.]] ما قلنا هذا لكم، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيرًا ولا نذيرًا بعده! [[في المخطوطة: "ولا أرسل بشيرًا ونذيرًا"، والصواب ما في المطبوعة كما في سيرة ابن هشام.]] فأنزل الله عز وجل في [ذلك من] قولهما [[الزيادة بين القوسين من سيرة ابن هشام.]] "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشيرٌ ونذيرٌ والله على كل شيء قدير". [[سيرة ابن هشام ٢: ٢١٢، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١١٦١٣.]]
* * *
ويعني بقوله جل ثناؤه:"فقد جاءكم رسولنا"، قد جاءكم محمد ﷺ رسولنا="يبين لكم"، يقول: يعرفكم الحقَّ، ويوضح لكم أعلام الهدى، ويرشدكم إلى دين الله المرتضى، [[انظر تفسير"التبيين" فيما سلف من فهارس اللغة، مادة (بين) .]] كما:-
١١٦١٧ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل"، وهو محمد ﷺ، جاء بالفرقان الذي فرَق الله به بين الحق والباطل، فيه بيان الله ونوره وهداه، وعصمةٌ لمن أخذ به.
* * *
="على فترة من الرسل"، يقول: على انقطاع من الرسل= و"الفترة" في هذا الموضع الانقطاع= يقول: قد جاءكم رسولنا يبين لكم الحق والهدى، على انقطاع من الرسل.
* * *
و"الفترة""الفعلة" من قول القائل:"فتر هذا الأمر يفتُر فُتورًا"، وذلك إذا هدأ وسكن. وكذلك"الفترة" في هذا الموضع، معناها: السكون، يراد به سكون مجيء الرسل، وذلك انقطاعها.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في قدر مدة تلك الفترة، فاختلف في الرواية في ذلك عن قتادة. فروى معمر عنه ما:-
١١٦١٨ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"على فترة من الرسل" قال: كان بين عيسى ومحمَّدٍ ﷺ خمسمائة وستون سنة.
* * *
وروى سعيد بن أبي عروبة عنه ما:-
١١٦١٩ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كانت الفترة بين عيسى ومحمّدٍ صلى الله عليهما، ذكر لنا أنها كانت ستمائة سنة، أو ما شاء من ذلك، والله أعلم. [[كان في المطبوعة: "وما شاء الله" بالواو، وفي المطبوعة والمخطوطة: "الله أعلم" بغير واو. والصواب ما أثبت.]]
١١٦٢٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن أصحابه قوله:"قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل"، قال: كان بين عيسى ومحمد صلى لله عليهما خمسمائة سنة وأربعون سنة= قال معمر، قال قتادة: خمسمائة سنة وستون سنة.
* * *
وقال آخرون بما:-
١١٦٢١ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:"على فترة من الرسل"، قال: كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما، أربعمائة سنة وبضعًا وثلاثين سنة.
ويعني بقوله:"أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير" أن لا تقولوا، وكي لا تقولوا، كما قال جل ثناؤه: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [سورة النساء: ١٧٦] ، بمعنى: أن لا تضلوا، وكي لا تضلوا.
* * *
فمعنى الكلام: قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل، كي لا تقولوا ما جاءَنا من بشير ولا نذير. يعلمهم عز ذكره أنه قد قطَع عذرهم برسوله ﷺ، وأبلغ إليهم في الحجة. [[انظر ما سلف ٩: ٤٤٥، ٤٤٦.]]
ويعني بـ"البشير"، المبشر من أطاع الله وآمن به وبرسوله، وعمل بما آتاه من عند الله، بعظيم ثوابه في آخرته [[وانظر تفسير"البشارة" فيما سلف ٩: ٣١٨، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] = وبـ"النذير"، المنذر من عصاه وكذّب رسولَه ﷺ وعمل بغير ما أتاه من عند الله من أمره ونهيه، بما لا قبل له به من أليم عقابه في معاده، وشديد عذابه في قِيامته.
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لهؤلاء اليهود الذين وصفنا صفتهم: قد أعذرنا إليكم، واحتججنا عليكم برسولنا محمد ﷺ إليكم، وأرسلناه إليكم ليبيّن لكم ما أشكل عليكم من أمر دينكم، كيلا تقولوا:"لم يأتنا من عندك رسولٌ يبيِّن لنا ما نحن عليه من الضلالة"، فقد جاءكم من عندي رسول يبشر من آمن بي وعمل بما أمرته وانتهى عما نهيته عنه، وينذر من عصاني وخالف أمري، وأنا القادر على كل شيء، أقدر على عقاب من عصاني، وثواب من أطاعني، فاتقوا عقابي على معصيتكم إياي وتكذيبكم رسولي، واطلبوا ثوابي على طاعتكم إياي وتصديقكم بشيري ونذيري، فإني أنا الذي لا يعجزه شيء أرادَه، ولا يفوته شيء طلبه. [[انظر تفسير"قدير" فيما سلف من فهارس اللغة.]]
{"ayah":"یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ قَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولُنَا یُبَیِّنُ لَكُمۡ عَلَىٰ فَتۡرَةࣲ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُوا۟ مَا جَاۤءَنَا مِنۢ بَشِیرࣲ وَلَا نَذِیرࣲۖ فَقَدۡ جَاۤءَكُم بَشِیرࣱ وَنَذِیرࣱۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق