الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه:"يسألك" يا محمد="أهل الكتاب"، يعني بذلك: أهل التوراة من اليهود="أن تنزل عليهم كتابًا من السماء".
* * *
واختلف أهل التأويل في"الكتاب" الذي سألَ اليهودُ محمدًا ﷺ أن ينزل عليهم من السماء.
فقال بعضهم: سألوه أن ينزل عليهم كتابًا من السماء مكتوبًا، كما جاء موسى بني إسرائيل بالتوراة مكتوبةً من عند الله.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٧٦٨- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء"، قالت اليهود: إن كنت صادقًا أنك رسول الله، فآتنا كتابًا مكتوبًا من السماء، كما جاء به موسى.
١٠٧٦٩- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي قال: جاء أناس من اليهود إلى رسول الله ﷺ فقالوا: إن موسى جاء بالألواحِ من عند الله، فأتنا بالألواح من عند الله حتى نصدّقك! فأنزل الله:"يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء"، إلى قوله:"وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا".
* * *
وقال آخرون: بل سألوه أن ينزل عليهم كتابًا، خاصَّة لهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٧٧٠- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء"، أي كتابًا، خاصةً="فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة".
وقال آخرون: بل سألوه أن ينزل على رجال منهم بأعيانهم كتبًا بالأمر بتصديقه واتّباعه.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٧٧١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله:"يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء"، وذلك أن اليهود والنصارى أتوا النبي ﷺ فقالوا:"لن نتابعك على ما تدعونا إليه، حتى تأتينا بكتاب من عند الله إلى فلان [[في المخطوطة: "من عبد الله، من الله إلى فلان"، والذي في المطبوعة هو الصواب، إلا أن يكون الناسخ كتب"من عند الله" ثم، غيرها"من الله"، ثم لم يضرب على أولاهما.]] أنك رسول الله، وإلى فلان بكتاب أنك رسول الله"! قال الله جل ثناؤه:"يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة".
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن أهل التوراة سألوا رسولَ الله ﷺ أن يسأل ربه أن ينزل عليهم كتابًا من السماء، آيةً معجزةً جميعَ الخلق عن أن يأتوا بمثلها، شاهدةً لرسول الله ﷺ بالصدق، آمرة لهم باتباعه.
وجائز أن يكون الذي سألوه من ذلك كتابًا مكتوبًا ينزل عليهم من السماء إلى جماعتهم= وجائز أن يكون ذلك كتبًا إلى أشخاص بأعينهم. بل الذي هو أولى بظاهر التلاوة، أن تكون مسألتهم إياه ذلك كانت مسألة لتنزيل الكتاب الواحد إلى جماعتهم، [[في المطبوعة: "لينزل الكتاب"، وأثبت ما في المخطوطة.]] لذكر الله تعالى في خبره عنهم"الكتاب" بلفظ الواحد بقوله:"يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء"، [[في المطبوعة: "يقول: يسألك ... "، والصواب من المخطوطة.]] ولم يقل"كتبًا".
* * *
وأما قوله:"فقد سألوا موسى أكبر من ذلك"، فإنه توبيخ من الله جل ثناؤه سائلي الكتابَ الذي سألوا رسول الله ﷺ أن ينزله عليهم من السماء، في مسألتهم إياه ذلك= وتقريعٌ منه لهم. يقول الله لنبيه ﷺ: يا محمد، لا يعظُمَنَّ عليك مسألتهم ذلك، فإنهم من جهلهم بالله وجراءَتهم عليه واغترارهم بحلمه، لو أنزلت عليهم الكتاب الذي سألوك أن تنزله عليهم، لخالفوا أمر الله كما خالفوه بعد إحياء الله أوائلهم من صعقتهم، فعبدوا العجل واتخذوه إلهًا يعبدونه من دون خالقهم وبارئهم الذي أرَاهم من قدرته وعظيم سلطانه ما أراهم، لأنهم لن يعدُوا أن يكونوا كأوائلهم وأسلافهم.
* * *
ثم قصّ الله من قصتهم وقصة موسى ما قصَّ، يقول الله:"فقد سألوا موسى أكبرَ من ذلك"، يعني: فقد سأل أسلافُ هؤلاء اليهود وأوائلهم موسى عليه السلام، أعظم مما سألوك من تنزيل كتاب عليهم من السماء، فقالوا له:"أرنا الله جهرة"، أي: عِيانًا نعاينه وننظر إليه.
* * *
وقد أتينا على معنى"الجهرة"، بما في ذلك من الرواية والشواهد على صحة ما قلنا في معناه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. [[انظر تفسير"جهرة" فيما سلف ٢: ٨٠-٨٢.]]
* * *
وقد ذكر عن ابن عباس أنه كان يقول في ذلك، بما:-
١٠٧٧٢- حدثني به الحارث قال، حدثنا أبو عبيد قال، حدثنا حجاج، عن هارون بن موسى، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن عباس في هذه الآية قال: إنهم إذا رأوه فقد رأوه، إنما قالوا جهرةً:"أرنا الله". قال: هو مقدّم ومؤخر.
* * *
وكان ابن عباس يتأول ذلك: أن سؤالهم موسى كان جهرة. [[هذا القول الذي نسب إلى ابن عباس، لم يمض مثله في تفسير آية سورة البقرة ٢: ٨٠-٨٢، وهذا أحد الأدلة على اختصار هذا التفسير.]]
* * *
وأما قوله:"فأخذتهم الصاعقة"، فإنه يقول:"فصُعقوا"="بظلمهم" أنفسهم. وظلمهم أنفسهم، كان مسألَتهم موسى أن يريهم ربهم جهرة، لأن ذلك مما لم يكن لهم مسألته.
* * *
وقد بينا معنى:"الصاعقة"، فيما مضى باختلاف المختلفين في تأويلها، والدليل على أولى ما قيل فيها بالصواب. [[انظر تفسير"الصاعقة" فيما سلف ٢: ٨٢-٨٤.]]
* * *
وأما قوله:"ثم اتخذوا العجل"، فإنه يعني: ثم اتخذ= هؤلاء الذين سألوا موسى ما سألوه من رؤية ربهم جهرةً، بعد ما أحياهم الله فبعثهم من صعقتهم= العجلَ الذي كان السامريُّ نبذ فيه ما نبذ من القبْضة التي قبضها من أثر فرس جبريل عليه السلام= إلهًا يعبدونه من دون الله. [[سياق هذه الفقرة: ثم اتخذ هؤلاء ... العجل ... إلها ... ".]]
* * *
وقد أتينا على ذكر السبب الذي من أجله اتخذوا العجل، وكيف كان أمرهم وأمره، فيما مضى بما فيه الكفاية. [[انظر ما سلف ٢: ٦٣-٦٨.]]
* * *
وقوله:"من بعد ما جاءتهم البينات"، يعني: من بعد ما جاءت هؤلاء الذين سألوا موسى ما سألوا، البينات من الله، والدلالاتُ الواضحات بأنهم لن يروا الله عيانًا جهارًا.
وإنما عنى بـ "البينات": أنها آيات تبين عن أنهم لن يروا الله في أيام حياتهم في الدنيا جهرة. [[انظر تفسير"البينات" فيما سلف ٧: ٤٥٠، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] وكانت تلك الآيات البينات لهم على أن ذلك كذلك: إصعاقُ الله إياهم عند مسألتهم موسى أن يريهم ربه جهرة، ثم إحياءه إياهم بعد مماتهم، مع سائر الآيات التي أراهم الله دلالةً على ذلك.
* * *
= يقول الله، مقبِّحًا إليهم فعلهم ذلك، وموضحًا لعباده جهلهم ونقصَ عقولهم وأحلامهم: ثم أقرُّوا للعجل بأنه لهم إله، وهم يرونه عيانًا، وينظرون إليه جِهَارًا، بعد ما أراهم ربهم من الآيات البينات ما أراهم: أنهم لا يرون ربهم جهرة وعِيانًا في حياتهم الدنيا، فعكفوا على عبادته مصدِّقين بألوهته!!
* * *
وقوله:"فعفونا عن ذلك"، يقول: فعفونا لعبدة العجل عن عبادتهم إياه، [[انظر تفسير"العفو" فيما سلف ص: ٣٥١، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] وللمصدقين منهم بأنه إلههم بعد الذي أراهم الله أنهم لا يرون ربهم في حياتهم من الآيات ما أراهم= عن تصديقهم بذلك، [[السياق: "فعفونا لعبدة العجل ... عن تصديقهم بذلك".]] بالتوبة التي تابوها إلى ربّهم بقتلهم أنفسهم، وصبرهم في ذلك على أمر ربهم="وآتينا موسى سلطانًا مبينًا"، يقول: وآتينا موسى حجة تبين عن صدقه، وحقيقة نبوّته، [[في المطبوعة: "وحقية نبوته"، غير ما في المخطوطة عن وجهه، ظنًا منه أنه خطأ، وقد أشرنا إلى مثل ذلك من فعله فيما سلف ص: ٣٣٦، تعليق: ٤، وما سيأتي بعد قليل ص: ٣٦٣، تعليق ٢.]] وتلك الحجة هي: الآيات البينات التي آتاه الله إياها. [[انظر تفسير"الإيتاء" فيما سلف من فهارس اللغة.
وتفسير"السلطان" فيما سلف ٧: ٢٧٩ / ٩: ٣٣٦، ٣٣٧.
وتفسير"مبين" فيما سلف ص: ٣٣٦ تعليق: ٣، والمراجع هناك.]]
{"ayah":"یَسۡـَٔلُكَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَیۡهِمۡ كِتَـٰبࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ فَقَدۡ سَأَلُوا۟ مُوسَىٰۤ أَكۡبَرَ مِن ذَ ٰلِكَ فَقَالُوۤا۟ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةࣰ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ بِظُلۡمِهِمۡۚ ثُمَّ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَ ٰلِكَۚ وَءَاتَیۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَـٰنࣰا مُّبِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق