الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وأعتدنا للكافرين بالله من اليهود الذين وصف الله صِفَتهم، عذابًا مهينًا ="والذين ينفقون أموالهم رئاءَ الناس." * * * و"الذين" في موضع خفضٍ، عطفًا على"الكافرين". * * * وقوله:"رئاء الناس"، يعني: ينفقه مُراءاة الناس، في غير طاعة الله أو غير سبيله، ولكن في سبيل الشيطان [[انظر تفسير"رئاء" فيما سلف ٥: ٥٢١، ٥٢٢.]] ="ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر"، يقول: ولا يصدقون بوحدانية الله، ولا بالمَعَاد إليه يوم القيامة [[في المطبوعة: "ولا بالميعاد".]] - الذي فيه جزاء الأعمال - أنه كائن. [[قوله: "أنه كائن"، سياقه"ولا يصدقون بالمعاد ... أنه كائن".]] * * * وقد قال مجاهد [[يعني في الأثر رقم: ٩٤٩٥.]] إن هذا من صفة اليهود! وهو بصفة أهل النفاق الذين كانوا أهلَ شرك، [[في المطبوعة والمخطوطة: "وهو صفة أهل النفاق"، وهو لا يستقيم، كما سترى في التعليق التالي.]] فأظهروا الإسلام تقيةً من رسول الله ﷺ وأهلِ الإيمان به، وهم على كفرهم مقيمون = [[السياق: "وهو بصفة أهل النفاق ... أشبه منه بصفة اليهود"، فصح التصحيح السالف. أما ناشر المطبوعة، فإنه لما رأى الكلام غير مستقيم، كتب: "أشبه منهم بصفة اليهود"، فزاد الكلام فسادًا.]] أشبه منه بصفة اليهود. لأن اليهود كانت توحِّد الله وتصدّق بالبعث والمعاد. وإنما كان كفرُها، تكذيبَها بنبوة محمد ﷺ. * * * وبعدُ، ففي فصل الله بين صفة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وصفة الفريق الآخر الذين وصفهم في الآية قبلها، وأخبر أنّ لهم عذابًا مهينًا = بـ "الواو" الفاصلة بينهم = [[السياق: ففي فصل الله ... بالواو الفاصلة بينهم، ما ينبئ".]] ما ينبئ عن أنهما صفتان من نوعين من الناس مختلفي المعاني، وإن كان جميعهم أهلَ كفر بالله. [[في المطبوعة: "وإن كان جمعهم"، وهو خطأ محض، صوابه من المخطوطة، وهي غير منقوطة.]] ولو كانت الصفتان كلتاهما صفة نوع من الناس، لقيل إن شاء الله:"وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا"،"الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس"، ولكن فصل بينهم بـ "الواو" لما وصفنا. * * * فإن ظن ظان أن دخول"الواو" غير مستنكر في عطف صفة على صفة لموصوف واحد في كلام العرب = فإنّ ذلك، [[في المطبوعة: "في كلام العرب. قيل ذلك وإن كان كذلك"، والذي دعا ناشر المخطوطة إلى ذلك أن الناسخ كتب"العربفان" وصل"باء""العرب"، بفاء"فإن"، فاجتهد المصحح.]] وإن كان كذلك، فإن الأفصح في كلام العرب إذا أريد ذلك، ترك إدخال"الواو". وإذا أريد بالثاني وصفٌ آخر غير الأوّل، إدخال"الواو". [[في المطبوعة: "أدخل الواو"، والصواب من المخطوطة.]] وتوجيه كلام الله إلى الأفصح الأشهر من كلام مَنْ نزل بلسانه كتابُه، أولى بنا من توجيهه إلى الأنكر من كلامهم. * * * القول في تأويل قوله: ﴿وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يكن الشيطان له خليلا وصاحبًا، يعمل بطاعته، ويتبع أمره، ويترك أمرَ الله في إنفاقه ماله رئاء الناس في غير طاعته، وجحوده وحدانية الله والبعث بعد الممات ="فساء قرينًا"، يقول: فساء الشيطان قرينًا. * * * وإنما نصب"القرين"، لأن في"ساء" ذكرًا من الشيطان، كما قال جل ثناؤه: ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا﴾ [سورة الكهف: ٥٠] ، وكذلك تفعل العرب في"ساء" ونظائرها [[انظر ما سلف في"ساء" ٨: ١٣٨، تعليق: ٨، ومعاني القرآن للفراء ١: ٢٦٧-٢٦٩، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٢٧.]] = ومنه قول عدي بن زيد: عَنِ الْمَرْءِ لا تَسْأَلْ، وأبْصِرْ قَرِينَهُ ... فَإنَّ الْقَرِينَ بِالمُقَارِنِ مُقْتَدِ [[ديوانه، في شعراء الجاهلية: ٤٦٦، ومجموعة المعاني: ١٤، وغيرهما كثير. وقد أثبت البيت كما رواه أبو جعفر، وكما جاء في المخطوطة، أما ناشر المطبوعة فقد غيره، وأثبت ما درج عليه من الرواية: عَنِ الْمَرْءِ لا تَسأَل وسَلْ عَنْ قَرِينِه ... فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارن يَقْتَدِي وهو سوء تصرف لا شك فيه.]] يريد: بـ "القرين"، الصّاحبَ والصديق.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب