الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ألم تر بقلبك، يا محمد، إلى الذين أُعطوا حظًّا من كتاب الله فعلموه ="يؤمنون بالجبت والطاغوت"، يعني: يصدِّقون بالجبت والطاغوت، ويكفرون بالله، وهم يعلمون أن الإيمان بهما كفر، والتصديقَ بهما شرك.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في معنى"الجبت" و"الطاغوت".
فقال بعضهم: هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله.
* ذكر من قال ذلك:
٩٧٦٤ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، أخبرني أيوب، عن عكرمة أنه قال:"الجبت" و"الطاغوت"، صنمان.
* * *
وقال آخرون:"الجبت" الأصنام، و"الطاغوت" تراجمة الأصنام. [[يعني بقوله: "تراجمة الأصنام"، الكهان، تنطق على ألسنة الأصنام، كأنها تقول للناس بلسانهم، ما قالته تلك بألسنتها.]]
* ذكر من قال ذلك:
٩٧٦٥ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت"،"الجبت" الأصنام، و"الطاغوت"، الذين يكونون بين أيدي الأصنام يعبّرون عنها الكذبَ ليضلوا الناس.
* * *
وزعم رجال أنّ"الجبت"، الكاهن، و"الطاغوت"، رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف، وكان سيِّد اليهود.
* * *
وقال آخرون:"الجبت"، السحر، و"الطاغوت"، الشيطان.
* ذكر من قال ذلك:
٩٧٦٦ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن حسان بن فائد قال: قال عمر رحمه الله:"الجبت" السحر، و"الطاغوت" الشيطان. [[الأثر: ٩٧٦٦ -"حسان بن فائد العبسي"، مضى برقم: ٥٨٣٤، وكان في المطبوعة في هذا الأثر والذي يليه: "حسان بن قائد العنسي". ومضى هذا الإسناد برقم: ٥٨٣٥.]]
٩٧٦٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن حسان بن فائد العبسي، عن عمر مثله. [[الأثر: ٩٧٦٧ - مضى برقم: ٥٨٣٤.]]
٩٧٦٨ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك، عمن حدثه، عن مجاهد قال:"الجبت" السحر، و"الطاغوت" الشيطان.
٩٧٦٩ - حدثني يعقوب قال، أخبرنا هشيم قال، أخبرنا زكريا، عن الشعبي قال:"الجبت"، السحر، و"الطاغوت"، الشيطان.
٩٧٧٠ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"يؤمنون بالجبت والطاغوت"، قال:"الجبت" السحر، و"الطاغوت"، الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه، وهو صاحب أمرهم.
٩٧٧١ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد قال:"الجبت" السحر، و"الطاغوت"، الشيطان والكاهن.
* * *
وقال آخرون:"الجبت"، الساحر، و"الطاغوت"، الشيطان.
* ذكر من قال ذلك:
٩٧٧٢ - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان أبي يقول:"الجبت"، الساحر، و"الطاغوت"، الشيطان.
* * *
وقال آخرون:"الجبت"، الساحر، و"الطاغوت"، الكاهن.
* ذكر من قال ذلك:
٩٧٧٣ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية:"الجبت والطاغوت"، قال:"الجبت" الساحر، بلسان الحبشة، و"الطاغوت" الكاهن.
٩٧٧٤ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن رفيع قال:"الجبت"، الساحر، و"الطاغوت"، الكاهن.
٩٧٧٥ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثني عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن أبي العالية أنه قال:"الطاغوت" الساحر، و"الجبت" الكاهن.
٩٧٧٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن داود، عن أبي العالية، في قوله:"الجبت والطاغوت"، قال: أحدهما السحر، والآخر الشيطان.
* * *
وقال آخرون:"الجبت" الشيطان، و"الطاغوت" الكاهن.
* ذكر من قال ذلك:
٩٧٧٧ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"يؤمنون بالجبت والطاغوت"، كنا نحدَّث أن الجبت شيطان، والطاغوت الكاهن.
٩٧٧٨ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة مثله.
٩٧٧٩ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال:"الجبت" الشيطان، و"الطاغوت" الكاهن.
* * *
وقال آخرون:"الجبت" الكاهن، و"الطاغوت" الساحر. [[في المطبوعة والمخطوطة: "والطاغوت الشيطان"، وصواب السياق ما أثبت.]]
* ذكر من قال ذلك:
٩٧٨٠ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن سعيد بن جبير قال:"الجبت" الكاهن، و"الطاغوت" الساحر.
٩٧٨١ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال، حدثنا عوف، عن محمد قال في الجبت والطاغوت، قال:"الجبت" الكاهن، والآخر الساحر.
* * *
وقال آخرون:"الجبت" حيي بن أخطب، و"الطاغوت"، كعب بن الأشرف.
* ذكر من قال ذلك:
٩٧٨٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله:"يؤمنون بالجبت والطاغوت"،"الطاغوت": كعب بن الأشرف، و"الجبت": حيي بن أخطب.
٩٧٨٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قال:"الجبت": حيي بن أخطب، و"الطاغوت": كعب بن الأشرف.
٩٧٨٤ - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"الجبت والطاغوت"، قال:"الجبت": حيي بن أخطب، و"الطاغوت": كعب بن الأشرف.
* * *
وقال آخرون:"الجبت" كعب بن الأشرف، و"الطاغوت" الشيطان.
* ذكر من قال ذلك:
٩٧٨٥ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد قال:"الجبت": كعب بن الأشرف، و"الطاغوت": الشيطان، كان في صورة إنسان.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل:"يؤمنون بالجبت والطاغوت"، أن يقال: يصدِّقون بمعبودَين من دون الله، يعبدونهما من دون الله، ويتخذونهما إلهين.
وذلك أن"الجبت" و"الطاغوت": اسمان لكل معظَّم بعبادةٍ من دون الله، أو طاعة، أو خضوع له، كائنًا ما كان ذلك المعظَّم، من حجر أو إنسان أو شيطان. وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها، كانت معظمة بالعبادة من دون الله = فقد كانت جُبوتًا وطواغيت. وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولا منهما ما قالا في أهل الشرك بالله. وكذلك حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، لأنهما كانا مطاعين في أهل ملّتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله، فكانا جبتين وطاغوتين.
* * *
وقد بينت الأصل الذي منه قيل للطاغوت:"طاغوت"، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. [[انظر ما سلف ٥: ٤١٩، وسائر الآثار في"الطاغوت" من رقم: ٥٨٣٤ - ٥٨٤٥.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا (٥١) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ويقولون للذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله محمد ﷺ =:"هؤلاء"، يعني بذلك: هؤلاء الذين وصفهم الله بالكفر ="أهدى"، يعني: أقوم وأعدل ="من الذين آمنوا"، يعني: من الذين صدَّقوا الله ورسوله وأقرُّوا بما جاءهم به نبيهم محمد ﷺ ="سبيلا"، يعني: طريقًا.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما ذلك مَثَلٌ. ومعنى الكلام: أن الله وصف الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب من اليهود = بتعظيمهم غير الله بالعبادة والإذعان له بالطاعة = في الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما، بأنهم قالوا: [[في المخطوطة والمطبوعة: "وأنهم قالوا" بالواو، والواو متصلة بالألف في المخطوطة، والصواب ما أثبته، وقوله: "بأنهم" متعلق بقوله: "إن الله وصف ... ".]] إن أهل الكفر بالله أولى بالحق من أهل الإيمان به، وأن دين أهل التكذيب لله ولرسوله، أعدل وأصوبُ من دين أهل التصديق لله ولرسوله. وذكر أن ذلك من صفة كعب بن الأشرف، وأنه قائل ذلك.
ذكر الآثار الواردة بما قلنا:
٩٧٨٦ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة، قالت له قريش: أنت حَبْر أهل المدينة وسيدهم؟ [[في المطبوعة: "خير أهل المدينة"، وفي المخطوطة"حبر"، وإن كانت غير منقوطة في كثير من المواضع. ووقع في لسان العرب مادة (صنبر) : "خير" وفي مادة (بتر) : "حبر"، فأثبتها ورجحتها، لأنهم إنما سألوه عن شأن الدين، والحبر: العالم من أهل الكتاب، فهو المسئول عن مثل ما سألوه عنه من أمر خير الدينين.]] قال: نعم. قالوا: ألا ترى إلى هذا الصُّنبور المنبتر من قومه، [["الصنبور": سفعات تنبت في جذع النخلة، غير مستأرضة في الأرض. ثم قالوا للرجل الفرد الضعيف الذليل الذي لا أهل له ولا عقب ولا ناصر"صنبور". فأراد هؤلاء الكفار من قريش أن محمدًا ﷺ، بأبي هو وأمي، صنبور نبت في جذع نخلة، فإذا قلع انقطع: فكذلك هو إذا مات، فلا عقب له. وكذبوا، ونصر الله رسوله وقطع دابر الكافرين.
و"المنبتر" و"الأبتر": المنقطع الذي لا عقب له.]] يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج وأهل السِّدانة وأهل السِّقاية؟ قال: أنتم خير منه. قال: فأنزلت: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾ [سورة الكوثر: ٣] ، وأنزلت:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت" إلى قوله:"فلن تجد له نصيرًا".
٩٧٨٧ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة في هذه الآية:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب" ثم ذكر نحوه.
٩٧٨٨ - وحدثني إسحاق بن شاهين قال، أخبرنا خالد الواسطي، عن داود، عن عكرمة قال: قدم كعب بن الأشرف مكة، فقال له المشركون: احكم بيننا، وبين هذا الصنبور الأبتر، فأنت سيدنا وسيد قومك! فقال كعب: أنتم والله خيرٌ منه! فأنزل الله تبارك وتعالى:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب"، إلى آخر الآية. [[الأثر: ٩٧٨٨ -"إسحاق بن شاهين الواسطي"، مضى برقم: ٨٢١١، ولم نجد له ترجمة. و "خالد الواسطي"، هو: خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الواسطي" مضى برقم: ٧٢١١.]]
٩٧٨٩ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، أخبرنا أيوب، عن عكرمة: أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش، فاستجاشهم على النبي ﷺ، [["استجاش القوم": طلب منهم أن يجيشوا جيشًا.]] وأمرهم أن يغزوه، وقال: إنا معكم نقاتله. فقالوا: إنكم أهل كتاب، وهو صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكرًا منكم! فإن أردت أن نخرج معك، فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما. ففعل. ثم قالوا: نحن أهدى أم محمد؟ فنحن ننحر الكوماء، [["الكوماء": هي الناقة المشرقة السنام العاليته، وهذه خير النوق وأسمنها وأعزها عليهم، والجمع"كوم".]] ونسقي اللبن على الماء، ونصل الرحم، ونقري الضيف، ونطوف بهذا البيت، ومحمد قطع رحمه، وخرج من بلده؟ قال: بل أنتم خير وأهدى! فنزلت فيه:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا".
٩٧٩٠ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: قال: لما كان من أمر رسول الله ﷺ واليهود من بني النضير ما كان، [[في المطبوعة: "واليهود بني النضير"، وأثبت ما في المخطوطة.]] حين أتاهم يستعينهم في دية العامريَّين، فهمّوا به وبأصحابه، [[ذلك في سنة أربع من الهجرة، فأرادوا أن يغدروا برسول الله ﷺ وتمالأوا على أن يلقوا عليه حجرًا من فوق جدار البيت الذي كان رسول الله جالسًا إلى جنبه، فأطلعه الله على ذلك من أمرهم، فقام وخرج راجعًا إلى المدينة، ثم أمر بالتهيؤ لحرب بني النضير، فحاصرهم، وأجلاهم، وفيهم نزلت"سورة الحشر" بأسرها. انظر سيرة ابن هشام ٣: ١٩٩ - ٢١٣.]] فأطلع الله رسوله على ما هموا به من ذلك. ورجع رسول الله ﷺ إلى المدينة، فهرب كعب بن الأشرف حتى أتى مكة، فعاهدهم على محمد، فقال له أبو سفيان: يا أبا سعد، إنكم قوم تقرؤون الكتابَ وتعلمون، ونحن قوم لا نعلم! فأخبرنا، ديننا خير أم دين محمد؟ قال كعب: اعرضوا عليّ دينكم. فقال أبو سفيان: نحن قوم ننحر الكوماء، ونسقي الحجيج الماء، ونقري الضيف، ونعمر بيت ربنا، ونعبد آلهتنا التي كان يعبد آباؤنا، ومحمد يأمرنا أن نترك هذا ونتبعه! قال: دينكم خير من دين محمد، فاثبتوا عليه، ألا ترون أنّ محمدًا يزعم أنه بُعِث بالتواضع، وهو ينكح من النساء ما شاء! وما نعلم مُلْكًا أعظم من ملك النساء!! [[لم تزل هذه مقالة كل طاعن على رسول الله من المستشرقين وأذنابهم في كل أرض، والكفر كله ملة واحدة، والذي يلقى على ألسنتهم، هو الذي ألقى على لسان هذا اليهودي الفاجر، عدو الله وعدو رسوله.]] فذلك حين يقول:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا".
٩٧٩١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: نزلت في كعب بن الأشرف وكفار قريش، قال: كفار قريش أهدى من محمد! "عليه السلام" = قال ابن جريج: قدم كعب بن الأشرف، فجاءته قريش فسألته عن محمد، فصغَّر أمره ويسَّره، وأخبرهم أنه ضالٌّ. قال: ثم قالوا له: ننشدك الله، نحن أهدى أم هو؟ فإنك قد علمت أنا ننحر الكُوم، ونسقي الحجيج، ونعمر البيت، ونطعم ما هبَّت الريح؟ [[قوله: "نطعم ما هبت الريح"، يراد به معنى الدوام. ولو أرادوا به زمن الشتاء في القحط، لكان صوابًا.]] قال: أنتم أهدى.
* * *
وقال آخرون: بل هذه الصفة، صفة جماعة من اليهود، منهم: حُيَيّ بن أخطب، وهم الذين قالوا للمشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه لهم.
ذكر الأخبار بذلك:
٩٧٩٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن قاله قال، أخبرني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان الذين حَزَّبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة: حيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع، [[في المطبوعة: "وأبو رافع" بزيادة الواو، وهو خطأ: "أبو رافع" كنية سلام ابن أبي الحقيق. والصواب من المخطوطة، وهو مطابق لما في سيرة ابن هشام.]] والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق، [[في المطبوعة: "والربيع بن أبي الحقيق" أسقط"بن الربيع"، والصواب من المخطوطة، وهو مطابق لما في سيرة ابن هشام.]] وأبو عمار، [["أبو عمار" في المطبوعة في الموضعين"أبو عامر"، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة، وهو مطابق لما في سيرة ابن هشام.]] ووَحْوَح بن عامر، وهوذة بن قيس = فأما وحوح وأبو عمار وهوذة، [["أبو عمار" في المطبوعة في الموضعين"أبو عامر"، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة، وهو مطابق لما في سيرة ابن هشام.]] فمن بني وائل، وكان سائرهم من بني النضير = فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأوَل، فاسألوهم: أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم، فقالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه! فأنزل الله فيهم:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت"، إلى قوله:"وآتيناهم ملكًا عظيمًا". [[الأثر: ٩٧٩٢ - سيرة ابن هشام ٢: ٢١٠، وهو تابع الآثار التي آخرها رقم: ٩٧٢٤.]]
٩٧٩٣ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت"، الآية، قال: ذُكر لنا أن هذه الآية أنزلت في كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، ورجلين من اليهود من بني النضير، لقيا قريشًا بمَوْسم، [[الموسم: مجتمع الناس، في سوق أو في حج أو غيرهما.]] فقال لهم المشركون: أنحن أهدى أم محمد وأصحابه؟ فإنا أهل السِّدانة والسقاية، وأهل الحرم؟ فقالا لا بل أنتم أهدى من محمد وأصحابه! وهما يعلمان أنهما كاذبان، إنما حملهما على ذلك حَسَد محمد وأصحابه.
* * *
وقال آخرون: بل هذه صفة حيي بن أخطب وحده، وإياه عنى بقوله:"ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا".
* ذكر من قال ذلك:
٩٧٩٤ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب" إلى آخر الآية، قال: جاء حيي بن أخطب إلى المشركين فقالوا: يا حيي، إنكم أصحاب كتب، فنحن خير أم محمد وأصحابه؟ فقال: نحن وأنتم خير منهم! فذلك قوله:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب" إلى قوله:"ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرًا".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في ذلك، قولُ من قال: إن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن جماعة من أهل الكتاب من اليهود. وجائز أن تكون كانت الجماعةَ الذين سماهم ابن عباس في الخبر الذي رواه محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد، = أو يكون حُيَيًّا وآخر معه، [[في المطبوعة: "أن يكون"، وهو خطأ لا ريب فيه، صوابه ما أثبت.]] إما كعبًا، وإما غيره.
{"ayah":"أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَیَقُولُونَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ هَـٰۤؤُلَاۤءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ سَبِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق