الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) ﴾
يقول تعالى ذكره: ووصينا ابن آدم بوالديه الحسن في صحبته إياهما أيام حياتهما، والبرّ بهما في حياتهما وبعد مماتهما.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ﴿حُسنا﴾ فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة "حُسنا" بضمّ الحاء على التأويل الذي وصف. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ﴿إحْسانا﴾ بالألف، بمعنى: ووصيناه بالإحسان إليهما، وبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب، لتقارب معاني ذلك، واستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في القرّاء.
* * *
وقوله ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾
يقول تعالى ذكره: ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا برّا بهما، لما كان منهما إليه حملا ووليدا وناشئا، ثم وصف جلّ ثناؤه ما لديه من نعمة أمه، وما لاقت منه في حال حمله ووضعه، ونبهه على الواجب لها عليه من البرّ، واستحقاقها عليه من الكرامة وجميل الصحبة، فقال: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ﴾ يعني في بطنها كرها، يعني مشقة، ﴿وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ يقول: وولدته كرها يعني مشقة.
كما:-
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ يقول: حملته مشقة، ووضعته مشقة.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والحسن، في قوله ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ قالا حملته في مشقة، ووضعته في مشقة.
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا﴾ قال: مشقة عليها.
اختلف القرّاء في قراءة قوله ﴿كُرْها﴾ فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة "كَرها" بفتح الكاف. وقرأته عامة قرّاء الكوفة ﴿كُرها﴾ بضمها، وقد بينت اختلاف المختلفين في ذلك قبل إذا فتح وإذا ضمّ في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
* * *
وقوله ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾
يقول تعالى ذكره: وحمل أمه إياه جنينا في بطنها، وفصالها إياه من الرضاع، وفطمها إياه، شرب اللبن ثلاثون شهرا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ﴿وَفِصَالُهُ﴾ ، فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار غير الحسن البصري: ﴿وحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ﴾ بمعنى: فاصلته أمه فصالا ومفاصلة. وذُكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: "وحَمْلُهُ وَفَصْلُهُ" بفتح الفاء بغير ألف، بمعنى: وفصل أمه إياه.
والصواب من القول في ذلك عندنا، ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجة من القراء عليه، وشذوذ ما خالف.
* * *
وقوله ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾
اختلف أهل التأويل في مبلغ حد ذلك من السنين، فقال بعضهم: هو ثلاث وثلاثون سنة.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: أشدّه: ثلاث وثلاثون سنة، واستواؤه أربعون سنة، والعذر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون.
⁕ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ قال: ثلاثا وثلاثين.
وقال آخرون: هو بلوغ الحلم.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبيّ، قال: الأشدّ: الحلم إذا كتبت له الحسنات، وكتبت عليه السيئات.
وقد بيَّنا فيما مضى الأشدّ جمع شدّ، وأنه تناهي قوّته واستوائه. وإذا كان ذلك كذلك، كان الثلاث والثلاثون به أشبه من الحلم، لأن المرء لا يبلغ في حال حُلمه كمال قواه، ونهاية شدّته، فإن العرب إذا ذكرت مثل هذا من الكلام، فعطفت ببعض على بعض جعلت كلا الوقتين قريبا أحدهما من صاحبه، كما قال جلّ ثناؤه: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ﴾ ولا تكاد تقول أنا أعلم أنك تقوم قريبا من ساعة من الليل وكله، ولا أخذت قليلا من مال أو كله، ولكن تقول: أخذت عامة مالي أو كله، فكذلك ذلك في قوله ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ لا شك أن نسق الأربعين على الثلاث والثلاثين أحسن وأشبه، إذ كان يراد بذلك تقريب أحدهما من الآخر من النسق على الخمس عشرة أو الثمان عشرة.
* * *
وقوله ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾
ذلك حين تكاملت حجة الله عليه، وسير عنه جهالة شبابه وعرف الواجب لله من الحق في بر والديه.
كما:-
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ وقد مضى من سيئ عمله.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ حتى بلغ ﴿مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ وقد مضى من سيئ عمله ما مضى.
* * *
وقوله ﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾
يقول تعالى ذكره: قال هذا الإنسان الذي هداه الله لرشده، وعرف حقّ الله عليه فيما ألزمه من برّ والديه ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ يقول: أغرني بشكر نعمتك التي أنعمت عليّ في تعريفك إياي توحيدك وهدايتك لي للإقرار بذلك، والعمل بطاعتك ﴿وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾ من قبلي، وغير ذلك من نعمتك علينا، وألهمني ذلك. وأصله من وزعت الرجل على كذا: إذا دفعته عليه.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:-
⁕ حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ قال: اجعلني أشكر نعمتك، وهذا الذي قاله ابن زيد في قوله ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ وإن كان يئول إليه معنى الكلمة، فليس بمعنى الإيزاع على الصحة.
* * *
وقوله ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾
يقول تعالى ذكره: أوزعني أن أعمل صالحا من الأعمال التي ترضاها، وذلك العمل بطاعته وطاعة رسوله ﷺ.
* * *
وقوله ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾
يقول: وأصلح لي أموري في ذرّيتي الذين وهبتهم، بأن تجعلهم هداة للإيمان بك، واتباع مرضاتك، والعمل بطاعتك، فوصفه [[لعله فوصاه.]] جل ثناؤه بالبرّ بالآباء والأمهات والبنين والبنات. وذُكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
* * *
وقوله ﴿إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا الإنسان. ﴿إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ يقول: تبت من ذنوبي التي سلفت مني في سالف أيامي إليك ﴿وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ يقول: وإني من الخاضعين لك بالطاعة، المستسلمين لأمرك ونهيك، المنقادين لحكمك.
{"ayah":"وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰلِدَیۡهِ إِحۡسَـٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهࣰا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهࣰاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَـٰلُهُۥ ثَلَـٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰۤ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِیۤ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَ ٰلِدَیَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَـٰلِحࣰا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِی فِی ذُرِّیَّتِیۤۖ إِنِّی تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَإِنِّی مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











