الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يوم نجيء من كلّ أمة بشهيد، ونجيء بك على أمتك يا محمد شهيدًا ="يود الذين كفروا"، يقول: يتمنى الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله، ="لو تُسَوَّى بهم الأرض".. [[انظر تفسير"ود" فيما سلف ٢: ٤٧٠ / ٥: ٥٤٢.]]
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة أهل الحجاز ومكة والمدينة: ﴿لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ﴾ "بتشديد""السين" و"الواو" وفتح"التاء"، بمعنى: لو تَتَسوّى بهم الأرض، ثم أدغمت"التاء" الثانية في"السين"، يراد به: أنهم يودّون لو صاروا ترابًا فكانوا سواءً هم والأرض.
وقرأ آخرون ذلك: ﴿لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ﴾ ، بفتح"التاء" وتخفيف"السين". وهي قراءة عامة قرأة أهل الكوفة بالمعنى الأول، غير أنهم تركوا تشديد"السين"، واعتلوا بأن العرب لا تكاد تجمع بين تشديدين في حرف واحد.
وقرأ ذلك آخرون: ﴿لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ﴾ ، بمعنى: لو سوّاهم الله والأرض، فصاروا ترابًا مثلها بتصييره إياهم، كما يفعل ذلك بمن ذكر أنه يفعله به من البهائم.
قال أبو جعفر: وكل هذه القراءات متقاربات المعنى، وبأي ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ، لأن من تمنى منهم أن يكون يومئذ ترابًا، إنما يتمنى أن يكون كذلك بتكوين الله إياه كذلك. وكذلك من تمنى أن يكون الله جعله كذلك، فقد تمنى أن يكون ترابًا. على أن الأمر وإن كان كذلك، فأعجبُ القراءة إليّ في ذلك: ﴿لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ﴾ ، بفتح"التاء" وتخفيف"السين" كراهية الجمع بين تشديدين في حرف واحد = وللتوفيق في المعنى بين ذلك وبين قوله: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾ [سورة النبأ: ٤٠] . فأخبر الله عنهم جل ثناؤه أنهم يتمنون أن كانوا ترابًا، ولم يخبر عنهم أنهم قالوا:"يا ليتني كنت ترابًا". فكذلك قوله:"لو تَسوّى بهم الأرض" فيسوَّوا هم. وهي أعجب إلي، ليوافق ذلك المعنى الذي أخبرَ عنهم بقوله:"يا ليتني كنتُ ترابًا". وأما قوله:"ولا يكتمون الله حديثًا"، فإن أهل التأويل تأوّلوه بمعنى: ولا تكتم الله جوارحُهم حديثًا، وإن جحدتْ ذلك أفواههم.
* ذكر من قال ذلك:
٩٥٢٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عمرو، عن مطرف، عن. المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: أتى رجلٌ ابن عباس فقال: سمعت الله يقول ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [سورة الأنعام: ٢٣] ، وقال في آية أخرى:"ولا يكتمون الله حديثًا". فقال ابن عباس: أما قوله:"والله ربنا ما كنا مشركين"، فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهلُ الإسلام قالوا:"تعالوا فلنجحد"! فقالوا:"والله ربنا ما كنا مشركين"! فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم، فلا يكتمون الله حديثًا.
٩٥٢١ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن رجل، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أشياءُ تختلفُ علي في القرآن؟ فقال: ما هو؟ أشك في القرآن؟ قال: ليس بالشك، ولكنه اختلاف! قال: فهات ما اختلف عليك. قال: أسمع الله يقول: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [سورة الأنعام: ٢٣] ، وقال:"ولا يكتمون الله حديثًا"، وقد كتموا! فقال ابن عباس: أما قوله:"ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين"، فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب، ولا يغفر شركًا، ولا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره = جحد المشركون فقالوا:"والله ربنا ما كنا مشركين"، رجاءَ أن يغفر لهم، فختم على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك:"يَودّ الذين كفروا وَعصوُا الرسول لو تسوَّى بهم الأرضُ ولا يكتمون الله حديثًا".
٩٥٢٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا الزبير، عن الضحاك: أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس، قول الله تبارك وتعالى:"يومئذ يودّ الذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا"، وقوله: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ ؟ فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت:"ألقى علي ابن عباس مُتَشابه القرآن"، فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بَقيع واحد، [["البقيع": المكان المتسع من الأرض، يكون فيه بعض الشجر.]] فيقول المشركون:"إن الله لا يقبل من أحد شيئًا إلا ممن وحّده"! فيقولون:"تعالوا نَقُل"! [[في المطبوعة: "تعالوا نجحد"، غير ما في المخطوطة، وهو ما أثبته، ولم يستطع أن يعرف لها معنى، وهي صواب، وإن كانت كتب اللغة قد قصرت في إثبات هذا المعنى. وذلك أن"نقل" هنا من"القول" يراد به الكذب أو التعريض به، وقد مر بي ذلك في كتب السيرة مرارًا منها، ما قرأته في سيرة ابن هشام ٣: ٥٨، في خبر مقتل كعب الأشرف وقول محمد بن مسلمة لرسول الله ﷺ: "يا رسول الله، لا بد لنا من أن نقول"! فقال رسول الله: "قولوا ما بدا لكم، فأنتم في حل من ذلك". وهو شبيه المعنى بالكذب.]] فيسألهم فيقولون:"والله رَبنا ما كنا مشركين"، قال: فيختم على أفواههم، ويستنطق جوارحهم، فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين، فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سُوِّيت بهم ولا يكتمون الله حديثًا.
٩٥٢٣ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"يومئذ يود الذين كفروا وعصوُا الرسول لو تسوَّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا"، يعني: أن تسوّى الأرضُ بالجبال والأرضُ، عليهم. [[في المطبوعة: "أن تسوى الأرض بالجبال عليهم" حذف"الأرض" الثانية، والصواب ما في المخطوطة.]]
فتأويل الآية على هذا القول الذي حكيناه عن ابن عباس: يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول، لو تسوّى بهم الأرض ولم يكتموا الله حديثًا [[في المطبوعة: "ولا يكتمون الله حديثًا"، وهو خطأ فاحش، والصواب ما في المخطوطة.]] = كأنهم تمنوا أنهم سوُّوا مع الأرض، وأنهم لم يكونوا كتموا الله حديثًا.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: يومئذ لا يكتمون الله حديثًا = ويودّون لو تسوّى بهم الأرض. وليس بمنكتم عن الله شيء من حديثهم، لعلمه جل ذكره بجميع حديثهم وأمرهم، فإن همْ كتموه بألسنتهم فجحدوه، [[في المطبوعة: "فإنهم إن كتموه بألسنتهم"، وهو خطأ فاحش أيضًا، والصواب ما في المخطوطة.]] لا يخفى عليه شيء منه.
{"ayah":"یَوۡمَىِٕذࣲ یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَعَصَوُا۟ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضُ وَلَا یَكۡتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِیثࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











