الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) ﴾
يقول تعالى ذكره: ومن يعرض عن ذكر الله فلم يخف سطوته، ولم يخش عقابه ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ يقول: نجعل له شيطانا يغويه فهو له قرين: يقول: فهو للشيطان قرين، أي يصير كذلك، وأصل العشو: النظر بغير ثبت لعلة في العين، يقال منه: عشا فلان يعشو عشوا وعشوّا: إذا ضعف بصره، وأظلمت عينه، كأن عليه غشاوة، كما قال الشاعر؟
مَتى تَأتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِ ... تَجِدْ حَطَبا جَزْلا وَنارًا تَأَجَّجا [[هذا بيت مركب من شطرين من بيتين مختلفين؛ فصدره للحطيئة من قصدية مدح بها بغيض بن عامر بن شماس بن لأي بن أنف الناقة التميمي. وعجزه من بيت لعبد بن الحر من قصيدة قالها وهو في حبس مصعب بن الزبير في الكوفة وبيت الحطيئة بتمامه كما في (خزانة الأدب الكبير للبغدادي ٣: ٦٦٢) : مَتى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نَارِهِ ... تجِدْ خَيرَ نارٍ عِنْدَها خَيرُ مُوقِدِ
وبيت عبد الله بن الحر بتمامه هو، كما في (الخزانة ٣: ٦٦٣) : َتى تَأْتِنا تُلْمِمْ بِنا فِي دِيارِنا ... تَجِدْ حَطَبا جَزْلا وناراً تَأجَّجا
واستشهد المؤلف بالبيت عند قوله تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن) . قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة ٢٢٠) : أي تظلم عينه عنه، كأن عليها غشاوة. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة ٢٩٥) : يريد: ومن يعرض عنه. ومن قرأها (ومن يعش) فتح الشين، فمعناه: من يعم عنه. وقال القتيبي (اللسان: عشي) معنى قوله (ومن يعش عن ذكر الرحمن) أي يظلم بصره. قال: وهذا قول أبي عبيدة. ثم ذهب يرد قول الفراء ويقول: لم أر أحداً يجيزه: عشوت عن الشيء: أعرضت عنه. إنما يقال: تعايشت عن الشيء: أي تغافلت عنه، كأني لم أره. وكذلك تعاميت. قال: وعشوت إلى النار: أي استدللت عليها ببصر ضعيف. وقال الأزهري يرد كلام ابن قتيبة: أغفل القتيبي موضع الصواب، واعترض مع غفلته على الفراء. والعرب تقول: عشوت إلى النار أعشو عشوا، أي قصدتها مهتديا. وعشوت عنها: أي أعرضت عنها. فيفرقون بين إلى وعن موصولين بالفعل. اهـ.]] يعني: متى تفتقر فتأته يعنك. وأما إذا ذهب البصر ولم يبصر، فإنه يقال فيه: عَشِيَ فلان يَعْشَى عَشًى منقوص، ومنه قول الأعشى؟
رأتْ رَجُلا غَائِبَ الوَافِدَيْنِ ... مُخْتَلِفَ الخَلْقِ أعْشَى ضَرِيرا [[البيت لأعشى بن قيس بن ثعلبة، ميمون بن قيس (ديوانه طبع القاهرة ٩٥) الضمير في رأت يعود على امرأة ذكرها من أول القصيدة، وسماها ليلى. والوافدان: العينان. ومختلف الخلق: غيرته السن والأحداث عما عهدته عليه من النضرة والقوة. والأعشى الذي به سوء في عينيه، أو هو الذي لا يبصر ليلاً، أو هو الأعمى. وهو الأقرب لقوله بعده" ضريرا". وفعله عشي يعشى عشى، مثل عمي يعمى. وهو غير عشا إلى الشيء يعشو إذا نظر إليه وأقبل عليه؛ أو عشا عنه يعشو عشا: إذا أعرض عنه؛ كما بيناه في الشاهد الذي قبله. اهـ.]]
يقال منه: رجل أعشى وامرأة عشواء. وإنما معنى الكلام: ومن لا ينظر في حجج الله بالإعراض منه عنه إلا نظرًا ضعيفًا، كنظر من قد عَشِيَ بصره ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾ يقول: إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطانا ﴿فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ .
⁕ حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ قال: يعرض.
وقد تأوّله بعضهم بمعنى. ومن يعمَ، ومن تأوّل ذلك كذلك، فيحب أن تكون قراءته ﴿وَمَنْ يَعْشُ﴾ بفتح الشين على ما بيَّنت قيل.
* ذكر من تأوّله كذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ قال: من يعمَ عن ذكر الرحمن.
* * *
وقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾
يقول تعالى ذكره: وإن الشياطين ليصدّون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله، عن سبيل الحقّ، فيزينون لهم الضلالة، ويكرهون إليهم الإيمان بالله، والعمل بطاعته ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ يقول: ويظن المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة، أنهم على الحق والصواب، يخبر تعالى ذكره عنهم أنهم من الذي هم عليه من الشرك على شكّ وعلى غير بصيرة. وقال جلّ ثناؤه: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ فأخرج ذكرهم مخرج ذكر الجميع، وإنما ذُكر قبل واحدا، فقال: ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾ لأن الشيطان وإن كان لفظه واحدا، ففي معنى جمع.
{"ayahs_start":36,"ayahs":["وَمَن یَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ نُقَیِّضۡ لَهُۥ شَیۡطَـٰنࣰا فَهُوَ لَهُۥ قَرِینࣱ","وَإِنَّهُمۡ لَیَصُدُّونَهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِیلِ وَیَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ"],"ayah":"وَمَن یَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ نُقَیِّضۡ لَهُۥ شَیۡطَـٰنࣰا فَهُوَ لَهُۥ قَرِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











