الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (٨) ﴾
يقول تعالى ذكره: وإذا مَسَّ الإنسان بلاء في جسده من مرض، أو عاهة، أو شدّة في معيشته، وجهد وضيق ﴿دَعَا رَبَّهُ﴾ يقول: استغاث بربه الذي خلقه من شدة ذلك، ورغب إليه في كشف ما نزل به من شدة ذلك.
* * *
وقوله: ﴿مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾
يقول: تائبا إليه مما كان من قبل ذلك عليه من الكفر به، وإشراك الآلهة والأوثان به في عبادته، راجعا إلى طاعته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ﴾ قال: الوجع والبلاء والشدّة ﴿دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾ قال: مستغيثا به.
* * *
وقوله: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ﴾
يقول تعالى ذكره: ثم إذا منحه ربه نعمة منه، يعني عافية، فكشف عنه ضرّه، وأبدله بالسقم صحة، وبالشدة رخاء.
والعرب تقول لكلّ من أعطى غيره من مال أو غيره: قد خوّله، ومنه قول أبي النجْم العِجْلِيّ:
أعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخَّل ... كُومَ الذرَا مِنْ خَوَلِ المَخَوِّلِ [[البيت لأبي النجم العجلى الراجز المشهور (اللسان: خول) . وهو يمدح إنسانا أنه أعطى من سأله النوق السمينة العالية السنام والذرا: جمع ذروة، وهو أعلى الشيء. وهي مما خوله الله ومنحه، وكان عطاؤه كثيرا، فلم يبخل به، ولم ينسبه أحد إلى البخل. والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورثة ٢١٦) ، عند قوله تعالى:" ثم إذا خوله نعمة منه": كل مال لك، وكل شيء أعطيته فقد خولته؛ قال أبو النجم:" أعطى فلم يبخل ... البيت"]]
⁕ وحُدثت عن أبي عُبيدة معمر بن المثنى أنه قال: سمعت أبا عمرو يقول في بيت زُهَيْر:
هُنَالِكَ إنْ يُسْتَخْوَلُوا المَالَ يُخْوِلوا ... وَإِنْ يُسْأَلُوا يُعْطوا وَإنْ يَيْسِروا يُغْلُوا [[البيت لزهير بن أبي سلمى المزني (مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا ص ٢٣٩) والرواية فيه" يستخلبوا" في موضوع يستخولوا قال في اللسان: والاستخوال أيضا مثل الاستخبال، من أخبلته المال: إذا أعرته ناقة لينتفع بألبانها وأوبارها، أو فرسا يغزو عليه. ومنه قول زهير:" هنالك إن يستخولوا المال ... البيت". ومعنى ييسروا: يقامروا. ويغلوا: يختاروا سمان الإبل بالثمن الغالي، ويقامروا عليها. والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (٢١٦ ب) قال: وسمعت أبا عمرو يقول في بيت زهير" هنالك ... الخ": قال يونس: إنما سمعناه:" هنالك إن يستخلبوا المال". أي يخبلوا: وهو بمعناها.]]
قال معمر: قال يونس: إنما سمعناه:
هُنَالكَ إنْ يُسْتَخْبِلُوا المَالَ يُخْبِلوا [[تقدم الكلام على رواية هذا الشطر من بيت زهير بن أبي سلمى في الشاهد الذي قبله.]]
قال: وهي بمعناها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ) : إذا أصابته عافية أو خير.
* * *
وقوله: ﴿نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾
يقول: ترك دعاءه الذي كان يدعو إلى الله من قبل أن يكشف ما كان به من ضرّ ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ يعني: شركاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿نَسِيَ﴾ يقول: ترك، هذا في الكافر خاصة.
ولـ"ما" التي في قوله: ﴿نَسِيَ مَا كَانَ﴾ وجهان: أحدهما: أن يكون بمعنى الذي، ويكون معنى الكلام حينئذ: ترك الذي كان يدعوه في حال الضر الذي كان به، يعني به الله تعالى ذكره، فتكون"ما" موضوعة عند ذلك موضع"من" كما قيل: ﴿وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ يعني به الله، وكما قيل: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ . والثاني: أن يكون بمعنى المصدر على ما ذكرت. وإذا كانت بمعنى المصدر، كان في الهاء التي في قوله: ﴿إِلَيْهِ﴾ وجهان: أحدهما: أن يكون من ذكر ما. والآخر: من ذكر الربّ.
* * *
وقوله: ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾
يقول: وجعل لله أمثالا وأشباها.
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي جعلوها فيه له أندادا، قال بعضهم: جعلوها له أندادا في طاعتهم إياه في معاصي الله.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ قال: الأنداد من الرجال: يطيعونهم في معاصي الله.
وقال آخرون: عنى بذلك أنه عبد الأوثان، فجعلها لله أندادا في عبادتهم إياها.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى به أنه أطاع الشيطان في عبادة الأوثان، فحصل له الأوثان أندادا، لأن ذلك في سياق عتاب الله إياهم له على عبادتها.
* * *
وقوله: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾
يقول: ليزيل من أراد أن يوحد الله ويؤمن به عن توحيده، والإقرار به، والدخول في الإسلام.
* * *
وقوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: قل يا محمد لفاعل ذلك: تمتع بكفرك بالله قليلا إلى أن تستوفي أجلك، فتأتيك منيتك ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ : أي إنك من أهل النار الماكثين فيها.
* * *
وقوله: ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ﴾
: وعيد من الله وتَهَدُّدٌ.
{"ayah":"۞ وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ ضُرࣱّ دَعَا رَبَّهُۥ مُنِیبًا إِلَیۡهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُۥ نِعۡمَةࣰ مِّنۡهُ نَسِیَ مَا كَانَ یَدۡعُوۤا۟ إِلَیۡهِ مِن قَبۡلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادࣰا لِّیُضِلَّ عَن سَبِیلِهِۦۚ قُلۡ تَمَتَّعۡ بِكُفۡرِكَ قَلِیلًا إِنَّكَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلنَّارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











