الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) ﴾
يقول تعالى ذكره: أو يوبق هذه الجواري في البحر بما كسبت ركبانها من الذنوب، واجترموا من الآثام، وجزم يوبقهنّ، عطفا على ﴿يُسْكِنِ الرِّيحَ﴾ ومعنى الكلام إن يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره، ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ ويعني بقوله: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ أو يهلكهنّ بالغرق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ يقول: يهلكهنّ.
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ : أو يهلكهنّ.
⁕ حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ قال: يغرقهن بما كسبوا.
وبنحو الذي قلنا في قوله: ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ : أي بذنوب أهلها.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ قال: بذنوب أهلها.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ قال: يوبقهنّ بما كسبت أصحابهنّ.
* * *
وقوله: ﴿وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾
يقول: ويصفح تعالى ذكره عن كثير من ذنوبكم فلا يعاقب عليها.
* * *
وقوله: ﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا﴾
يقول جلّ ثناؤه: ويعلم الذين يخاصمون رسوله محمدا ﷺ من المشركين في آياته وعبره وأدلته على توحيده.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة"وَيَعْلَمُ الَّذِينَ"رفعا على الاستئناف، كما قال في سورة براءة: ﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ وقرأته قرّاء الكوفة والبصرة ﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ﴾ نصبا كما قال في سورة آل عمران ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ على الصرف؛ وكما قال النابغة:
فإنْ يَهْلِكْ أبو قابُوسَ يَهْلِكْ ... رَبِيعُ النَّاسِ والشَّهْرُ الحَرَامُ وَنُمْسِكَ بَعْدَهُ بذنَاب عَيْشٍ ... أجَبِّ الظَّهْرِ لَهُ سَنامُ [[البيتان للنابغة الذبياني من مقطوعة يخاطب بها عصام بن شهبرة الجرمي حاجب النعمان، ويسأله عما بلغه من مرضه (مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا ص ١٩١) وقوله:" ربيع الناس" جعل النعمان بمنزلة الربيع في الحصب، لكثرة عطائه، وهو موضع الأمن من كل مخافة لمستجير وغيره، مثل الشهر الحرام. و" أجب الظهر": لا سنام له. ويجوز في الظهر: الرفع والنصب والجر يقول: نبقى بعده في شدة من العيش وسوء حال. وذناب الشيء: ذنبه. والشاهد في البيتين في قوله" ونأخذ" فإنه يجوز فيه الرفع على الاستئناف، والنصب بتقدير" أن"، والجزم بالعطف على يهلك (فرائد القلائد للعيني) . وقال الفراء في معاني القرآن (الروقة ٢٩٢) وقوله" ويعف عن كثير ويعلم الذين": مردودة على الجزم إلا أنه صرف (النصف على الصرف مذهب للفراء في العطف على المجزوم كما في الآية، وفي المفعول معه، وفي خبر المبتدأ إذا كان ظرفا) قال: والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب، كقول الشاعر:" فإن يهلك ... " البيتين. والرفع جائز في المنصوب على الصرف. وقد قرأ بذلك قوم، فرفعوا ويعلم الذين يجادلون. ومثله مما استؤنف فرفع:" ويتوب الله من بعد ذلك على من يشاء" في براءة. ولو جزم" ويعلم" جازم كان مصيبا. اهـ.]]
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
* * *
وقوله: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ﴾
يقول تعالى ذكره: ما لهم من محيص من عقاب الله إذا عاقبهم على ذنوبهم، وكفرهم به، ولا لهم منه ملجأ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط عن السديّ، قوله: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ﴾ : ما لهم من ملجأ.
* * *
وقوله: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
يقول تعالى ذكره: فما أعطيتم أيها الناس من شيء من رياش الدنيا من المال والبنين، فمتاع الحياة الدنيا، يقول تعالى ذكره: فهو متاع لكم تتمتعون به في الحياة الدنيا، وليس من دار الآخرة، ولا مما ينفعكم في معادكم. ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ يقول تعالى ذكره: والذي عند الله لأهل طاعته والإيمان به في الآخرة، خير مما أوتيتموه في الدنيا من متاعها وأبقى، لأن ما أوتيتم في الدنيا فإنه نافد، وما عند الله من النعيم في جنانه لأهل طاعته باق غير نافذ.
﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ يقول: وما عند الله للذين آمنوا به، وعليه يتوكلون في أمورهم، وإليه يقومون في أسبابهم، وبه يثقون، خير وأبقى مما أوتيتموه من متاع الحياة الدنيا.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["أَوۡ یُوبِقۡهُنَّ بِمَا كَسَبُوا۟ وَیَعۡفُ عَن كَثِیرࣲ","وَیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ یُجَـٰدِلُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِیصࣲ","فَمَاۤ أُوتِیتُم مِّن شَیۡءࣲ فَمَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ"],"ayah":"أَوۡ یُوبِقۡهُنَّ بِمَا كَسَبُوا۟ وَیَعۡفُ عَن كَثِیرࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











