الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) ﴾ يقول تعالى ذكره: الذي فعل هذه الأفعال، وأنعم عليكم هذه النعم أيها الناس، الله مالككم ومصلح أموركم، وهو خالقكم وخالق كلّ شيء ﴿لا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ يقول: لا معبود تصلح له العبادة غيره، ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ يقول: فأي وجه تأخذون، وإلى أين تذهبون عنه، فتعبدون سواه؟. * * * وقوله: ﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ يقول: كذهابكم عنه أيها القوم، وانصرافكم عن الحقّ إلى الباطل، والرشد إلى الضلال، ذهب عنه الذين كانوا من قبلكم من الأمم بآيات الله، يعني: بحجج الله وأدلته يكذّبون فلا يؤمنون؛ يقول: فسلكتم أنتم معشر قريش مسلكهم، وركبتم محجتهم في الضلال. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٥) ﴾ يقول تعالى ذكره: ﴿اللهُ﴾ الذي له الألوهة خالصة أيها الناس (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ) التي أنتم على ظهرها سكان ﴿قَرَارًا﴾ تستقرون عليها، وتسكنون فوقها، ﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ : بناها فرفعها فوقكم بغير عمد ترونها لمصالحكم، وقوام دنياكم إلى بلوغ آجالكم ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ يقول: وخلقكم فأحسن خلقكم ﴿وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ يقول: ورزقكم من حلال الرزق، ولذيذات المطاعم والمشارب. * * * وقوله: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ يقول تعالى ذكره: فالذي فعل هذه الأفعال، وأنعم عليكم أيها الناس هذه النعم، هو الله الذي لا تنبغي الألوهة إلا له، وربكم الذي لا تصلح الربوبية لغيره، لا الذي لا ينفع ولا يضر، ولا يخلق ولا يرزق ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ يقول: فتبارك الله مالك جميع الخلق جنهم وإنسهم، وسائر أجناس الخلق غيرهم ﴿هُوَ الْحَيُّ﴾ يقول: هو الحي الذي لا يموت، الدائم الحياة، وكل شيء سواه فمنقطع الحياة غير دائمها ﴿لا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ يقول: لا معبود بحق تجوز عبادته، وتصلح الألوهة له إلا الله الذي هذه الصفات صفاته، فادعوه أيها الناس مخلصين له الدين، مخلصين له الطاعة، مفردين له الألوهة، لا تشركوا في عبادته شيئا سواه، من وثن وصنم، ولا تجعلوا له ندا ولا عدلا ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يقول: الشعر لله الذي هو مالك جميع أجناس الخلق، من ملك وجن وإنس وغيرهم، لا للآلهة والأوثان التي لا تملك شيئا، ولا تقدر على ضرّ ولا نفع، بل هو مملوك، إن ناله نائل بسوء لم يقدر له عن نفسه دفعًا. وكان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال: لا إله إلا الله، أن يتبع ذلك: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ تأولا منهم هذه الآية، بأنها أمر من الله بقيل ذلك. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني محمد بن عليّ بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي، قال: أخبرنا الحسين بن واقد، قال: ثنا الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: من قال لا إله إلا الله، فليقل على إثرها: الحمد لله ربّ العالمين، فذلك قوله: ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ . ⁕ حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري [[كذا في التقريب والتهذيب. وفي الخلاصة: عبد الحميد بن بيان اليشكري، أبو الحسن العطار الواسطي توفى سنة ٢٤٤ هـ.]] قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير، قال:"إذا قال أحدكم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فليقل: الحمد لله ربّ العالمين، ثم قال: ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ . ⁕ حدثني محمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن جبير أنه كان يستحب إذا قال: لا إله إلا الله، يتبعها الحمد لله، ثم قرأ هذه الآية: ﴿هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ . ⁕ حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن سعيد بن جبير، قال: إذا قال أحدكم لا إله إلا الله وحده، فليقل بأثرها: الحمد لله رب العالمين، ثم قرا ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب