الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما بحر الله بحيرة، ولا سيَّب سائبة، ولا وصل وصيلة، ولا حَمَى حاميًا = ولكنكم الذين فعلتم ذلك، أيها الكفرة، فحرَّمتموه افتراء على ربكم، كالذي:-
١٢٨١٩ - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثني أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن ابن الهاد = وحدثني يونس قال، حدثنا عبد الله بن يوسف قال، حدثني الليث قال، حدثني ابن الهاد =، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:"رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجرُّ قُصْبَه في النار، وكان أول من سيَّب السُّيَّب". [[الأثر: ١٢٨١٩- رواه أبو جعفر بإسنادين: أولهما"محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري"، ثقة مضى برقم: ٢٣٧٧.
وأبوه: "عبد الله بن عبد الحكم بن أعين"، الفقيه المصري، ثقة، مترجم في التهذيب، و"شعيب بن الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري"، ثقة، مضى برقم: ٣٠٣٤، ٥٣١٤
وأبوه"الليث بن سعد" الإمام الجليل القدر، مضى برقم: ١٨٦، ١٨٧، ٢٠٧٢، ٢٥٨٤، ٩٥٠٧.
و"ابن الهاد" هو: "يزيد بن الهاد" منسوبا إلى جده، وهو: "يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد" ثقة، مضى برقم: ٢٠٣١، ٣٠٣٤، ٤٣١٤.
وأما الإسناد الثاني فتفسيره:
"يونس" هو"يونس بن عبد الأعلى الصدفي" ثقة مضى برقم: ١٦٧٩، ٣٥٠٣ وغيرها.
و"عبد الله بن يوسف التنيسي الكلاعي" ثقة من شيوخ البخاري. مترجم في التهذيب.
وخبر أبي هريره هذا، من طريق الليث بن سعد، عن يزيد بن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رواه أحمد في المسند رقم: ٨٧٧٣، وأشار إليه البخاري في صحيحه (الفتح ٨: ٢١٤) وقد رواه قبل من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب، عن سعيد، ورواه أحمد قبل ذلك منقطعا رقم: ٧٦٩٦، من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة وقد استوفى أخي السيد أحمد في شرحه بيان ذلك. وأما مسلم فقد رواه في صحيحه ١٧: ١٨٩ من طريق صالح بن كيسان، عن ابن شهاب عن سعيد.
وذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٢٥٣، وذكر رواية البخاري الآنفة: "قال الحاكم: أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت، عن الزهري هكذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزي في الأطراف، وسكت ولم ينبه عليه= قال ابن كثير: وفيما قاله الحاكم نظر، فإن الإمام أحمد وأبا جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد عن ابن الهاد عن الزهري نفسه، والله أعلم". وتفسير كلام ابن كثير أن ابن الهاد قد ثبت سماعه من الزهري. ولم يبين هو ما أراد أبو الحجاج بما قال ولم يفسره. ولم يشر الحافظ ابن حجر في الفتح (٨: ٢١٤) إلى شيء مما قاله المزي.
وأما "القصب" (بضم فسكون) : هي الأمعاء كلها. وأما قوله: "سيب السيب" فإن"سيب الدابة أو الناقة أو الشيء": تركه يسيب حيث شاء، أي يذهب حيث شاء. وأما "السيب" (بضم السين وتشديد الياء المفتوحة) فهو جمع"سائبة" على مثال"نائحة ونوح" و"نائم ونوم" كما سلف في تعليقي على الأثر رقم: ١٠٤٤٧، وشاهده رواه ابن هشام في سيرته هذا البيت (١: ٩٣) : حَوْلَ الوَصَائِل فِي شُرَيْفٍ ... حِقَّةٌ وَالحَامِيَاتُ ظُهُورُها
وَالسُّيَّبُ وتجمع"سائبة" أيضًا على"سوائب" وهو القياس. وقد جاء في إحدى روايتي صحيح مسلم (١٧: ١٨٩) : "أول من سيب السيوب" (بضم السين والياء) وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار: "أول من سيب السوائب، وفي الرواية الأخرى: أول من سيب السيوب"، ولم يبين ذلك. وبيانه أن"السيوب" جمع"سيب" (بفتح فسكون) مصدر سميت به"السائبة" وقد جاء في حديث عبد الرحمن بن عوف في يوم الشورى: "وإن الحيلة بالنطق أبلغ من السيوب في الكلم" وفسروه تفسيرين، الأول ما في لسان العرب: "السيوب: ما سيب وخلى فساب أي ذهب" والآخر ما قاله الزمخشري في الفائق: "السيوب مصدر: ساب كان قياسا جمع"سائب" و"سائبة" على"سيوب" فإن ما جاء مصدره على"فعول" كان جمع"فاعل" منه على"فعول" مثل"شاهد وشهود" و"قاعد وقعود" و"حاضر وحضور" وقد ذكرت ذلك في تعليق سالف وانظر شرح الشافية ٢: ١٥٨. فهذا تفسير ما أغفله القاضي عياض، والنووي في شرح صحيح مسلم.
وكان في المطبوعة: "أول من سيب السائبة"، غير ما في المخطوطة وهو اطراح سيئ لأمانة العلم!! وكتبه محمود محمد شاكر.]]
١٢٨٢٠ - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول لأكثم بن الجون: يا أكثم، رأيتُ عمرو بن لُحيّ بن قَمَعَة بن خِنْدف يجرّ قُصْبه في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به، ولا به منك! فقال أكثم: عسَى أن يضرّني شبهه، يا رسول الله! فقال رسول الله ﷺ:"لا إنك مؤمن وهو كافر، إنه أوّل من غيَّر دين إسماعيل، وبحر البحيرة، وسيَّب السائبة، وحمى الحامي". [[الأثر: ١٢٨٢٠-"محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي" روى له أصحاب الكتب الستة، تابعي ثقة كثير الحديث مضى برقم: ٤٢٤٩.
و"أبو صالح" هو: "ذكوان السمان"، تابعي ثقة. مضى مرارًا.
وأما "محمد بن إسحق"، صاحب السيرة، فقد مضى توثيق أخي السيد أحمد له في رقم: ٢٢١ وفي غيره من كتبه.
وهذا الخبر ساقه ابن كثير في تفسيره ٣: ٢٥٤، هو ورقم: ١٢٨٢٢، وفي البداية والنهاية ٢: ١٨٩، ثم قال"وليس هذان الطريقان في الكتب من هذا الوجه" يعني الصحاح وإلا فإن هذا الخبر ثابت بإسناد محمد بن إسحق في سيرة ابن هشام ١: ٧٨، ٧٩ وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب بغير إسناد ص: ٥٥ وذكره ابن الأثير بإسناده ١: ١٢٣، ١٢٤، وابن حجر في الإصابة (ترجمة: أكثم بن الجون) ونسبه لابن أبي عروبة وابن مندة من طريق ابن إسحق وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٣٣٨ فخلط في تخريجه تخليطا شديدا فقال: "أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه" وإنما ذلك رقم: ١٢٨٢٢، الآتي بعد. وسيأتي هذا الخبر مطولا من طريق أخرى رقم: ١٢٨٢٧، وهو إسناد أبي جعفر الثاني في رواية سيرة ابن إسحق.
وقوله: "عسى أن يضرني شبهه" يعني: لعله يضرني شبهه، يتخوف أن يكون ذلك. وفي المطبوعة: "أخشى أن يضرني شبهه" وهو مخالف للرواية، وإنما اختلط عليه خط ناسخ المخطوطة إذ كتبها مختلطة: "تحتي" كأنه أراد أن يكتب شيئًا، ثم عاد عليه حتى صار"عسى" منقوطة وبمثل ما في المطبوعة، جاءني في الدر المنثور. وكثرة مثل ذلك دلتني على أن هذه النسخة المخطوطة التي ننشرها هي التي وقعت في يد السيوطي، والصواب ما أثبته من السيرة، ومن نقل عنها.
وكان في المخطوطة أيضًا: "وحمى الحمى"، وهو خطأ محض، صوابه من مراجع هذا الخبر.]]
١٢٨٢١ - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس قال، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، أن رسول الله ﷺ قال: قد عرفت أوّلَ من بَحَر البحائر، رجلٌ من مُدْلج كانت له ناقتان، فجدَع آذانهما، وحرّم ألبانهما وظهورَهما، وقال: هاتان لله! ثم احتاج إليهما، فشرب ألبانهما، وركب ظهورهما. قال: فلقد رأيته في النار يؤذِي أهل النار ريح قُصْبه. [[الأثر: ١٢٨٢١-"هشام بن سعد المدني""يتيم زيد بن أسلم" كان من أوثق الناس عن زيد وهو ثقة، وتكلم فيه بعضهم مضى برقم: ٥٤٩٠. وهذا خبر مرسل.
وسيأتي من طريق معمر، عن زيد بن أسلم برقم: ١٢٨٢٤.]]
١٢٨٢٢ - حدثنا هناد قال، حدثنا عَبْدة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: عُرِضت عليَّ النار، فرأيت فيها عمرو بن فلان بن فلان بن خندف يجرّ قصْبه في النار، وهو أوّل من غيَّر دين إبراهيم، وسيب السائبة، وأشبه من رأيت به أكثم بن الجون! فقال أكثم: يا رسول الله، أيضرني شبهه؟ قال:"لا لأنك مُسلم، وإنه كافر". [[الأثر: ١٢٨٢٢-"عبدة" هو"عبدة بن سليمان الكلابي" ثقة مضى قريبا برقم: ١٢٧٢٩. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عبيدة" وهو خطأ صوابه في تفسير ابن كثير.
و"محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي" و"أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" مضيا أيضًا في مثل هذا الإسناد رقم: ١٢٧٢٩ وهذا إسناد رجاله ثقات.
وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك ٤: ٦٠٥، من طريق أبي حاتم الرازي، عن محمد ابن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو وفيه"فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف" مصرحا ثم قال: "وهذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
وقد مر بك أن ابن كثير قال في تفسيره ٣: ٢٥٤ والبداية والنهاية ٢: ١٨٩، أنه ليس في الكتب يعني الصحاح ولم يزد.
وأما الحافظ ابن حجر فخرجه في الإصابة (ترجمة أكثم بن الجون) من طريق أحمد بن حنبل، عن محمد بن بشر العبدي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، بمثله ثم أشار إلى طريق الحاكم في المستدرك. ولكن أعياني أن أجد خبر أحمد في المسند.
وأما الإمام الحافظ أبو محمد بن حزم فقد رواه في كتاب جمهرة الأنساب ص: ٢٢٣ من طريق علي بن عمر الدارقطني عن الحسين بن إسمعيل القاضي المحاملي عن سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن محمد بن عمرو. ثم قال أبو محمد بعد سياقه أحاديث البخاري ومسلم وهذا الحديث وهي أربعة هذا ثالثها: "أما الحديث الأول والثالث والرابع، ففي غاية الصحة والثبات" فحكم لهذا الخبر بالصحة.
وفي المطبوعة هنا: "عمرو بن فلان بن فلان بن فلان بن خندف""فلان" ثلاث مرات وهو مخالف لما في المخطوطة، وخطأ بعد ذلك فإن ما بين"عمرو" و"خندف" اثنان لا ثلاثة. وهكذا في المخطوطة والمطبوعة: "لا لأنك مسلم" ولولا اتفاقهما لرجحت أن تكون: "لا إنك مسلم" كما في رواية غيره.]]
١٢٨٢٣ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجرّ قُصْبه في النار، وهو أوّل من سيّب السوائب. [[الأثر: ١٢٨٢٣- هذا خبر مرسل كما ترى، لم يرفعه عبد الرزاق.]]
١٢٨٢٤ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله ﷺ: إني لأعرف أوّل من سيب السوائب، وأوّل من غيَّر عهد إبراهيم! قالوا: من هو، يا رسول الله؟ قال: عمرو بن لُحَيّ أخو بني كعب، لقد رأيته يجرّ قُصْبه في النار، يؤذي ريحه أهل النار. وإني لأعرف أوّل من بحر البحائر! قالوا: من هو، يا رسول الله؟ قال: رجل من بني مدلج، كانت له ناقتان، فجدع آذانهما، وحرّم ألبانهما، ثم شرب ألبانهما بعدَ ذلك، فلقد رأيته في النار هو، وهما يعضّانه بأفواههما، ويخبطانه بأخفافهما. [[الأثر: ١٢٨٢٤- هذا أيضًا خبر مرسل، وهو طريق أخرى للخبر السالف رقم: ١٢٨٢١. وقد ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (٨: ٢١٤، ٢١٥) ثم قال: "والأول أصح"، يعني ذكر هذا الرجل من بني مدلج، أنه أول من بحر البحائر، وأن الصواب ما جاء في الأخبار الصحاح قبل، أنه عمرو بن لحي.
و"بنو مدلج" هم بنو مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن اليأس ابن مضر بن نزار بن معد ليسوا من قريش. وكانت فيهم القيافة والعيافة، منهم"مجزز المدلجي" الذي سر النبي ﷺ بقيافته (جمهرة الأنساب: ١٧٦، ١٧٧) .]] و"البحيرة" الفعيلة من قول القائل:"بَحَرْت أُذن هذه الناقة"، إذا شقها،"أبحرُها بحرًا"، والناقة"مبحورة"، ثم تصرف"المفعولة" إلى"فعيلة"، فيقال:"هي بحيرة". وأما"البَحِرُ" من الإبل فهو الذي قد أصابه داءٌ من كثرة شرب الماء، يقال منه:"بَحِر البعيرُ يبحر بَحَرًا"، [[هذه على وزن"فرح يفرح فرحًا".]] ومنه قول الشاعر: [[أعياني أن أجد قائله.]]
لأعْلِطَنَّهُ وَسْمًا لا يُفَارَقُهُ ... كَمَا يُحَزُّ بِحَمْيِ المِيسَمِ البَحِرُ [[سيأتي في التفسير ٢٩: ١٩ (بولاق) لسان العرب (بحر) ."علط البعير يعلطه علطًا" وسمه بالعلاط. و"العلاط" (بكسر العين) : سمة في عرض عنق البعير، فإذا كان في طول العنق فهو"السطاع" (بكسر السين) . هذا تفسير اللغة أنه في العنق وأما أبو جعفر الطبري فقد قال في تفسيره (٢٩: ١٩) "والعرب تقول: والله لأسمنك وسما لا يفارقك يريدون الأنف" ثم ذكر البيت وقال: "والنجر": داء يأخذ الإبل فتكوى على أنوفها. وذكر هناك بالنون والجيم كما أثبته وله وجه سيأتي إلا أني أخشى أن يكون الصواب هناك، كما هو هنا بالباء والحاء، وقوله: "بحمى الميسم". يقال: "حمى المسمار حميا وحموا": سخن في النار و"أحميت المسمار في النار إحماء". و"الميسم" المكواة التي يوسم بها الدواب. وأما "البحر" فقد فسره أبو جعفر ولكن الأزهري قال: "الداء الذي يصيب البعير فلا يروى من الماء هو النجر بالنون والجيم، والبجر بالباء والجيم وأما البحر: فهو داء يورث السل".
وهذا البيت في هجاء رجل وإيعاده بالشر شرا يبقى أثره.
وكان في المطبوعة: "لأعطنك" بالكاف في آخره والصواب من المخطوطة ومما سيأتي في المطبوعة من التفسير (٢٩: ١٩) ومن لسان العرب.]]
وبنحو الذي قلنا في معنى"البحيرة"، جاء الخبر عن رسول الله ﷺ.
١٢٨٢٥ - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن أبيه قال: دخلت على النبي ﷺ، فقال له النبي ﷺ: [[في المطبوعة، أسقط"له" وهي ثابته في المخطوطة: وهي صواب.]] أرأيت إبلك ألست تنتجها مسلَّمةً آذانُها، فتأخذ الموسى فتجْدَعها، تقول:"هذه بحيرة"، وتشق آذانها، تقولون:"هذه صَرْم"؟ قال: نعم! قال: فإن ساعدَ الله أشدّ، وموسَى الله أحدَ! كلّ مالك لك حلالٌ، لا يحرَّم عليك منه شيء. [[الأثر: ١٢٨٢٥- هذا الخبر رواه أبو جعفر بإسنادين هذا والذي يليه."عبد الحميد بن بيان القناد" شيخ أبي جعفر، مضى مرارا.
و"محمد بن يزيد الكلاعي" الواسطي وثقه أحمد وهو من شيوخه مضى برقم: ١١٤٠٨.
و"إسمعيل بن أبي خالد الأحمسي" ثقة مضى برقم: ٥٦٩٤، ٥٧٧٧.
و"أبو إسحق" هو السبيعي الإمام. مضى مرارا.
و"أبو الأحوص" هو: "عوف بن مالك بن نضلة الجشمي" تابعي ثقة، مضى برقم: ٦١٧٢.
وأبوه: "مالك بن نضلة بن خديج الجشمي" ويقال: "مالك بن عوف بن نضلة" وبهذا ترجمه ابن سعد في الطبقات ٦: ١٧. وأما في التاريخ الكبير للبخاري ٤/١/٣٠٣، فإني رأيت فيه: "مالك بن يقظة الخزاعي والد أبي الأحوص له صحبة". و"أبو الأحوص" المشهور هو"عوف بن مالك بن نضلة" فظني أن الذي في التاريخ خطأ فإني لم أجد هذا الاسم في الصحابة فيكون فيه خطأ في"يقظة" وهو"نضلة" وفي"الخزاعي" وهو: "الجشمي" والله أعلم.
وهذا الخبر جاء في المخطوطة كما أثبته وفي المطبوعة: "وتشق آذانها وتقول" بالإفراد فأثبت ما في المخطوطة.
وقوله: "مسلمة آذانها" أي: سليمة صحاحًا. وسأشرح ألفاظه في آخر الخبر الآتي وما كان من الخطأ في المطبوعة والمخطوطة في"صرم" بعد تخريجه هناك.]]
١٢٨٢٦- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال، سمعت أبا الأحوص، عن أبيه قال أتيتُ رسول الله ﷺ فقال: هل تُنتَجُ إبل قومك صحاحًا آذانُها، فتعمد إلى الموسَى فتقطع آذانها فتقول:"هذه بُحْرٌ"، وتشقها أو تشق جلودها فتقول:"هذه صُرُمٌ"، فتحرّمها عليك وعلى أهلك؟ قال: نعم! قال: فإن ما آتاك الله لك حِلّ، وساعد الله أشدّ، وموسى الله أحدّ = وربما قال: ساعدُ الله أشد من ساعدك، وموسى الله أحدّ من موساك. [[الأثر: ١٢٨٢٦- هذا الخبر، مكرر الذي قبله.
*رواه من طريق شعبة، عن أبي إسحق مطولا أبو داود الطيالسي في مسنده: ١٨٤ رقم: ١٣٠٣.
*ورواه أحمد في المسند عن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحق= ثم من طريق عفان عن شعبة في المسند ٣: ٤٧٣.
*ورواه البيهقي في السنن الكبرى ١٠: ١٠ من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحق.
*وخرجه ابن كثير في تفسيره من رواية ابن أبي حاتم ٣: ٢٥٦ مطولا ولم ينسبه إلى غيره.
*وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٣٣٧ مطولا جدًا ونسبه إلى أحمد، وعبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات. أما لفظه عند السيوطي فلا أدري لفظ من يكون، فإنه ليس لفظ من ذكرت آنفا تخريج الخبر من كتبهم.
*ثم رواه أحمد في المسند ٤: ١٣٦، ١٣٧ من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزعراء عمرو ابن عمرو عن عمه أبي الأحوص عن أبيه بلفظ آخر مختلف كل الاختلاف.
*وهذا شرح غريب هذين الخبرين."نتج الناقة ينتجها نتجا" (على وزن: ضرب) : إذا تولى نتاجها أي ولادها. وأما قوله في الخبر الثاني: "هل تنتج إبل قومك" فهو بالبناء للمجهول. يقال: "نتجت الناقة تنتج" (بالبناء للمجهول) : إذا ولدت.
*و"جدع الأنف والأذن والشفة": إذا قطع بعض ذلك. وأما قوله: "هذه صرم" فقد كتبت في المخطوطة والمطبوعة في الخبرين"حرم" بالحاء وكذلك وقع في تفسير ابن كثير، والصواب من المراجع التي ذكرتها ومن بيان كتب اللغة في تفسير هذا الخبر.
*وتقرأ"صرم" في الخبر الأول بفتح فسكون و"الصرم" القطع سماها المصرومة بالمصدر كما يدل على صواب ذلك من قراءته ما جاء في شرح اللفظ في لسان العرب مادة (صرب) . وأما في الخبر الثاني فإن قوله: "هذه بحر" (بضم الباء والحاء) جمع"بحيرة" وقوله: "هذه صرم" (بضم الصاد والراء) جمع"صريمة" وهي التي قطعت أذنها وصرمت. وهذا صريح ما قاله صاحب اللسان في مادتي"صرم" و"صرب" والزمخشري في الفائق"صرب" وروى أحمد في المسند ٤: ١٣٦، ١٣٧: "صرماء" ولم تشر إليها كتب اللغة. وأما الومخشري وصاحب اللسان فقد رويا: "وتقول: صربى" (على وزن سكرى) . وقال في تفسيرها: كانوا إذا جدعوا البحيرة أعفوها من الحلب إلا للضيف فيجتمع اللبن في ضرعها من قولهم: "صرب اللبن في الضرع": إذا حقنه لا يحلبه. ورويا أنه يقال إن الباء مبدلة من الميم كقولهم"ضربة لازم، ولازب"، وأنه أصح التفسيرين.]] وأما"السائبة": فإنها المسيَّبة المخلاة. وكانت الجاهلية يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه، فيحرِّم الانتفاع به على نفسه، كما كان بعض أهل الإسلام يعتق عبدَه سائبةً، فلا ينتفع به ولا بولائه. [[انظر تفسير"السائبة" فيما سلف ٣: ٣٨٦ تعليق: ١.]]
وأخرجت"المسيَّبة" بلفظ"السائبة"، كما قيل:"عيشة راضية"، بمعنى: مرضية.
* * *
وأما"الوصيلة"، فإن الأنثى من نَعَمهم في الجاهلية كانت إذا أتأمت بطنًا بذكر وأنثى، قيل:"قد وصلت الأنثى أخاها"، بدفعها عنه الذبح، فسمَّوها"وَصيلة".
* * *
وأما"الحامي"، فإنه الفحل من النعم يُحْمَى ظهره من الركوب والانتفاع، بسبب تتابُعِ أولادٍ تحدُث من فِحْلته.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في صفات المسميات بهذه الأسماء، وما السبب الذي من أجله كانت تفعل ذلك.
* ذكر الرواية بما قيل في ذلك:
١٢٨٢٧ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، [[في المطبوعة والمخطوطة: "عن أبي إسحق" وهو خطأ محض كما ترى في تخريجه.]] عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ: أن أبا صالح السمان حدّثه: أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول لأكثم بن الجون الخزاعيّ: يا أكثم، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجرّ قُصْبه في النار، فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به، ولا به منك! [[مضى في الأثر: ١٢٨٢٠، "فما رأيت رجلا" وهذه رواية أخرى.]] فقال أكثم: أيضرّني شبهه يا نبيّ الله؟ قال: لا إنك مؤمن وهو كافر، [[في المطبوعة: "لا لأنك مسلم" غيرها وهي في المخطوطة وابن هشام كما أثبتها.]] وإنه كان أوّل من غيَّر دين إسماعيل، ونصب الأوثان، وسيَّب السائبَ فيهم. [[في المطبوعة: "سيب السوائب فيهم" وأثبت ما في المخطوطة وإن كان الناسخ كتب"السائب فيهم" وصوابه من سيرة ابن هشام.
وهذا الشطر من الخبر هو حديث أبي هريرة وقد مضى آنفًا برقم: ١٢٨٢٠ ومضى تخريجه هناك. أما الشطر الثاني الذي وضعته في أول السطر فإنه من كلام ابن إسحق نفسه، كما سترى في التخريج.]] = وذلك أن الناقة إذا تابعت بين عشرإناث ليس فيها ذكر، [[في المطبوعة والمخطوطة: "إذاتابعت ثنتي عشرة إناثا ليس فيهما ذكر" إلا أن في المخطوطة: "ليس فيهم" وهما خطأ محض، وصواب هذه العبارة هو ما أثبته من سيرة ابن هشام وغيرها إلا أنني جعلت"فيهن" مكان"بينهن" في سيرة ابن هشام لما سيأتي بعد في الخبر"فيهن" مكان"بينهن" فيما يقابلها من سيرة ابن هشام.]] سُيِّبت فلم يركب ظهرها، ولم يجزَّ وبرها، ولم يشرَب لبنها إلا ضيف. فما نتجت بعد ذلك من أنثى شُقّ أذنها، ثم خلّى سبيلها مع أمها في الإبل، فلم يركب ظهرها، ولم يجزّ وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها، فهي"البحيرة" ابنة"السائبة".
و"الوصيلة"، أن الشاة إذا نَتَجت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر، جعلت"وصيلة"، قالوا:"وصلت"، فكان ما وَلدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم، [[الأثر: ١٢٨٢٧- صدر هذا الخبر إلى قوله: "سيب السائب فيهم" هو حديث أبي هريرة السالف رقم: ١٢٨٢٠، وهو في سيرة ابن هشام ١: ٧٨، ٧٩، وقد خرجته هناك.
وأما الشطر الثاني إلى آخر الخبر، فهو من كلام ابن إسحق وهو في سيرة ابن هشام ١: ٩١، ٩٢.]] إلا أن يموت منها شيء فيشتركون في أكله، ذكورُهم وإناثهم [[في المطبوعة: لذكورهم دون إناثهم، وفي المخطوطة: لذكورهم بينهم، غير منقوطة والصواب من سيرة ابن هشام.]] .
و"الحامي" أنّ الفحل إذا نُتِج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكرٌ، حمي ظهره ولم يركب، ولم يجزّ وبره، ويخلَّى في إبله يضرب فيها، لا ينتفع به بغير ذلك. يقول الله تعالى ذكره:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" إلى قوله:"ولا يهتدون".
١٢٨٢٨ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق في هذه الآية:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" = قال أبو جعفر: سقط عليّ فيما أظنّ كلام منه = قال: فأتيت علقمة فسألتُه، فقال: ما تريد إلى شيء كانت يَصنعه أهل الجاهلية. [[في المطبوعة: "كانت تصنعه" والصواب من المخطوطة.]]
١٢٨٢٩ - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن مسلم قال: أتيت علقمة، فسألته عن قول الله تعالى:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حامٍ"، فقال: وما تصنع بهذا؟ إنما هذا شيء من فعل الجاهلية! قال: فأتيت مسروقًا فسألته، فقال:"البحيرة"، كانت الناقة إذا ولدت بطنًا خمسًا أو سبعًا، شقوا أذنها، وقالوا:"هذه بحيرة" = قال:"ولا سائبة"، قال: كان الرجل يأخذ بعضَ ماله فيقول:"هذه سائبة" = قال:"ولا وصيلة"، قال: كانوا إذا ولدت الناقة الذكر أكله الذكور دون الإناث، وإذا ولدت ذكرًا وأنثى في بطن قالوا:"وصلت أخاها"، فلا يأكلونهما. قال: فإذا مات الذكر أكله الذكور دون الإناث = قال:"ولا حام"، قال: كان البعير إذا وَلد وولد ولده، قالوا:"قد قضى هذا الذي عليه"، فلم ينتفعوا بظهره. قالوا:"هذا حمًى". [[الأثر: ١٢٨٢٩-"يحيى بن إبراهيم المسعودي" شيخ الطبري هو: "يحيى ابن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى برقم: ٨٤، ٥٣٧٩، ٨٨١١، ٩٧٤٤.
وأبوه: "إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى برقم: ٨٤، ٥٣٧٩، ٨٨١١، ٩٧٤٤.
وأبوه"محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى في ذلك أيضا.
وجده"أبو عبيدة بن معن المسعودي" مضى أيضًا.
وكان في المطبوعة هنا: "هذا حام" وأثبت ما في المخطوطة.]]
١٢٨٣٠ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن عبيد، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح قال: سألت علقمة عن قوله:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة"، قال: ما تصنع بهذا؟ هذا شيء كان يفعله أهل الجاهلية.
١٢٨٣١ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، ويحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص:"ما جعل الله من بحيرة"، قال: البحيرة: التي قد ولت خمسة أبطن ثم تركت.
١٢٨٣٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، عن الشعبي:"ما جعل الله من بحيرة". قال: البحيرة، المخضرمة [["المخضرمة" من النوق والشاء المقطوعة نصف الأذن أو طرف الأذن أو المقطوعة إحدى الأذنين وهي سمة الجاهلية. وفي الحديث: "خطبنا رسول الله ﷺ يوم النحر على ناقة مخضرمة".]] "ولا سائبة"، والسائبة: ما سُيِّب للعِدَى [["العدي" (بكسر العين ودال مفتوحة) : الغرباء يعني الأضياف كما جاء في سائر الأخبار. هكذا هي في المخطوطة"العدي" أما المطبوعة ففيها: "للهدي" وهو تحريف وخطأ محض. ولو كان في كتابة الناسخ خطأ فأقرب ذلك أن تكون"للمعتري" يقال: "عراه يعروه واعتراه" إذا غشيه طالبا معروفه. ويقال: "فلان تعروه الأضياف وتعتريه" أي تغشاه وبذلك فسروا قول النابغة: أَتَيْتُكَ عَارِيًا خَلَقًا ثِيَابِيْ ... عَلَى خَوْفٍ تُظَنَّ بِيَ الظُّنُون
أي: ضيفًا طالبًا لرفدك.]] = و"الوصيلة"، إذا ولدت بعد أربعة أبطن = فيما يرى جرير = ثم ولدت الخامس ذكرًا وأنثى، وصلتْ أخاها = و"الحام"، الذي قد ضرب أولادُ أولاده في الإبل.
١٢٨٣٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، بنحوه = إلا أنه قال: و"الوصيلة" التي ولدت بعد أربعة أبطن ذكرًا وأنثى، قالوا:"وصلت أخاها"، وسائر الحديث مثل حديث ابن حميد.
١٢٨٣٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الأزرق، عن زكريا، عن الشعبي: أنه سئل عن"البحيرة"، فقال: هي التي تجدع آذانها. وسئل عن"السائبة"، فقال: كانوا يهدون لآلهتهم الإبل والغنم فيتركونها عند آلهتهم، فتذهب فتختلطُ بغنم الناس، [[في المطبوعة: " ... عند آلهتهم لتذبح فتخلط بغنم الناس" غير ما في المخطوطة فأفسد الكلام إفسادًا. وقوله: "فتذهب فتختلط" ذكرت في ٧: ٤٥٧ تعليق: ٦ أن العرب تجعل"ذهب" من ألفاظ الاستعانة التي تدخل على الكلام طلبا لتصوير حركة أو بيان فعل مثل قولهم: "قعد فلان لا يمر به أحد إلا سبه" لا يراد بهما معنى"الذهاب" و"القعود" ومثلهما كثير في كلامهم ثم انظر هذا ص: ٢٥٠ن ٢٥١، تعليق: ١.]] فلا يشرب ألبانها إلا الرجال، فإذا مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعًا.
١٢٨٣٥ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره:"ما جعل الله من بحيرة" وما معها:"البحيرة"، من الإبل يحرّم أهل الجاهلية وَبرها وظهرها ولحمها ولبنها إلا على الرجال، فما ولدت من ذكر وأنثى فهو على هيئتها، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها. فإذا ضَرَب الجمل من ولد البحيرة، [["ضرب" من"الضراب" (بكسر الضاد) وهو سفاد الجمل الناقة ونزوه عليها.]] فهو"الحامي". و"الحامي"، اسمٌ. [[في المطبوعة حذف قوله: "والحامي اسم" لظنه أنه زيادة لا معنى لها. ولكنه أراد أن"الحامي" اسم لهذا الجمل من ولد البحيرة، وليس باسم فاعل.]] و"السائبة" من الغنم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد، كان على هيئتها. فإذا ولدت في السابع ذكرًا أو أنثى أو ذكرين، ذبحوه، فأكله رجالهم دون نسائهم. وإن توأمت أنثى وذكرًا فهي"وصيلة"، [[قوله: "توأمت" هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة ولم أجدهم قالوا في ذلك المعنى إلا: "أتأمت المرأة وكل حامل": إذا ولدت اثنين في بطن واحد. فهذا حرف لا أدري ما أقول فيه إلا أنه هكذا جاء هنا.]] لترك ذبح الذكر بالأنثى. [[في المطبوعة والمخطوطة: "ترك" بغير لام، والذي أثبته أشبه عندي بالصواب.]] وإن كانتا أنثيين تركتا.
١٢٨٣٦ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة"، فالبحيرة، الناقة، كان الرجل إذا ولدت خمسة أبطن، فيعمد إلى الخامسة، ما لم تكن سَقْبًا، [[في المطبوعة والمخطوطة: "فما لم يكن سقبا" وصواب ذلك ما أثبت. و"السقب" الذكر من ولد الناقة. قال الأصمعي: إذا وضعت الناقة ولدها فولدها ساعة تضعه"سليل" قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى. فإذا علم فإن كان ذكرا فهو"سقب".]] فيبتك آذانها، ولا يجزّ لها وبرًا، ولا يذوق لها لبنًا، فتلك"البحيرة" ="ولا سائبة"، كان الرجل يسيِّب من ماله ما شاء ="ولا وصيلة"، فهي الشاة إذا ولدت سبعًا، عمد إلى السابع، فإن كان ذكرًا ذبح، وإن كانت أنثى تركت، وإن كان في بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما، قالوا:"وصلت أخاها"، فيتركان جميعًا لا يذبحان. فتلك"الوصيلة" = وقوله:"ولا حام"، كان الرجل يكون له الفحل، فإذا لقح عشرًا قيل:"حام، فاتركوه".
١٢٨٣٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة"، ليسيِّبوها لأصنامهم ="ولا وصيلة"، يقول: الشاة ="ولا حام" يقول: الفحلُ من الإبل.
١٢٨٣٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام"، تشديدٌ شدّده الشيطانُ على أهل الجاهلية في أموالهم، وتغليظ عليهم، فكانت"البحيرة" من الإبل، [[في المطبوعة والمخطوطة: "مثل الإبل" وهو خطأ لا شك فيه.]] إذا نتج الرجلُ خمسًا من إبله، نظر البطن الخامس، فإن كانت سقبًا ذبح فأكله الرجال دون النساء، وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرُهم وأنثاهم، وإن كانت حائلا = وهي الأنثى = تركت، فبتكت أذنها، فلم يجزّ لها وَبرٌ، ولم يشرب لها لبن، ولم يركب لها ظهرٌ، ولم يذكر لله عليها اسم.
وكانت"السائبة"، يسيبون ما بدا لهم من أموالهم، فلا تُمنع من حوض أن تشرع فيه، [[في المطبوعة والمخطوطة: "فلا تمتنع"، والصواب ما أثبت.]] ولا من حمًى أن ترتع فيه = وكانت"الوصيلة" من الشاء، من البطن السابع، إذا كان جديًا ذبح فأكله الرجال دون النساء. وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم. وإن جاءت بذكر وأنثى قيل:"وصلت أخاها فمنعته الذبح" = و"الحام"، كان الفحل إذا ركب من بني بنيه عشرة، أو ولد ولده، قيل:"حام حمى ظهره"، فلم يزَمَّ ولم يخطم ولم يركب.
١٢٨٣٩- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام"، فالبحيرة من الإبل، كانت الناقة إذا نتجت خمسة أبطن، إن كان الخامس سقبًا ذبحوه فأهدوه إلى آلهتهم، وكانت أمه من عُرْض الإبل. وإن كانت رُبَعة استحيوها، [["الربع" (بضم الراء وفتح الباء) : الفصيل الذي ينتح في الربيع، وهو أول النتاح، والأنثى"ربعة".]] وشقوا أذن أمِّها، وجزّوا وبرها، وخلوها في البطحاء، فلم تجُزْ لهم في دية، ولم يحلبوا لها لبنًا، ولم يجزّوا لها وبرًا، ولم يحملوا على ظهرها، وهي من الأنعام التي حرمت ظهورها = وأما"السائبة"، فهو الرجل يسيِّب من ماله ما شاء على وجه الشكر إن كثر ماله أو برأ من وَجع، أو ركب ناقة فأنجح، فإنه يسمي"السائبة" [[هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "يسمى السائبة"، وأرجح أن الصواب: "يسيب السائبة"،]] يرسلها فلا يعرض لها أحدٌ من العرب إلا أصابته عقوبة في الدنيا = وأما"الوصيلة"، فمن الغنم، هي الشاة إذا ولدت ثلاثة أبطن أو خمسة، فكان آخر ذلك جديًا، ذبحوه وأهدوه لبيت الآلهة، وإن كانت عناقًا استحيوها، [["العناق" (بفتح العين) : الأنثى من ولد المعز.]] وإن كانت جديًا وعناقًا استحيوا الجدي من أجل العَناق، فإنها وصيلة وصلت أخاها = وأما"الحام"، فالفحل يضرب في الإبل عشرَ سنين = ويقال: إذا ضرب ولد ولده = قيل:"قد حمى ظهره"، فيتركونه لا يمسُّ ولا ينحرُ أبدًا، ولا يمنع من كلأ يريده، وهو من الأنعام التي حُرِّمت ظهورها.
١٢٨٤٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب في قوله:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام"، قال:"البحيرة" من الإبل، التي يمنح درّها للطواغيت [[في المطبوعة والمخطوطة: "يمنع" بالعين، وصوابه بالحاء.]] = و"السائبة" من الإبل، كانوا يسيِّبونها لطواغيتهم = و"الوصيلة"، من الإبل، كانت الناقة تبتكر بأنثى، ثم تثنى بأنثى، [[في المطبوعة: "تبكر"، والصواب من المخطوطة. ويقال: "ابتكرت الحامل"، إذا ولدت بكرها، و"أثنت" في الثاني، و"ثلثت" في الثالث.]] فيسمونها"الوصيلة"، يقولون:"وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر"، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم = أو: يذبحونها، الشك من أبي جعفر= و"الحام"، الفحل من الإبل، كان يضربُ. الضرابَ المعدودة. [[في المطبوعة: "المعدود" بغير تاء في آخره، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب.]] فإذا بلغ ذلك قالوا:"هذا حام، قد حمى ظهره"، فترك، فسموه"الحام"= قال معمر قال قتادة، إذا ضرب عشرة.
١٢٨٤١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال:"البحيرة" من الإبل، كانت الناقة إذا نُتِجت خمسة أبطن، فإن كان الخامس ذكرًا، [[في المطبوعة: "فإن كان الخامس"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب.]] كان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى، بتكوا آذانها ثم أرسلوها، فلم ينحروا لها ولدًا، ولم يشربوا لها لبنًا، ولم يركبوا لها ظهرًا = وأما"السائبة"، فإنهم كانوا يسيِّبون بعض إبلهم، فلا تُمنع حوضًا أن تشرع فيه، ولا مرعًى أن ترتع فيه ="والوصيلة"، الشاة كانت إذا ولدت سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرًا، ذبح وأكله الرجال دون النساء، وإن كانت أنثى تركت.
١٢٨٤٢ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سلمان، عن الضحاك:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام"، أما"البحيرة" فكانت الناقة إذا نَتَجُوها خمسة أبطن نحروا الخامس إن كان سقبًا، وإن كان رُبَعة شقُّوا أُذنها واستحيوها، وهي"بحيرة"، وأما السَّقب فلا يأكل نساؤهم منه، وهو خالص لرجالهم، فإن ماتت الناقة أو نَتَجوها ميْتًا، فرجالهم ونساؤهم فيه سواءٌ، يأكلون منه = وأما"السائبة"، فكان يسيِّب الرجل من ماله من الأنعام، فيُهْمَل في الحمى، فلا ينتفع بظهره ولا بولده ولا بلبنه ولا بشعره ولا بصوفه = وأما"الوصيلة"، فكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن ذبحُوا السابع إذا كان جديًا، وإن كان عناقًا استحيوه، وإن كان جديًا وعناقًا استحيوهما كليهما، وقالوا:"إن الجدي وصلته أخته، فحرَّمته علينا" = وأما"الحامي"، فالفحل إذا ركبوا أولاد ولده قالوا:"قد حمى هذا ظهره، وأحرزه أولاد ولده"، [[في المطبوعة: "وأحرز أولاد ولده"، صوابه من المخطوطة."أحرزه": صانه وحفظه ووقاه.]] فلا يركبونه، ولا يمنعونه من حِمى شجر، ولا حوض مَا شرع فيه، وإن لم يكن الحوض لصاحبه. وكانت من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها في شيء من شأنهم: لا إن ركبوا، ولا إن حملوا، ولا إن حلبوا، ولا إن نتجوا، ولا إن باعوا. ففي ذلك أنزل الله تعالى ذكره:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة"، إلى قوله:"وأكثرهم لا يعقلون".
١٢٨٤٣ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله:"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام"، قال: هذا شيء كان يعمل به أهل الجاهلية، [[في المطبوعة: "كانت تعمل به"، وأثبت ما في المخطوطة.]] وقد ذهب. قال:"البحيرة"، كان الرجل يجدع أذني ناقته، ثم يعتقها كما يعتق جاريته وغلامه، لا تحلب ولا تركب = و"السائبة"، يسيبها بغير تجديع = و"الحام" إذا نتج له سبع إناث متواليات، قد حمي ظهره، ولا يركب، ولا يعمل عليه = و"الوصيلة"، من الغنم: إذا ولدت سبع إناث متواليات، حمت لحمها أن يؤكل.
١٢٨٤٤- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا عبد الله بن يوسف قال، حدثنا الليث بن سعد قال، حدثني ابن الهاد، عن ابن شهاب قال، قال سعيد بن المسيب:"السائبة" التي كانت تسيَّب فلا يحمل عليها شيء = و"البحيرة"، التي يمنح دَرُّها للطواغيت فلا يحلبها أحد [[في المطبوعة والمخطوطة: "يمنع درها"، والصواب ما أثبت.]] = و"الوصيلة"، الناقة البكر تبتكر أوّل نتاج الإبل بأنثى، [[في المطبوعة والمخطوطة هنا"تبكر"، وانظر ما سلف ص: ١٣١ تعليق٢.]] ثم تثني بعد بأنثى، وكانوا يسمُّونها للطواغيت، يدعونها"الوصيلة"، أنْ وصلت أخواتها إحداهما بالأخرى [[حذف في المطبوعة: "أخواتها"، ولا ضرورة لحذفها، فالكلام مستقيم.]] ="والحامي"، فحل الإبل، يضرب العَشْر من الإبل. فإذا نقضَ ضِرابه [[في المطبوعة والمخطوطة: "نقص ضرابه"، وهو لا معنى له، والصواب: "نفض" بالنون والفاء والضاد. يقال"نفضت الإبل وأنفضت": نتجت كلها. قال ذو الرمة: كِلاَ كَفْأَتَيهْا تُنْفِضَانِ، وَلَمْ يَجِدْ ... لَهَا ثِيلَ سَقْبٍ في النِّتَاجَيْنِ لاَ مِسُ
يعني: أن كل واحد من الكفأتين (يعني النتاجين) تلقى ما في بطنها من أجنتها، فتوجد إناثًا ليس فيها ذكر. وقوله: "نفض ضرابه"، لم تذكر كتب اللغة هذه العبارة، ولكن هذا هو تفسيرها: أن تلد النوق التي ضربها إناثًا متتابعات ليس بينهن ذكر، كما سلف في الآثار التي رواها أبو جعفر.]] يدعونه للطواغيت، وأعفوه من الحمل فلم يحملوا عليه شيئًا، وسموه"الحامي".
* * *
قال أبو جعفر: وهذه أمور كانت في الجاهلية فأبطلها الإسلام، فلا نعرف قومًا يعملون بها اليوم.
فإذا كان ذلك كذلك= وكانَ ما كانت الجاهلية تعمل به لا يوصل إلى علمه [[كان في المطبوعة: "لا توصل إلى عمله"، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة.]] = إذ لم يكن له في الإسلام اليوم أثر، ولا في الشرك، نعرفه = إلا بخبر، [[السياق: "لا يوصل إلى عمله. . . إلا بخبر".]] وكانت الأخبار عما كانوا يفعلون من ذلك مختلفة الاختلافَ الذي ذكرنا، فالصواب من القول في ذلك أن يقال: أما معاني هذه الأسماء، فما بيّنا في ابتداء القول في تأويل هذه الآية، وأما كيفية عمل القوم في ذلك، فما لا علم لنا به. وقد وردت الأخبار بوصف عملهم ذلك على ما قد حكينا، وغير ضائرٍ الجهلُ بذلك إذا كان المرادُ من علمه المحتاجُ إليه، موصلا إلى حقيقته، [[في المطبوعة: "موصلا إلى حقيقته"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب المعنى.]] وهو أن القوم كانوا يحرِّمون من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرمه الله، [[في المطبوعة: "كانوا محرمين من أنعامهم"، والجيد من المخطوطة.]]
اتباعًا منهم خطوات الشيطان، فوبَّخهم الله تعالى ذكره بذلك، وأخبرهم أن كل ذلك حلال. فالحرام من كل شيء عندنا ما حرَّم الله تعالى ذكره ورسوله ﷺ، بنصٍّ أو دليل، والحلال منه ما حلله الله ورسوله كذلك. [[في المطبوعة: "ما أحله الله"، وأثبت ما في المخطوطة.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيّ ب"الذين كفروا" في هذا الموضع، والمراد بقوله:"وأكثرهم لا يعقلون".
فقال بعضهم: المعنيّ ب"الذين كفروا" اليهود، وب"الذين لا يعقلون"، أهل الأوثان.
* ذكر من قال ذلك:
١٢٨٤٥ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن دواد بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى:"ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب"، قال: أهل الكتاب ="وأكثرهم لا يعقلون"، قال: أهل الأوثان. [[الأثر: ١٢٨٤٥ -"محمد بن أبي موسى"، مضى برقم: ١٠٥٥٦.]]
* * *
وقال آخرون: بل هم أهل ملّة واحدة، ولكن"المفترين"، المتبوعون و"الذين لا يعقلون"، الأتباع.
* ذكر من قال ذلك:
١٢٨٤٦ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا خارجة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله:"ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون"، هم الأتباع = وأما"الذين افتروا"، فعقلوا أنهم افتروا. [[في المطبوعة: "يعقلون أنهم افتروا"، وأثبت ما في المخطوطة.]]
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن المعنيين بقوله:"ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب"، الذين بحروا البحائر، وسيَّبوا السوائب، ووصلوا الوصائل، وحموا الحوامي، مثل عمرو بن لحي وأشكاله ممن سنّ لأهل الشرك السنن الرديئة، وغيَّر دين الله دين الحق، [[في المطبوعة: "ممن سنوا لأهل الشرك،. . . وغيروا" بالجمع، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض، لا يرده أنه قال بعده"وأضافوا" بالجمع.]] وأضافوا إلى الله تعالى ذكره: أنه هو الذي حرّم ما حرّموا، وأحلَّ ما أحلوا، افتراءً على الله الكذب وهم يعلمون، واختلاقًا عليه الإفك وهم يفهمون، [[في المطبوعة: "وهم يعمهون"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.]] فكذبهم الله تعالى ذكره في قيلهم ذلك، وإضافتهم إليه ما أضافوا من تحليل ما أحلوا وتحريم ما حرموا، فقال تعالى ذكره: ما جعلت من بحيرة ولا سائبة، ولكن الكفار هم الذين يفعلون ذلك، ويفترون على الله الكذب.
= [[قوله: "وأن يقال"، معطوف على قوله في أول الفقرة: "وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال. . .".]] وأن يقال، إن المعنيين بقوله:"وأكثرهم لا يعقلون"، هم أتباع من سنّ لهم هذه السنن من جهلة المشركين، فهم لا شك أنهم أكثر من الذين لهم سنوا ذلك لهم، فوصفهم الله تعالى بأنهم لا يعقلون، لأنهم لم يكونوا يعقلون أن الذين سنوا لهم تلك السنن وأخبروهم أنها من عند الله، كذبةٌ في إخبارهم، أفَكَةٌ، بل ظنوا أنهم فيما يقولون محقُّون، وفي إخبارهم صادقون. وإنما معنى الكلام: وأكثرهم لا يعقلون أن ذلك التحريم الذي حرَّمه هؤلاء المشركون وأضافوه إلى الله تعالى ذكره كذب وباطل. [[انظر تفسير"افترى" فيما سلف ٦: ٢٩٢/٨: ٤٥١.]] وهذا القول الذي قلنا في ذلك، نظير قول الشعبي الذي ذكرنا قبلُ. [[في المطبوعة، أسقط"قبل"، لسوء كتابتهافي المخطوطة.]] ولا معنى لقول من قال:"عني بالذي كفروا أهل الكتاب"، وذلك أن النكير في ابتداء الآية من الله تعالى ذكره على مشركي العرب، فالختم بهم أولى من غيرهم، إذ لم يكن عرض في الكلام ما يُصرف من أجله عنهم إلى غيرهم.
* * *
وبنحو ذلك كان يقول قتادة:
١٢٨٤٧ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وأكثرهم لا يعقلون"، يقول: تحريمُ الشيطان الذي حرّم عليهم، [[في المطبوعة: "يقول: لا يعقلون تحريم الشيطان الذي يحرم عليهم"، زاد وغير، فأفسد الجملة إفسادًا، وهو يظن أنه يصلحها.]] إنما كان من الشيطان، ولا يعقلون.
{"ayah":"مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِیرَةࣲ وَلَا سَاۤىِٕبَةࣲ وَلَا وَصِیلَةࣲ وَلَا حَامࣲ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق