الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لعباده: احذروا يومَ يجمع الله الرسلَ فيقول لهم: ماذا أجابتكم أممكم في الدنيا ="إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس". * * * ف"إذْ" من صلة"أجبتم"، كأنّ معناها: ماذا أجابت عيسى الأمم التي أرسل إليها عيسى. * * * فإن قال قائل: وكيف سئلت الرسل عن إجابة الأمم إيَّاها في عهد عيسى، ولم يكن في عهد عيسى من الرُّسل إلا أقلُّ ذلك؟ [[في المطبوعة: "إلا أقل من ذلك"، زاد"من"، فأفسد الكلام، والصواب ما في المخطوطة.]] قيل: جائزٌ أن يكون الله تعالى ذكره عنى بقوله:"فيقول ماذا أجبتم"، الرسلَ الذين كانوا أرسلوا في عهد عيسى، فخرَج الخبر مخرج الجميع، والمراد منهم من كان في عهد عيسى، كما قال تعالى ذكره: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [سورة آل عمران: ١٧٣] ، والمراد واحدٌ من الناس، وإن كان مخرج الكلام على جميع الناس. [[انظر ما سلف: ٤٠٥ ٤١٣.]] قال أبو جعفر: ومعنى الكلام:"إذ قال الله"، حين قال ="يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس"، يقول: يا عيسى اذكر أياديّ عندك وعند والدتك، [[انظر تفسير"النعمة" فيما سلف من فهارس اللغة (نعم) .]] إذ قوّيتك برُوح القُدس وأعنتُك به. [[انظر تفسير"أيد" فيما سلف ٢: ٣١٩/٥: ٣٧٩/٦: ٢٤٢.]] * * * وقد اختلف أهل العربية في"أيدتك"، ما هو من الفعل. فقال بعضهم: هو"فعّلتك"، ["من الأيد"] ، كما قولك:"قوّيتك""فعّلت" من"القوّة". [[الزيادة بين القوسين، لا بد منها. وفي المطبوعة: "كما في قوله" بزيادة"في"، والصواب ما في المخطوطة بحذفها.]] * * * وقال آخرون: بل هو"فاعلتك" من"الأيد". وروي عن مجاهد أنه قرأ: ﴿إذْ آيَدْتُك﴾ ، بمعنى"أفعلتك"، من القوّة والأيد. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٢٥. وهذا الذي ذكره هنا في"أيدتك" تفصيل أغفله في بيانه السالف في: ٢: ٣١٩، وهذا من ضروب اختصاره في التفسير، وهو دال أيضًا على طريقته في تأليف هذا التفسير.]] . * * * وقوله:"بروح القدس"، يعني: بجبريل. يقول: إذ أعنتك بجبريل. * * * وقد بينت معنى ذلك، وما معنى"القدس"، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. [[انظر تفسير"روح القدس" فيما سلف ٢: ٣٢٠، ٣٢١/٥: ٣٧٩.]] * * * القول في تأويل قوله: ﴿تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قِيله، لعيسى:"اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس"، في حال تكليمك الناسَ في المهدِ وكهلا. * * * وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره: أنه أيده بروح القدس صغيرًا في المهد، وكهلا كبيرًا = فردّ"الكهل" على قوله"في المهد"، لأن معنى ذلك: صغيرًا، كما قال الله تعالى ذكره: دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، [سورة يونس: ١٢] . * * * وقوله:"وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل"، يقول: واذكر أيضًا نعمتي عليك"إذ علمتك الكتاب"، وهو الخطّ ="والحكمة"، وهي الفهم بمعاني الكتاب الذي أنزلته إليك، وهو الإنجيل ="وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير"، يقول: كصورة الطير...... [[مكان هذا النقط بياض في المخطوطة، وفي هامشها حرف (ط) ، دلالة على موضع خطأ. فأثبتها كذلك. وإن كنت أرجح أن سياق أبي جعفر يقتضي أن تكون عبارته هكذا: {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير، يعني بقوله: "تخلق"، تعمل وتصلح"من الطين كهيئة الطير"، يقول: كصورة الطير: "بإذني"، يقول: بعوني على ذلك. . . ومع ذلك، فقد تركت ما في المخطوطة على ما هو عليه.]] ="بإذني"، يعني بقوله"تخلق" تعمل وتصلح -"من الطين كهيئة الطير بإذني"، يقول: بعوني على ذلك، وعلمٍ منّي به ="فتنفخ فيها"، يقول: فتنفخ في الهيئة، قتكون الهيئة والصورة طيرًا بإذني ="وتبرئ الأكمه"، يقول: وتشفي"الأكمهَ"، وهو الأعمى الذي لا يبصر شيئًا، المطموس البصر="والأبرص بإذني". * * * وقد بينت معاني هذه الحروف فيما مضى من كتابنا هذا مفسرًا بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. [[انظر تفسير"المهد" فيما سلف ٦: ٤١٧ = وتفسير"الكهل" ٦: ٤١٧، ٤١٨ = وتفسير"الكتاب"، و"الحكمة" فيما سلف من فهارس اللغة (كتب) و (حكم) = وأما تفسير"خلق" و"هيأة" بهذا المعنى، فلم يذكره فيما سلف، وإن كان ذلك مضى في ٦: ٤٢٤ وتفسير"أبرأ" ٦: ٤٢٨ = وتفسير"الأكمه" ٦: ٤٢٨ - ٤٣٠ = وأما "الأبرص" فلم يفسره = وتفسير"الإذن" فيما سلف ١٠: ١٤٥، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] * * * وقوله"وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات"، يقول: واذكر أيضًا نعمتي عليك بكفِّي عنك بني إسرائيل إذ كففتهم عنك، [[انظر تفسير"الكف" فيما سلف ٨: ٥٤٨، ٥٧٩/ ٩: ٢٩/١٠: ١٠١]] وقد هموا بقتلك ="إذ جئتهم بالبينات"، يقول: إذ جئتهم بالأدِلة والأعلام المعجزة على نبوّتك، [[انظر تفسير"البينات" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .]] وحقيقة ما أرسلتك به إليهم. [[في المطبوعة: "وحقية ما أرسلتك"، غيرها كما فعل مرارًا كثيرة فيما سلف، والصواب ما في المخطوطة، وانظر ما سلف ١٠: ٢٤٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] ="فقال الذين كفروا منهم"، يقول تعالى ذكره: فقال الذين جحدُوا نبوَّتك وكذبوك من بني إسرائيل="إن هذا إلا سحر مبين". * * * واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته قرأة أهل المدينة وبعض أهل البصرة: إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ يعني: يبين عمَّا أتى به لمن رأه ونظر إليه، أنه سحر لا حقيقةَ له. * * * وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة: ﴿إن هذا إلا ساحر مبين﴾ ، بمعنى:"ما هذا"، يعني به عيسى،"إلا ساحر مبين"، يقول: يبين بأفعاله وما يأتي به من هذه الأمور العجيبة عن نفسه، أنه ساحرٌ لا نبيٌّ صادق. [[انظر تفسير"مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .]] * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنَّهما قراءتان معروفتان صحيحتَا المعنى، متفقتان غير مختلفتين. وذلك أن كل من كان موصوفًا بفعل"السحر"، فهو موصوف بأنه"ساحر". ومن كان موصوفًا بأنه"ساحر"، فأنه موصوف بفعل "السحر". فالفعل دالٌ على فاعله، والصفة تدلُّ على موصوفها، والموصوف يدل على صفته، والفاعلُ يدلُّ على فعله. فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ في قراءته.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب