الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾
يعني تعالى ذكره بقوله:"يستفتونك"، يسألونك، يا محمد، أن تفتيهم في الكلالة. [[انظر تفسير"يستفتي" فيما سلف ص: ٢٥٣.]]
* * *
وقد بينا معنى:"الكلالة" فيما مضى بالشواهد الدالة على صحته، وقد ذكرنا اختلاف المختلفين فيه، فأغنى ذلك عن إعادته، وبيّنا أن"الكلالة" عندنا: ما عدا الولد والوالد. [[انظر ما سلف في"الكلالة" ٨: ٥٣-٦١.]]
* * *
="إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك"، يعني بقوله:"إن امرؤ هلك"، إن إنسان من الناس مات، [[انظر تفسير"المرء" فيما سلف ٢: ٤٤٦.]] كما:-
١٠٨٦٤- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"إن امرؤ هلك"، يقول: مات.
* * *
="ليس له ولد" ذكر ولا أنثى="وله أخت"، يعني: وللميت أخت لأبيه وأمه، أو لأبيه="فلها نصف ما ترك"، يقول: فلأخته التي تركها بعده بالصفة التي وَصَفنا، نصف تركته ميراثًا عنه، دون سائر عصبته. وما بقي فلعصبته.
* * *
وذكر أن أصحاب رسول الله ﷺ هَّمهم شأن الكلالة، فأنزل الله تبارك وتعالى فيها هذه الآية.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٨٦٥- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة"، فسألوا عنها نبيَّ الله، فأنزل الله في ذلك القرآن:"إن امرؤ هلك ليس له ولد"، فقرأ حتى بلغ:"والله بكل شيء عليم". قال: وذكر لنا أنّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال في خطبته: ألا إنّ الآية التي أنزل الله في أول"سورة النساء" في شأن الفرائض، أنزلها الله في الولد والوالد. والآية الثانية أنزلها في الزوج والزوجة والإخوة من الأم. والآية التي ختم بها"سورة النساء"، أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأم. والآية التي ختم بها"سورة الأنفال"، أنزلها في أولي الأرحام، بعضهم أولى ببعض في كتاب الله مما جرَّت الرحِم من العَصَبة. [[الأثر: ١٠٨٦٥- هذا الأثر رواه البيهقي في السنن ٦: ٣١، وذكره ابن كثير في التفسير ٢: ٤٢، والدر المنثور ٢: ٢٥١.]]
١٠٨٦٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الشيباني، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب قال: سأل عمر بن الخطاب النبيَّ ﷺ عن الكلالة، فقال: أليس قد بيَّن الله ذلك؟ قال: فنزلت:"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة". [[الأثر: ١٠٨٦٦- ذكره ابن كثير في تفسيره ٢: ٤٢، ولم ينسبه لغير ابن جرير.]]
١٠٨٦٧- حدثنا مؤمل بن هشام أبو هشام قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام الدستوائي قال، حدثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: اشتكيت وعندي تسع أخوات لي= أو: سبْع، أنا أشكّ [[في المطبوعة: "أبو جعفر الذي يشك"، وأثبت ما في المخطوطة.]] = فدخل عليّ النبيّ ﷺ فنفخ في وجهي، فأفقت وقلت: يا رسول الله، ألا أوصي لأخواتي بالثلثين؟ [[في المطبوعة: "بالثلث"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الموافق لرواية البيهقي، أما رواية أبي داود في سننه، فهي التي أثبتت في المطبوعة.]] قال: أحسن! قلت: الشطر؟ قال: أحسن! ثم خرج وتركني، ثم رجع إليّ فقال: يا جابر، إنِّي لا أُرَاك ميتًا من وجعك هذا، [["لا أراك" بالبناء للمجهول (بضم الهمزة) : أي لا أظنك.]] وإن الله قد أنزل في الذي لأخواتك فجعل لهن الثلثين. قال: فكان جابر يقول: أنزلت هذه الآية فيّ:"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة". [[الأثر: ١٠٨٦٧-"مؤمل بن هشام اليشكري"، هو"أبو هشام". روى عن إسمعيل بن علية، وكان صهره. روى عنه البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم. مترجم في التهذيب.
و"إسمعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي" هو"ابن علية" سلف مرارًا كثيرة و"أبو الزبير" المكي، هو: "محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي"، مضى برقم: ٢٠٢٩، ٣٥٨١، ٨٢٠٥.
وهذا الأثر رواه أبو داود في السنن ٣: ١٦٤ من طريق كثير بن هشام، عن هشام الدستوائي بلفظه.
ورواه البيهقي في السنن ٦: ٢٣١ من طرق، مطولا مختصرًا.
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده: ٢٤٠، مختصرًا وفيه"الثلثين" كما في مخطوطة الطبري.
وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٥٠، وزاد نسبته لابن سعد والنسائي.]]
١٠٨٦٨- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن هشام= يعني الدستوائي= عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي ﷺ مثله. [[الأثر: ١٠٨٦٨- هو مكرر الأثر السالف، من طريق ابن أبي عدي، عن هشام.
وهذا الخبر رواه الواحدي في أسباب النزول: ١٣٩، وساق لفظه، مع اختلاف يسير عن لفظ الأثر السالف.]]
١٠٨٦٩- حدثني المثنى قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: مرضت، فأتاني النبي ﷺ يعودُني هو وأبو بكر وهما ماشيان، فوجدوني قد أغمي عليّ، [[قوله: "فوجدوني" هكذا ثبت في المطبوعة والمخطوطة، وهي في ألفاظ أخر"فوجدني". والذي في المخطوطة والمطبوعة صواب، لأنه يعني أبا بكر ورسول الله، ومن كان معهما، أو من كان في البيت. ولو حمله على الجمع وهو مثنى، لكان له وجه في العربية.]] فتوضأ رسول الله ﷺ، ثم صبَّ عليّ من وَضوئه، فأفقت فقلت: يا رسول الله، كيف أقضي في مالي= أو: كيف أصنع في مالي؟ وكان له تسع أخوات، ولم يكن له والد ولا ولد.
قال: فلم يجبني شيئًا حتى نزلت آية الميراث:"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة" إلى آخر السورة= قال ابن المنكدر: قال جابر: إنما أنزلت هذه الآية فيّ. [[الأثر: ١٠٨٦٩- خبر"محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله"، روي من طرق كثيرة، مضى من طريق شعبة، عن محمد بن المنكدر، مختصرًا برقم: ٨٧٣٠، ثم من طريق ابن جريج، عن محمد بن المنكدر رقم: ٨٧٣١، بغير هذا اللفظ، مختصرًا، وانظر تخريجهما هناك. أما هذا، فرواه البخاري (الفتح ١٢: ٢) بمثله، مع خلاف يسير في لفظه، وقد بين الحافظ ابن حجر في شرحه، ما فيه من الاختلاف.
ورواه مسلم من طرق كثيرة، منها طريق سفيان، في صحيحه ١١: ٥٤-٥٦.
ورواه أبو داود في سننه ٣: ١٦٤ من طريق أحمد بن حنبل، عن سفيان.
ورواه الترمذي في السنن (في كتاب التفسير) ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح، رواه غير واحد، عن محمد بن المنكدر". ثم ساقه من طريق"الفضل بن صباح البغدادي، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر"، ثم قال: "وفي حديث الفضل بن صباح كلام أكثر من هذا". وحديث الفضل بن صباح، رواه الترمذي قبل ذلك في (كتاب الفرائض) مطولا، وقال: "هذا حديث صحيح".
ورواه البيهقي في السنن ٦: ٢٢٣، ٢٢٤، ثم قال البيهقي: "وجابر بن عبد الله الذي نزلت فيه آية الكلالة، لم يكن له ولد ولا والد، لأن أباه قتل يوم أحد. وهذه الآية نزلت بعده".
وذكره ابن كثير في تفسيره ٢: ٤١، والسيوطي في الدر ٢: ٢٤٩، وزاد نسبته لابن سعد. وابن ماجه، وابن المنذر.]]
* * *
وكان بعض أصحاب رسول الله ﷺ يقول: إن هذه الآية هي آخر آية نزلت من القرآن.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٨٧٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: سمعته يقول: إن آخر آية نزلت من القرآن:"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة". [[الأثر: ١٠٨٧٠- يأتي برقم: ١٠٨٧١، ١٠٨٧٣، من طريق أبي إسحق، عن البراء.]]
١٠٨٧١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: آخر آية نزلت من القرآن:"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة". [[الأثر: ١٠٨٧١- رواه مسلم في صحيحه ١١: ٥٨ عن علي بن خشرم، عن وكيع، بمثله. ثم ساقه من طرق أخرى، عن أبي إسحق عن البراء.
والبيهقي في السنن ٦: ٢٢٤.]]
١٠٨٧٢- حدثنا محمد بن خلف قال، حدثنا عبد الصمد بن النعمان قال، حدثنا مالك بن مغول، عن أبي السفر، عن البراء قال: آخر آية نزلت من القرآن:"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة". [[الأثر: ١٠٨٧٢-"محمد بن خلف بن عمار العسقلاني"، شيخ الطبري، مضى برقم: ١٢٦، ٦٥٣٤.
و"عبد الصمد بن النعمان البزاز". ترجم له ابن أبي حاتم ٣/١/٥١، ٥٢ وقال، "سئل أبي عنه فقال: صالح الحديث صدوق".
و"مالك بن مغول"، ثقة، مضى برقم: ٥٤٣١.
و"أبو السفر" هو: "سعيد بن يحمد الثوري" أو "سعيد بن أحمد"، مضى برقم: ٣٠١٠. والخبر رواه مسلم ١١: ٥٩ من طريق عمرو الناقد، عن أبي أحمد الزبيري، عن مالك بن مغول.
ورواه الترمذي في كتاب التفسير، من طريق عبد بن حميد، عن أبي نعيم، عن مالك بن مغول، وقال: "هذا حديث حسن".]]
١٠٨٧٣- حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني قال، حدثنا مصعب بن المقدام قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: آخر سورة نزلت كاملة"براءة"، وآخر آية، نزلت خاتمة"سورة النساء":"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة". [[الأثر: ١٠٨٧٣- مكرر الأثرين السالفين: ١٠٨٧٠، ١٠٨٧١.
"هرون بن إسحق الهمداني" شيخ الطبري، مضى برقم: ٣٠٠١.
و"مصعب بن المقدام الخثعمي"، مضى برقم: ١٢٩١، ٣٠٠١.
وهذا الأثر من طريق إسرائيل، عن أبي إسحق، رواه البخاري في صحيحه (الفتح ١٢: ٢٢) . وفي المخطوطة هنا"خاتم سورة البقرة"، والصواب ما في المطبوعة.]]
* * *
واختلف في المكان الذي نزلت فيه الآية.
فقال جابر بن عبد الله: نزلت في المدينة. وقد ذكرت الرواية بذلك عنه فيما مضى، بعضها في أول السورة عند فاتحة آية المواريث، وبعضها في مبتدإ الأخبار عن السبب الذي نزلت فيه هذه الآية. [[يعني ما سلف رقم: ٨٧٣٠، ٨٧٣١، ثم ما سلف قريبًا من: ١٠٨٦٧- ١٠٨٦٩.]]
* * *
وقال آخرون: بل أنزلت في مسيرٍ كان فيه رسول الله ﷺ وأصحابه.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٨٧٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن حميد، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: نزلت:"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة"، والنبيّ في مسير له، وإلى جنبه حذيفة بن اليمان، فبلَّغها النبي ﷺ حُذيفة، وبلّغها حذيفة عمر بن الخطاب وهو يسير خلفه. فلما استُخلف عمر سأل عنها حذيفة، ورجا أن يكون عنده تفسيرها، فقال له حذيفة: والله إنك لعاجز إن ظننت أن إمارتك تحملني أن أحدِّثك فيها بما لم أحدِّثك يومئذ! فقال عمر: لم أرِد هذا، رحمك الله!
١٠٨٧٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين بنحوه= إلا أنه قال في حديثه: فقال له حذيفة: والله إنك لأحمق إن ظننتَ.
١٠٨٧٦- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: كانوا في مسير، ورأسُ راحلة حذيفة عند رِدْف راحلة رسول الله ﷺ [["ردف الراحلة": كفل الدابة.]] ورأس راحلة عمر عند رِدْف راحلة حذيفة. قال: ونزلت:"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة"، فلقَّاها رسول الله ﷺ حذيفة، فلقّاها حذيفة عمر. فلما كان بعد ذلك، سأل عمرُ عنها حذيفةَ فقال: والله إنك لأحمق إن كنت ظننت أنه لقّانيها رسول الله فلقَّيْتُكها كما لقَّانيها، [[في المطبوعة: "فلقنتكها" من"التلقين"، وهو صواب في المعنى، ولكن السياق يقتضي ما أثبته من المخطوطة، وهي فيها منقوطة. و"لقاه الآية": علمه الآية، ولقنه إياها.]] والله لا أزيدك عليها شيئًا أبدًا! قال: وكان عمر يقول: اللهم مَن كنتَ بيّنتها له، [[في المطبوعة وابن كثير"إن كنت"، وأثبت ما في المخطوطة والدر المنثور، وهي صواب محض، وانظرها كذلك في الأثر الآتي رقم: ١٠٨٩٢.]] فإنها لم تُبَيَّن لي. [[الآثار: ١٠٨٧٤- ١٠٨٧٦، ذكر الأثر الأخير منها ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٤، ثم قال: "كذا رواه ابن جرير، ورواه أيضًا عن الحسن بن يحيى، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، كذلك بنحوه. وهو منقطع بين ابن سيرين وحذيفة. وقد قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزار في مسنده: حدثنا يوسف بن حماد المعنى، ومحمد بن مرزوق، قالا، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن أبيه قال: نزلت آية الكلالة.." وساق الخبر، ثم قال: "قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه إلا حذيفة، ولا نعلم له طريقًا عن حذيفة إلا هذا الطريق، ولا رواه عن هشام إلا عبد الأعلى". قال ابن كثير: "وكذا رواه ابن مردويه".
وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٧: ١٣، وقال: "رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، غير أبي عبيدة بن حذيفة، ووثقه ابن حبان".
وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٥٠ قال: "أخرج العدني والبزار في مسنديهما، وأبو الشيخ في الفرائض، بسند صحيح عن حذيفة" ثم ذكر الخبر.
وعاد فخرجه في ٢: ٢٥١، ونسبه لابن جرير، وعبد الرزاق، وابن المنذر، عن ابن سيرين، منقطعًا.]]
* * *
واختلف عن عمر في الكلالة، فروي عنه أنه قال فيها عند وفاته:"هو من لا ولد له ولا والد". وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك فيما مضى في أول هذه السورة في آية الميراث. [[انظر رقم: ٨٧٤٥-٨٧٤٨، ٨٧٦٧]]
* * *
وروي عنه أنه قال قبل وفاته: هو ما خلا الأب. [[انظر رقم: ٨٧٤٥-٨٧٤٨، ٨٧٦٧.]]
* ذكر من قال ذلك:
١٠٨٧٧- حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال، قال عمر بن الخطاب: ما أغلظ لي رسول الله ﷺ= أو: ما نازعتُ رسول الله ﷺ في شيء ما نازعته في آية الكلالة، حتى ضرب صَدري وقال: يكفيك منها آية الصيف التي أنزلت في آخر"سورة النساء": [[قوله: "التي أنزلت في آخر سورة النساء" غير ثابت في المخطوطة، وهو ثابت في روايات الحديث التي ستأتي في التخريج.]] "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة"، وسأقضي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ ومن لا يقرأ، هو ما خلا الأب= كذا أحسب قال ابن عرفة= قال شبابة: الشك من شعبة. [[الأثر: ١٠٨٧٧- خبر سالم بن أبي الجعد، عن معدان، عن عمر سيرويه أبو جعفر من أربع طرق أخرى فيما سيأتي من رقم: ١٠٨٨٤- ١٠٨٨٧.
وروى هذا الخبر من طريق شبابة بن سوار، عن شعبة، عن قتادة، مسلم في صحيحه ١١: ٥٧، إشارة.
ورواه البيهقي في السنن ٦: ٢٢٤ بلفظه، وقال: "رواه مسلم عن زهير بن حرب". وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٥١، ولم ينسبه لغير ابن جرير، فقصر في نسبته. وانظر تخريج الآثار التالية التي أشرت إليها.]]
* * *
وروي عنه أنه قال:"إني لأستحيي أن أخالف فيه أبا بكر"، وكان أبو بكر يقول:"هو ما خلا الولد والوالد". وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه فيما مضى في أول السورة [[انظر ما سلف رقم: ٨٧٤٥-٨٧٤٩.]]
* * *
وروي عنه أنه قال عند وفاته:"قد كنت كتبت في الكلالة كتابًا، وكنت أستخير الله فيه، وقد رأيت أن أترككم على ما كنتم عليه"، وأنه كان يتمنى في حياته أن يكون له بها علم.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٨٧٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن حميد المعمري، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كتب في الجدّ والكلالة كتابًا، فمكث يستخير الله فيه يقول:"اللهم إن علمت فيه خيرًا فأمضه"، حتى إذا طُعِن، دعا بكتاب فَمُحي، [[في المطبوعة: "بالكتاب فمحي"؛ بالتعريف، وهو كذلك في الدر المنثور، وأثبت ما في المخطوطة، وهو موافق لرواية ابن كثير في تفسيره.]] فلم يدر أحدٌ ما كتب فيه، فقال:"إني كنت كتبت في الجدّ والكلالة كتابًا، وكنت أستخير الله فيه، فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه". [[الأثر: ١٠٨٧٨- ذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٥ عن هذا الموضع من التفسير، وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٥٠، ونسبه لعبد الرزاق، ولم ينسبه لابن جرير، وقد رواه الطبري بنحوه في الأثر التالي: ١٠٨٧٩.]]
١٠٨٧٩- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر، بنحوه. [[الأثر: ١٠٨٧٨- ذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٥ عن هذا الموضع من التفسير، وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٥٠، ونسبه لعبد الرزاق، ولم ينسبه لابن جرير، وقد رواه الطبري بنحوه في الأثر التالي: ١٠٨٧٩.]]
١٠٨٨٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان قال، حدثنا عمرو بن مرة، عن مرة الهمداني قال، قال عمر: ثلاث لأن يكون النبي ﷺ بيَّنهن لنا، أحبُّ إليّ من الدنيا وما فيها: الكلالة، والخلافة، وأبواب الربا. [[الأثر: ١٠٨٨٠- رواه أبو داود الطيالسي من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، مع اختلاف يسير في لفظه، مطولا.
ورواه البيهقي في السنن من طريق أبي داود الطيالسي ٦: ٢٢٥.
ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٣٠٤ من طريق سفيان، عن عمرو بن مرة، بلفظ الطبري، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
وذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٥، ولم ينسبه لغير الحاكم.
وخرجه السيوطي في الدر ٢: ٢٥١، ٢٥٢، وزاد نسبته لعبد الرزاق، والعدني، وابن ماجه، والساجي.
وقوله: "أبواب الربا"، أي: وجوه الربا وطرقه، وهذا اللفظ ليس فيما ذكرت من المراجع، فيها جميعًا"والربا". وانظر الأثر الآتي: ١٠٨٨٣، والتعليق عليه.]]
١٠٨٨١- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام قال، حدثنا الأعمش قال: سمعتهم يذكرون، ولا أرى إبراهيم إلا فيهم، عن عمر قال: لأن أكون أعلم الكلالة، أحبُّ إليّ من أن يكون لي مثل جزية قصور الروم. [[الأثر: ١٠٨٨١- خرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٥١، ولم ينسبه لغير ابن جرير، وفيه"قصور الشأم"، وهما سواء في المعنى، ولكن العجب أنه نقله عن هذا الموضع من التفسير، وكتب مكان"الروم""الشأم".]]
١٠٨٨٢- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام قال، حدثنا الأعمش، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: أخذ عمر كتِفًا وجمع أصحاب محمد ﷺ، ثم قال: لأقضين في الكلالة قضاءً تحدَّثُ به النساء في خدورهن! فخرجت حينئذ حيَّة من البيت، فتفرَّقوا، فقال: لو أراد الله أن يتم هذا الأمر لأتمَّه. [[الأثر: ١٠٨٨٢- رواه البيهقي في السنن ٦: ٢٤٥، من طريق جرير عن الأعمش. مع اختلاف في لفظه.
وذكره ابن كثير في تفسيره ٣: ٤٤، ٤٥، ثم قال: "وهذا إسناد صحيح".
وخرجه السيوطي ٢: ٢٥٠، ولم ينسبه لغير ابن جرير.
وفي المخطوطة: "النساء في خدورها"، وهما سواء.]]
١٠٨٨٣- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أبو حيان قال، حدثني الشعبي، عن ابن عمر قال: سمعت عمر بن الخطاب يخطب على منبر المدينة، فقال: أيها الناس، ثلاثٌ ودِدت أن رسول الله ﷺ لم يفارِقنا حتى يعهد إلينا فيهن عهدًا يُنتهى إليه: الجدّ، والكلالة، وأبواب الربا. [[الأثر: ١٠٨٨٣-"أبو حيان" هو: "يحيى بن سعيد التيمي"، مضى برقم: ٥٣٨٢، ٥٣٨٣، ٦٣١٨، ٨١٥٥.
وهذا الخبر رواه البخاري مطولا (الفتح ١٠: ٣٩-٤٣) من طريق يحيى بن سعيد القطان عن أبي حيان التيمي.
ورواه مسلم في صحيحه ١٨: ١٦٥ من أربع طرق، من طريق علي بن مسهر، عن أبي حيان، ومن طريق ابن إدريس عن أبي حيان، ومن طريق ابن علية عن أبي حيان، ومن طريق عيسى بن يونس عن أبي حيان.
ورواه البيهقي في السنن ٦: ٢٤٥/٨: ٢٨٩.
وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٤٩، وزاد نسبته لعبد الرزاق، وابن المنذر. وفي جميع المراجع: "وأبواب من أبواب الربا"، وانظر شرح ذلك في التعليق على الأثر: ١٠٨٨٠]]
١٠٨٨٤- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة: أن عمر بن الخطاب قال: ما سألت رسول الله ﷺ عن شيء أكثر مما سألت عن الكلالة، حتى طَعَن بإصبعه في صدري وقال: تكفيك آية الصيف التي في آخر"سورة النساء". [[الأثر: ١٠٨٨٤- خبر سالم بن أبي الجعد، عن معدان، مضى برقم: ١٠٨٧٧ من طريق شعبة عن قتادة. وأشار إليه مسلم في صحيحه ١١: ٥٧ من طريق ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة.
ورواه أحمد في المسند رقم: ٣٤١ من طريق محمد بن جعفر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة مطولا.
ورواه أيضًا مطولا رقم: ٨٩ من طريق عفان، عن همام بن يحيى، عن قتادة.
ورواه مختصرًا رقم: ١٧٩ من طريق إسمعيل، عن سعيد بن أبي عروبة.
وخرجه ابن كثير في تفسيره ٢: ٢٤١ من هذه الأخيرة من مسند أحمد، ولم يذكر شيئًا عن الطرق الأخرى، بل قال: "هكذا رواه مختصرًا، وأخرجه مسلم مطولا أكثر من هذا"، مع أن أحمد أخرجه في مواضع مطولا كما ترى، وكما سيأتي في التعليق على رقم: ١٠٨٨٧.]]
١٠٨٨٥- حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي، عن سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان، عن عمر قال: لن أدع شيئًا أهمَّ عندي من أمر الكلالة، فما أغلظ لي رسول الله ﷺ في شيء ما أغلظ لي فيها، حتى طعن بإصبعه في صدري= أو قال: في جنبي= فقال: تكفيك الآية التي أنزلت في آخر"النساء". [[الأثر: ١٠٨٨٥-"إبراهيم بن سعيد الجوهري"، شيخ الطبري، ثقة، مضى برقم: ٣٣٥٥، ٣٩٥٩.
و"عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي"، ثقة صدوق مأمون، من شيوخ أحمد. مترجم في التهذيب. ومضى في الإسناد رقم: ٨٢٨٤، وهذا طريق آخر للأثر السالف.
وفي المطبوعة: "لم أدع"، وأثبت ما في المخطوطة.]]
١٠٨٨٦- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة: أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم الجمعة فقال: إنيّ والله ما أدع بعدي شيئًا هو أهمّ إليّ من أمر الكلالة، وقد سألت عنها رسول الله ﷺ، فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها، حتى طعن في نحري وقال:"تكفيك آية الصيف التي أنزلت في آخر سورة النساء"، وإن أعِش أقض فيها بقضية لا يختلف فيها أحدٌ قرأ القرآن. [[الأثر: ١٠٨٨٦- هذه طريق أخرى للأثرين السالفين، طريق سعيد بن أبي عروبة.]]
١٠٨٨٧- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا هشام، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن عمر بن الخطاب بنحوه. [[الأثر: ١٠٨٨٧- رواه من هذه الطريق مسلم في صحيحه ١١: ٥٦.
ورواه أحمد مطولا في المسند برقم: ١٨٦، وانظر التعليق على الآثار السالفة.]]
١٠٨٨٨- حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال، سمعت أبي يقول، أخبرنا أبو حمزة، عن جابر، عن الحسن بن مسروق، عن أبيه قال: سألت عمر وهو يخطب الناس عن ذي قرابة لي وَرِث كلالة، فقال: الكلالة، الكلالة، الكلالة!! وأخذ بلحيته، ثم قال: والله لأن أعلمَها أحبَّ إلي من أن يكون لي ما على الأرض من شيء، سألت عنها رسول الله ﷺ فقال: ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف؟ فأعادها ثلاث مرات. [[الأثر: ١٠٨٨٨-"محمد بن علي بن الحسن بن شقيق" ثقة، مضى برقم: ١٥٩١، ٢٥٧٥.
وأبوه "علي بن الحسن بن شقيق" ثقة، مضى أيضًا برقم: ١٥٩١، ١٩٠٩.
و"أبو حمزة" هو السكري: "محمد بن ميمون" ثقة إمام، مضى برقم: ١٥٩١.
و"جابر" هو"جابر الجعفي": جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي، مضى برقم: ٧٦٤، ٨٥٨، ٢٣٤٠، ومواضع أخرى كثيرة. وهو ضعيف جدًا، رمي بالكذب.
أما "الحسن بن مسروق"، فلم أجد في الرواة من يسمى بهذا الاسم، وأما أبوه فكأنه يعني: "مسروق بن الأجدع الهمداني الوداعي". أحد المقرئين والمفتين.. روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وكثير من الصحابة. وليس في الرواة عن مسروق من اسمه"الحسن"، ولا وجدت له ولدًا يقال"الحسن له ابن مسروق".
ففي هذا الإسناد ما فيه من البلاء.
وهذا الأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٥١، عن الحسن بن مسروق، عن أبيه كما هنا، ونسبه للطبري وحده.]]
١٠٨٨٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فسأله عن الكلالة، فقال: ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً﴾ إلى آخر الآية؟ [[الأثر: ١٠٨٨٩-"أبو أسامة" هو: "حماد بن أسامة بن زيد الكوفي"، مضى برقم: ٢٩، ٥١، ٢٢٣، ٢٩٩٥، ٥٢٦٥.
و"زكريا" هو: "زكريا بن أبي زائدة" مضى برقم: ١١٢، ١٢١٩.
و"أبو إسحق" هو السبيعي.
و"أبو سلمة" هو: "أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري"، مضى برقم: ٨، ٦٧، ٣٠١٥، ٨٣٩٤.
وهذا الأثر رواه البيهقي في السنن ٦: ٢٢٤، من طريق يحيى بن آدم، عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحق، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وقال: "حديث أبي إسحق عن أبي سلمة منقطع، وليس بمعروف".]]
١٠٨٩٠- حدثني محمد بن خلف قال، حدثنا إسحاق بن عيسى قال، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير: أن رجلا سأل عُقبة عن الكلالة، فقال: ألا تعجبون من هذا؟ يسألني عن الكلالة، وما أعضل بأصحاب رسول الله ﷺ شيء ما أعضلت بهم الكلالة! [[الأثر: ١٠٨٩٠-"إسحق بن عيسى بن نجيح" هو أبو يعقوب، ابن الطباع، مضى برقم: ٢٨٣٦.
و"ابن لهيعة" مضى مرارًا.
و"يزيد بن أبي حبيب المصري" ثقة مضى برقم: ٤٣٤٨، ٥٤٩٣.
و"أبو الخير" هو: "مرثد بن عبد الله اليزني" الفقيه المصري، روى عن عقبة بن عامر الجهني، وكان لا يفارقه، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن عمرو، وغيرهم من الصحابة. تابعي ثقة، مترجم في التهذيب.
وهذا الأثر رواه الدارمي في سننه ٢: ٣٦٦، من طريق عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن أبي أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب. وفي النسخة المطبوعة من الدارمي خطأ قال فيها"عن يزيد بن عبد الله اليزني"، والصواب"مرثد بن عبد الله"، وهو أبو الخير، كما سلف.
وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٥٠، وزاد نسبته لابن أبي شيبة.
"أعضل الأمر" و"أعضل به الأمر": ضاق وأشكل، وضاق به ذرعًا لإشكاله.]]
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما وجه قوله جل ثناؤه:"وإن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك"، ولقد علمت اتفاق جميع أهل القبلة= ما خلا ابن عباس وابن الزبير رحمة الله عليهما= على أن الميت لو ترك ابنةً وأختًا، أن لابنته النصف، وما بقي فلأختِه، إذا كانت أخته لأبيه وأمه، أو لأبيه؟ وأين ذلك من قوله:"إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك"، وقد ورَّثوها النصف مع الولد؟
قيل: إنّ الأمر في ذلك بخلاف ما ذهبتَ إليه. إنما جعل الله جل ثناؤه بقوله:"إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك"، إذا لم يكن للميت ولد ذكر ولا أنثى، وكان موروثًا كلالة، النصفَ من تركته فريضةً لها مسمَّاة. فأما إذا كان للميت ولد أنثى، فهي معها عصبة، يصير لها ما كان يصير للعصبة غيرها، لو لم تكن. وذلك غير محدود بحدٍّ، ولا مفروض لها فرضَ سهام أهل الميراث بميراثهم عن ميِّتهم. ولم يقل الله في كتابه:"فإن كان له ولد فلا شيء لأخته معه"، فيكون لما روي عن ابن عباس وابن الزبير في ذلك وجهٌ يوجَّه إليه. وإنما بيَّن جل ثناؤه، مبلغ حقِّها إذا وُرث الميت كلالةً، وترك بيان ما لها من حق إذا لم يورث كلالةً في كتابه، وبيَّنه بوحيه على لسان رسوله ﷺ، فجعلها عصبة مع إناث ولد الميت. وذلك معنًى غير معنى وراثتها الميت، إذا كان موروثًا كلالةً.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: وأخو المرأة يرثها إن ماتت قبله، إذا وُرِثت كلالة، [[في المطبوعة: "إذا ورث كلالة"، والصواب ما أثبت من المخطوطة.]] ولم يكن لها ولد ولا والد.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"فإن كانتا اثنتين"، فإن كانت المتروكة من الأخوات لأبيه وأمه أو لأبيه="اثنتين" فلهما ثلثا ما ترك أخوهما الميت، إذا لم يكن له ولد، وورث كلالة="وإن كانوا إخوة"، يعني: وإن كان المتروكون من إخوته="رجالا ونساء فللذكر" منهم بميراثهم عنه من تركته="مثل حظ الأنثيين"، يعني: مثل نصيب اثنتين من أخواته. [[انظر تفسير"مثل حظ الأنثيين" فيما سلف: ٨: ٣٠-٣٤.]] وذلك إذا ورث كلالةً، والإخوة والأخوات إخوته وأخواته لأبيه وأمه، أو: لأبيه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يبين الله لكم قسمة مواريثكم، وحكم الكلالة، وكيف فرائضهم="أن تضلوا"، بمعنى: لئلا تضلوا في أمر المواريث وقسمتها، أي: لئلا تجوروا عن الحق في ذلك وتخطئوا الحكم فيه، فتضلّوا عن قصد السبيل، [[انظر تفسير"الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة.]] كما:-
١٠٨٩١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله:"يبين الله لكم أن تضلوا"، قال: في شأن المواريث.
١٠٨٩٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن حميد المعمري= وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق= قالا جميعًا، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: كان عمر إذا قرأ:"يبين الله لكم أن تضلوا" قال: اللهم مَنْ بَيَّنت له الكلالة، فلم تُبَيَّن لي. [[الأثر: ١٠٨٩٢- انظر الأثر السالف رقم: ١٠٨٧٦.]]
* * *
قال أبو جعفر: وموضع"أن" في قوله:"يبين الله لكم أن تضلوا"، نصبٌ، في قول بعض أهل العربية، لاتصالها بالفعل.
* * *
وفي قول بعضهم: خفضٌ، بمعنى: يبين الله لكم بأن لا تضلوا، ولئلا تضلوا= وأسقطت"لا" من اللفظ وهي مطلوبة في المعنى، لدلالة الكلام عليها. والعرب تفعل ذلك، تقول:"جئتك أن تلومني"، بمعنى: جئتك أن لا تلومني، كما قال القطامي في صفة ناقة:
رَأَيْنَا مَا يَرَى البُصَراءُ فِيهَا ... فَآلَيْنَا عَلَيْها أَنْ تُبَاعَا [[ديوانه ٤٣، وقد سلف من هذه القصيدة أبيات في ١: ١١٦/٧: ٥٥٧، يصف ناقته لما بلغت مبلغها واستوت كما وصفها، فيقول: لما رأينا كرمها وحسنها حلفنا عليها أن لا تباع، لنفاستها علينا.]]
بمعنى: أن لا تباع.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه:"والله بكل شيء" من مصالح عباده في قسمة مواريثهم وغيرها، وجميع الأشياء="عليم"، يقول: هو بذلك كله ذو علم. [[انظر تفسير"عليم" فيما سلف من فهارس اللغة.]]
* * *
﴿آخر تفسير سورة النساء﴾ والحمد الله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم
{"ayah":"یَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ یُفۡتِیكُمۡ فِی ٱلۡكَلَـٰلَةِۚ إِنِ ٱمۡرُؤٌا۟ هَلَكَ لَیۡسَ لَهُۥ وَلَدࣱ وَلَهُۥۤ أُخۡتࣱ فَلَهَا نِصۡفُ مَا تَرَكَۚ وَهُوَ یَرِثُهَاۤ إِن لَّمۡ یَكُن لَّهَا وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَتَا ٱثۡنَتَیۡنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَۚ وَإِن كَانُوۤا۟ إِخۡوَةࣰ رِّجَالࣰا وَنِسَاۤءࣰ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۗ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّوا۟ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمُۢ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











