الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (٣٩) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وأيّ شيء على هؤلاء الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ="لو آمنوا بالله واليوم الآخر"، لو صدّقوا بأن الله واحدٌ لا شريك له، وأخلصوا له التوحيد، وأيقنوا بالبعث بعد الممات، وصدّقوا بأن الله مُجازيهم بأعمالهم يوم القيامة ="وأنفقوا مما رزقهم الله"، يقول: وأدّوا زكاة أموالهم التي رَزَقهم الله وأعطاهموها، طيبةً بها أنفسهم، ولم ينفقوها رئاء الناس، التماس الذكر والفخر عند أهل الكفر بالله، والمحمدة بالباطل عند الناس ="وكان الله"، بهؤلاء الذين وصَف صفتهم أنهم ينفقون أموالهم رئاء الناس نفاقًا، وهم بالله واليوم الآخر مكذّبون ="عليمًا"، يقول: ذا علم بهم وبأعمالهم، [[في المخطوطة: "ذو علم" بالرفع، ولا بأس به.]] وما يقصدون ويريدون بإنفاقهم ما ينفقون من أموالهم، وأنهم يريدون بذلك الرَياء والسُّمعة والمحمدة في الناس، وهو حافظ عليهم أعمالهم، لا يخفَى عليه شيء منها، حتى يجازيهم بها جزاءهم عند مَعادهم إليه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه:"وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله"، فَإن الله لا يبخس أحدًا من خلقه أنفق في سبيله مما رزقه، من ثواب نفقته في الدنيا، ولا من أجرها يوم القيامة ="مثقال ذَرّة"، أي: ما يزنها ويكون على قدر ثِقَلها في الوزن، ولكنه يجازيه به ويُثيبه عليه، كما:-
٩٥٠٢ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: أنه تلا"إن الله لا يظلم مثقال ذرّة وإن تَك حسنةً يضاعفها"، قال: لأنْ تفضُل حسناتي في سيئاتي بمثقال ذرّة، أحبُّ إليّ من الدنيا وما فيها. [[غفرانك اللهم! إن ناشر المطبوعة يسيء إساءات لا عداد لها في تحريف الكلام، وتصرفه على غير أصل من فهم أو أمانة، فلم يحسن قراءة المخطوطة كما أثبتها، فجعل ما فيها لغوًا وكتب مكانه"لأن تفضل حسناتي ما يزن ذرة، أحب إلي من الدنيا وما فيها". ولا أدري، ما كان أغناه عن مثل هذا العمل المنكر!]]
٩٥٠٣ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان بعض أهل العلم يقول: لأنْ تفضُل حسناتي على سيئاتي ما يزن ذَرّة أحب إليّ من أن تكون لي الدنيا جميعًا.
* * *
وأما"الذرة" فإنه ذكر عن ابن عباس أنه قال فيها، كما:-
٩٥٠٤ - حدثني إسحاق بن وهب الواسطيّ قال، حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله:"مثقال ذرة"، قال: رأس نَملة حَمراء. [[الأثر: ٩٥٠٤ -"إسحاق بن وهب بن زياد العلاف" أبو يعقوب الواسطي. روى عنه البخاري، وابن ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم. مترجم في التهذيب.
و"أبو عاصم" هو: الضحاك بن مخلد. مضى مرارًا.
و"شيب بن بشر" روى عن أنس، وعكرمة، ثقة لين الحديث، يخطئ كثيرًا. مترجم في التهذيب.]]
* * *
= قال أبو جعفر: قال لي إسحاق بن وهب: قال يزيد بن هارون: زعموا أن هذه الذرّة الحمراء، ليس لها وزن. [[في المطبوعة: "إن هذه الدودة الحمراء"، وهو خطأ محض، وفي المخطوطة: "إن هذه الدود الحمراء"، وهو تحريف.]]
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك صحّت الأخبار عن رسول الله ﷺ.
٩٥٠٥ - حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا أبو داود قال، حدثنا عمران، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله ﷺ قال: إن الله لا يظلم المؤمن حسنةً، يُثابُ عليها الرزق في الدنيا، ويجزَى بها في الآخرة. وأما الكافر فيُطعم بها في الدنيا، فإذا كان يومُ القيامة لم تكن له حسنةً. [[الحديث: ٩٥٠٥ - أبو داود: هو الطيالسي.
"عمران": هو ابن داور القطان.
والحديث في مسند الطيالسي: ٢٠١١، بهذا الإسناد.
ورواه الإمام أحمد في المسند، من طريق همام، عن قتادة: ١٢٢٦٤، ١٢٢٩١، ١٤٠٦٣ (ج٣ ص١٢٣، ١٢٥، ٢٨٣ حلبي) .
وكذلك رواه مسلم ٢: ٣٤٤-٣٤٥، من طريق همام. ثم رواه من طرق أخر.
وذكره ابن كثير ٢: ٤٥٠، من رواية الطيالسي.
وذكره السيوطي ٢: ١٦٣، ونسبه لهؤلاء.]]
حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا جعفر بن عون قال، حدثنا هشام بن سعد قال، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: والذي نَفسي بيده، ما أحدكم بأشدّ مُناشَدَةً في الحق يراه مصيبًا له، من المؤمنين في إخوانهم إذا رأوا أن قد خَلصُوا من النار، يقولون:"أي ربنا، إخواننا، كانوا يصلّون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، ويجاهدون معنا، قد أخذتهم النار"! فيقول الله لهم:"اذهبوا، فمن عرفتم صورته فأخرجوه"! ويحرِّم صورتهم على النار، فيجدون الرجل قد أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، وإلى ركبتيه، وإلى حَقْويه، فيخرجون منها بشرًا كثيرًا، ثم يعودون فيتكلمون، فيقول:"اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط خير فأخرجوه"! فيخرجون منها بشرًا كثيرًا. ثم يعودون فيتكلمون، فلا يزال يقولُ لهم ذلك حتى يقول:"اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذَرّة فأخرجوه" = فكان أبو سعيد إذا حدَّث بهذا الحديث قال: إن لم تصدقوا، فاقرأوا:"إنّ الله لا يظلم مثقال ذَرّة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا" = فيقولون:"رَبنا لم نَذرْ فيها خيرًا". [[الحديث: ٩٥٠٦ - جعفر بن عون بن عمرو بن حريث، المخزومي الكوفي: ثقة. أخرج له الجماعة.
والحديث قطعة من حديث طويل في الشفاعة. رواه الأئمة في الدواوين من أوجه كثيرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري:
فرواه الطيالسي: ٢١٧٩، عن خارجة بن مصعب، عن زيد.
ورواه أحمد في المسند: ١١١٤٤ (٣: ١٦-١٧ حلبي) ، من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن زيد.
ورواه أيضًا: ١١٩٢٢ (٣: ٩٤-٩٥ حلبي) ، من طريق معمر، عن زيد.
ورواه مسلم ١: ٦٦-٦٧، من طريق حفص بن ميسرة، عن زيد.
ثم رواه - ولم يذكر لفظه - من طريق جعفر بن عون، عن هشام بن سعد. وهي الطريق التي رواها الطبري هنا.
وستأتي الإشارة إلى رواية البخاري، في الحديث التالي.]]
٩٥٠٧ - وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثني أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله ﷺ بنحوه. [[الحديث: ٩٥٠٧ -"الليث": هو ابن سعد. خالد بن يزيد: هو الجمحي المصري."ابن أبي هلال": هو سعيد بن أبي هلال المصري.
والحديث مكرر ما قبله.
ورواه البخاري ١٣: ٣٥٨-٣٦١ (فتح) ، من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد. وذكر ابن كثير ٢: ٤٤٩ قطعة منه، نسبها للصحيحين.]]
* * *
وقال آخرون في ذلك، بما:-
٩٥٠٨ - حدثني به المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا صدقة بن أبي سهل قال، حدثنا أبو عمرو، عن زاذان قال: أتيت ابن مسعود فقال: إذا كان يومُ القيامة، جمع الله الأولين والآخرين، ثم نادى مناد من عند الله:"ألا من كان يطلب مظلمةً فليجئ إلى حقه فليأخذه"! قال: فيفرح والله المرءُ أن يَذُوب له الحقّ على والده، أو ولده، أو زوجته، فيأخذ منه، وإن كان صغيرًا [[في المطبوعة: "فيفرح والله الصبي"، وفي المخطوطة: "فيفرح والله الصر أن يذوب"، وصواب قراءتها"المرء" كما أثبتها من المراجع المذكورة بعد.
"ذاب لي على فلان من الحق كذا، يذوب"، أي ثبت له ووجب.]] = ومصداق ذلك في كتاب الله تبارك وتعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [سورة المؤمنون: ١٠١] = فيقال له:"ائت هؤلاء حقوقهم" = أي: أعطهم حقوقهم = فيقول:"أي رب، من أين وقد ذهبت الدنيا"؟ فيقول الله لملائكته:"أي ملائكتي، انظروا في أعماله الصّالحة، وأعطوهم منها"! فإن بقي مثقال ذَرّة من حسنة قالت الملائكة؛ وهو أعلم بذلك منها:"يا ربنا، أعطينا كل ذي حق حقه، وبقي له مثقال ذرة من حسنة" فيقول للملائكة: ضعِّفوها لعبدي، وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة" = ومصداق ذلك في كتاب الله:"إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا"، أي: الجنة، يعطيها. وإن فنيت حسناته وبقيت سيئاته، قالت الملائكة، وهو أعلم بذلك:"إلهنا، فنيت حسناته وبقي سيئاته، وبقي طالبون كثيرٌ"! فيقول الله:"ضعِّفوا عليها من أوزارهم، واكتبوا له كتابًا إلى النار" [[في المطبوعة: "ضعوا عليها من أوزارهم"، وأثبت ما في المخطوطة. وانظر الأثر التالي.]] قال صدقة: أو صكًّا إلى جهنم، شك صَدَقة أيتهما قال. [[الحديث: ٩٥٠٨ - صدقة بن أبي سهل: مترجم في التعجيل، ص: ١٨٥-١٨٦. والكبير ٢ / ٢ / ٢٩٨، برقم: ٢٨٩١، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٤٣٤-٤٣٥، برقم: ١٩٠٧. ولم يذكرا فيه جرحًا، فهو ثقة.
وشيخه"أبو عمرو": لم أعرف من هو؟ ففي هذه الكنية كثرة.
"زاذان": هو الكندي الضرير. وهو تابعي ثقة معروف.
وانظر الإسناد التالي لهذا.]]
٩٥٠٩ - وحدثت عن محمد بن عبيد، عن هارون بن عنترة، عن عبد الله بن السائب قال: سمعت زاذان يقول: قال عبد الله بن مسعود: يؤخذ بيد العبد والأمة يومَ القيامة، فينادي منادٍ على رؤوس الأولين والآخرين:"هذا فلان بن فلان، من كان له حق فليأت إلى حقه"، فتفرح المرأة أنْ يَذُوب لها الحق على أبيها، أو على ابنها، أو على أخيها، أو على زوجها، [[انظر تفسير"يذوب"، فيما سلف ص: ٣٦٣، تعليق رقم: ١.]] ثم قرأ ابن مسعود: ﴿فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [سورة المؤمنون: ١٠١] ، فيغفر الله تبارك وتعالى من حقه ما شاء، ولا يغفر من حقوق الناس شيئًا، فينصبُ للناس فيقول:"ائتوا إلى الناس حقوقهم"! فيقول:"رب فنيت الدنيا، من أين أوتيهم حقوقهم؟ فيقول:"خذوا من أعماله الصالحة، فأعطوا كل ذي حقّ حقه بقدر مَظْلمته". فإن كان وليًّا لله، ففضل له مثقال ذرّة، ضاعفها له حتى يُدخله بها الجنة = ثمّ قرأ علينا:"إنّ الله لا يظلم مثقال ذرة" = وإن كان عبدًا شقيًّا، قال الملك:"رب فنيت حسناته، وبقي طالبون كثير"! فيقول:"خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته، ثم صُكُّوا له صكًّا إلى النار". [[الحديث: ٩٥٠٩ - هو تكرار للذي قبله بنحوه. ولكن الطبري جاء في أوله بصيغة التجهيل: "حدثت عن محمد بن عبيد". فضاع هذا الإسناد بهذا التجهيل.
ونقله ابن كثير ٢: ٤٤٩-٤٥٠، عن ابن أبي حاتم: "حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عيسى بن يونس، عن هارون بن عنترة ... "، فزال الضعف عن أول الإسناد.
وهارون بن عنترة: مضى توثيقه وترجمته في: ٤٠٥.
عبد الله بن السائب الكندي، ويقال: الشيباني، الكوفي: ثقة معروف. روى عنه الأعمش والثوري. وأخرج له مسلم.
فهذا الإسناد - عند ابن أبي حاتم - إسناد صحيح.
والحديث أثر موقوف على ابن مسعود. ولكني أراه من المرفوع حكمًا. فإن ما ذكره ابن مسعود مما لا يعرف بالرأي. وما كان ابن مسعود ليقول هذا من عند نفسه: وليس هو ممن ينقل عن أهل الكتاب، ولا يقبل الإسرائيليات.
وقد ذكره ابن كثير - كما قلنا - ثم قال: "ولبعض هذا الأثر شاهد في الحديث الصحيح" ونقله السيوطي ٢: ١٦٣، وزاد نسبته لعبد بن حميد.
"الصك": الكتاب. وقوله: "صكوا" فعل من"الصك"، أي: اكتبوا له صكًا، وهذا الفعل، لم تذكره كتب اللغة، وهذا شاهده.]]
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية على تأويل عبد الله هذا: إن الله لا يظلم عبدًا وجب له مثقال ذَرّة قِبَل عبد له آخر في مَعاده ويوم لقائه فما فوقه، [[السياق: "وجب له مثقال ذرة ... فما فوقه".]] فيتركه عليه فلا يأخذه للمظلوم من ظالمه، ولكنه يأخذه منه له، ويأخذ من كل ظالم لكل مظلوم تَبِعَتَهُ قِبَله [["التبعة" (بفتح التاء وكسر الباء) و"التباعة" (بكسر التاء) : ما اتبعت به صاحبك من ظلامة أو حق لك عنده.]] ="وإن تك حسنة يضاعفها"، يقول: وإن تُوجد له حسنة يضاعفها، بمعنى: يضاعف له ثوابها وأجرها ="ويُؤت من لدنه أجرًا عظيمًا"، يقول: ويعطه من عنده أجرًا عظيمًا،"والأجر العظيم" [[انظر تفسير"الأجر" فيما سلف ٢: ١٤٨، ٥١٢ / ٥: ٥١٩ / ٧: ٥٠١]] الجنة، على ما قاله عبد الله.
* * *
ولكلا التأويلين وجه مفهوم = أعني التأويل الذي قاله ابن مسعود، والذي قاله قتادة = وإنما اخترنا التأويل الأول، لموافقته الأثرَ عن رسول الله ﷺ، مع دلالة ظاهر التنزيل على صحته، إذ كان في سياق الآية التي قبلها، التي حث الله فيها على النفقة في طاعته، وذمِّ النفقة في طاعة الشيطان. ثم وَصَل ذلك بما وعدَ المنافقين في طاعته بقوله:"إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا".
واختلفت القرأة في قراءة قَوله:"وإن تك حسنة". فقرأت ذلك عامة قرأة العراق: ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً﴾ بنصب"الحسنة"، بمعنى: وإن تك زنةُ الذرّة حسنةً، يضاعفها.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة: ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ﴾ ، برفع"الحسنة"، بمعنى: وإن توجد حسنةٌ، على ما ذكرت عن عبد الله بن مسعود من تأويل ذلك. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٦٩.]]
وأما قوله:"يُضَاعفها"، فإنه جاء بـ "الألف"، ولم يقل:"يُضعِّفها"، لأنه أريد به في قول بعض أهل العربية: [[يعني أبا عبيدة في مجاز القرآن ١: ١٢٧ ونصه: "يضاعفها" أضعافًا = و"يضعفها" ضعفين.]] يُضاعفها أضعافًا كثيرة، ولو أريد به في قوله [[يعني: في قول أبي عبيدة.]] يضعِّف ذلك ضِعفين لقيل:"يضعِّفها" بالتشديد.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في الذين وعدهم الله بهذه الآية ما وعدهم فيها.
فقال بعضهم: هم جميع أهل الإيمان بالله وبمحمد ﷺ. واعتلّوا في ذلك بما:-
٩٥١٠ - حدثنا الفضل بن الصباح قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن مبارك بن فضالة، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي قال: لقيت أبا هريرة فقلت له: إنه بلغني أنك تقول: إن الحسنة لتُضَاعف ألفَ ألف حسنة! قال: وما أعجبك من ذلك؟ فوالله لقد سمعته = يعني النبي ﷺ = يقول: إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة! [[الحديث: ٩٥١٠ - رواه أحمد في المسند: ٧٩٣٢، عن يزيد بن هارون، بهذا الإسناد.
وهو حديث صحيح. فصلنا القول في تخريجه في المسند.
وذكره ابن كثير ٢: ٤٥١، عن رواية المسند، ثم نقله من رواية ابن أبي حاتم بإسنادين.
ثم ذكره مرة أخرى من رواية ابن أبي حاتم، عند تفسير الآية: ٣٨ من سورة التوبة (ج٤ ص١٦٨ -١٦٩) .
وذكره السيوطي ٢: ١٦٣، وقصر في تخريجه جدًا، فلم ينسبه لغير الطبري. وذكر نحوه قبله، ونسبه لابن أبي شيبة فقط.]]
وقال آخرون: بل ذلك: المهاجرون خاصة، دون أهل البوادي والأعراب. واعتلوا في ذلك بما:-
٩٥١١ - حدثني محمد بن هارون أبو نشيط قال، حدثنا يحيى بن أبي بكير قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن عبد الله بن عمير قال: نزلت هذه الآية، في الأعراب: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [سورة الأنعام: ٦٠] قال: فقال رجل: فما للمهاجرين؟ قال، ما هو أعظم من ذلك:"إنّ الله لا يظلم مثقال ذَرّة وإن تَكُ حسنةً يضاعفها ويُؤت من لدنه أجرًا عظيمًا"، وإذا قال الله لشيء:"عظيم"، فهو عظيم. [[الحديث: ٩٥١١ - هذا الإسناد ضعيف، من أجل"عطية العوفي". وقد بينا ضعفه فيما مضى: ٣٠٥.
وأما شيخ الطبري"محمد بن هارون بن إبراهيم الربعي": فإنه ثقة. مترجم في التهذيب.
والحديث نقله ابن كثير ٢: ٤٥٠، من رواية ابن أبي حاتم، من طريق فضيل بن مرزوق، بهذا الإسناد. ولم يذكر شيئًا في تخريجه، ولا في تعليله.
وذكره السيوطي ٢: ١٦٢-١٦٣، وزاد نسبته لسعيد بن منصور، وابن المنذر والطبراني.]]
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ من قال:"عُنى بهذه الآية المهاجرون دون الأعراب". [[في المطبوعة: "المهاجرين"، وأثبت ما في المخطوطة.]] وذلك أنه غير جائز أن يكون في أخبار الله أو أخبار رسوله ﷺ شيء يدفع بعضه بعضًا. فإذْ كان صحيحًا وعْدُ الله من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة من الجزاء عشرَ أمثالها، وَمنْ جاء بالحسنة منهم أن يضاعفها له = وكان الخبرَان اللذان ذكرناهما عنه ﷺ صحيحين = كان غيرَ جائز إلا أن يكون أحدُهما مجملا والآخر مفسَّرًا، إذ كانت أخبارُه ﷺ يصدِّق بعضها بعضًا. وإذ كان ذلك كذلك، صحّ أن خبرَ أبي هريرة معناهُ أنّ الحسنة لَتُضاعف للمهاجرين من أهل الإيمان ألفي ألفُ حسنة، وللأعراب منهم عشر أمثالها، على ما رَوَى ابن عمر عن النبي ﷺ = وأن قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ ، يعني: من جاء بالحسنة من أعراب المؤمنين فله عشر أمثالها، ومن جاء بالحسنة من مهاجريهم يُضاعف له ويؤته الله من لدنه أجرًا = يعني يعطه من عنده ="أجرًا عظيمًا". يعني: عِوَضًا من حسنته عظيمًا، وذلك"العوض العظيم"، الجنة، كما:-
٩٥١٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا صدقة بن أبي سهل قال، حدثنا أبو عمرو، عن زاذان، عن ابن مسعود:"ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا"، أي: الجنة يعطيها. [[الأثر: ٩٥١٢ - هو من الأثر السالف رقم: ٩٥٠٨.]]
٩٥١٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عباد بن أبي صالح، عن سعيد بن جبير قوله:"ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا"، قال: الأجرُ العظيم، الجنة. [[الأثر: ٩٥١٣ -"عباد بن أبي صالح ذكوان، السمان" هو: "عبد الله بن أبي صالح". قال البخاري في الصغير: "منكر الحديث". وقال ابن معين: "ثقة"، وقال الساجي: "ثقة، إلا أنه روى عن أبيه ما لم يتابع عليه". مترجم في التهذيب.]]
٩٥١٤ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا"، قال:"أجرًا عظيمًا"، الجنة.
{"ayahs_start":39,"ayahs":["وَمَاذَا عَلَیۡهِمۡ لَوۡ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَأَنفَقُوا۟ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِمۡ عَلِیمًا","إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةࣰ یُضَـٰعِفۡهَا وَیُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِیمࣰا"],"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةࣰ یُضَـٰعِفۡهَا وَیُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق