الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ٤ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: إن الذين ينادونك يا محمد من وراء حجراتك، والحجرات: جمع حجرة، والثلاث: حُجَر، ثم تجمع الحجر فيقال: حجرات وحُجْرات، وقد تجمع بعض العرب الحجر: حَجرات بفتح الجيم، وكذلك كلّ جمع كان من ثلاثة إلى عشرة على فُعَلٍ يجمعونه على فعَلات بفتح ثانيه، والرفع أفصح وأجود؛ ومنه قول الشاعر:
أما كانَ عَبَّادٌ كَفِيئا لِدَارِم ... بَلى، وَلأبْياتٍ بِها الحُجُرَات [[في كتاب الكامل للمبرد (طبعة الحلبي ٨٥) : يقال: فلان كفاء فلان، وكفيء فلان، وكفء فلان؛ أي: عديله. ويروى أن الفرزدق بلغه أن رجلا من الحبطات بن عمرو بن تميم خطب امرأة من بني دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، فقال الفرزدق: بَنُو دَارِمٍ أكْفاؤُهُمْ آلُ مِسْمَعٍ ... وتنكح في أكفائها الحَبِطاتُ
(آل مسمع بيت بكر بن وائل في الإسلام، وهم من بني قيس بن ثعلبة بن عكابة) قال: فقال رجل من الحبطات: " أما كان عباد كفيئا ... " البيت. يعني بني هاشم (يريد أبيات بني هاشم) من قول الله عز وجل: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ". والشاهد في البيت قوله " الحجرات " بضم الحاء والجيم، وهي جمع حجرة، وتجمع الحجرة وما شابهها على حجرات بضمتين، وبضم ففتح، وبضم فسكون. ويرى المؤلف أن الجمع الأول أفصح وأجود. أهـ.]] يقول: بلى ولبني هاشم.
وذُكر أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في قوم من الأعراب جاءوا ينادون رسول الله ﷺ من وراء حجراته: يا محمد اخرج إلينا.
* ذكر الرواية بذلك:
⁕ حدثنا أبو عمار المروزي، والحسن بن الحارث، قالا ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن أبي إسحاق، عن البرّاء في قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: يا محمد إنّ حمدي زين، وإن ذمِّي شين، فقال: "ذَاكَ اللهُ تَباركَ وتَعَالى".
⁕ حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن أبي إسحاق، عن البراء بمثله، إلا أنه قال: ذاكم الله عزّ وجلّ.
⁕ حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا المعتمر بن سليمان التيمي، قال: سمعت داود الطُّفاوي يقول: سمعت أبا مسلم البجلي يحدث عن زيد بن أرقم، قال: جاء أناس من العرب إلى النبيّ ﷺ، فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به، وإن يكن ملِكا نعش في جناحه؛ قال: فأتيت النبيّ ﷺ، فأخبرته بذلك، قال: ثم جاءوا إلى حجر النبي ﷺ، فجعلوا ينادونه. يا محمد، فأنزل الله على نبيه ﷺ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ قال: فأخذ نبيّ الله بأذني فمدّها، فجعل يقول: " قَدْ صَدَّقَ اللهُ قَوْلَكَ يا زَيْدُ، قَدْ صَدَّقَ اللهُ قَوْلَكَ يا زَيْدُ".
⁕ حدثنا الحسن بن أبي يحيى المقدمي، قال: ثنا عفان، قال: ثنا وُهَيب، قال: ثنا موسى بن عقبة، عن أبي سَلَمة، قال: ثني الأقرع بن حابس التميميّ أنه أتى النبيّ ﷺ، فناداه، فقال: يا محمد إن مدحي زين، وإن شتمي شين؛ فخرج إليه النبي ﷺ فقال: وَيْلَكَ ذَلِكَ اللهُ، فأنزل الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ ... الآية.
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ : أعراب بني تميم.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة "أن رجلا جاء إلى النبيّ ﷺ، فناداه من وراء الحُجَر، فقال: يا محمد إنّ مدحي زين، وإنّ شتمي شَيْن؛ فخرج إليه النبيّ ﷺ، فقال: وَيْلَكَ ذلكَ اللهُ، فأنزل الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ .
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ ... الآية، ذُكر لنا أن رجلا جعل ينادي يا
نبيّ الله يا محمد، فخرج إليه النبيّ ﷺ، فقال: ما شأنُكَ؟ فقال: والله إنّ حمده لزين، وإنّ ذمَّه لَشَيْن، فقال نبيّ الله ﷺ: ذَاكُمُ اللهُ، فأدبر الرجل، وذُكر لنا أن الرجل كان شاعرا.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، قال: كان بشر بن غالب ولَبيد بن عُطارد، أو بشر بن عُطارد ولبيد بن غالب، وهما عند الحجاج جالسان، يقول بشر بن غالب للبيد بن عطارد نزلت في قومك بني تميم ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ فذكرت ذلك لسعيد بن جُبير، فقال: أما إنه لو علم بآخر الآية، أجابه ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ قالوا: أسلمنا، ولم يقاتلك بنو أسد.
⁕ حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: "أتى أعرابيّ إلى النبيّ ﷺ من وراء حجراته، فقال: يا محمد، يا محمد؛ فخرج إليه النبيّ ﷺ فقال: مالك؟ مالك؟، فقال: تعلم أنّ مدحي لزين، وأن ذمِّي لشين، فقال النبيّ ﷺ: ذَاكُمُ اللهُ، فنزلت ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ ".
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ﴿مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ فقرأته قرّاء الأمصار بضمّ الحاء والجيم من الحُجُرات، سوى أبي جعفر القارئ، فإنه قرأ بضم الحاء وفتح الجيم على ما وصفت من جمع الحُجرة حُجَر، ثم جمع الحُجْر: حُجُرات".
والصواب من القراءة عندنا الضم في الحرفين كليهما لما وصفت قبل.
* * *
وقوله ﴿أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾
يقول: أكثرهم جهال بدين الله، واللازم لهم من حقك وتعظيمك.
* * *
وقوله ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾
يقول تعالى ذكره: ولو أن هؤلاء الذين ينادونك يا محمد من وراء الحجرات صبروا فلم ينادوك حتى تخرج إليهم إذا خرجت، لكان خيرا لهم عند الله، لأن الله قد أمرهم بتوقيرك وتعظيمك، فهم بتركهم نداءك تاركون ما قد نهاهم الله عنه، (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقول تعالى ذكره: الله ذو عفو عمن ناداك من وراء الحجاب، إن هو تاب من معصية الله بندائك كذلك، وراجع أمر الله في ذلك، وفي غيره؛ رحيم به أن يعاقبه على ذنبه ذلك من بعد توبته منه.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ یُنَادُونَكَ مِن وَرَاۤءِ ٱلۡحُجُرَ ٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ","وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُوا۟ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَیۡهِمۡ لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُوا۟ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَیۡهِمۡ لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











