الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) ﴾ يقول تعالى ذكره: قال هذا المؤمن الذي أدخل الجنة لأصحابه: ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ في النار، لعلي أرى قريني الذي كان يقول لي: إنك لمن المُصَدِّقين بأنا مبعوثون بعد الممات. * * * وقوله ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ يقول: فاطلع في النار فرآه في وسط الجحيم. وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره، وهو فقالوا: نعم. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ﴿فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ يعني: في وَسَط الجحيم. ⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ﴿فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ يعني: في وَسَط الجحيم. ⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال ثنا عباد بن راشد، عن الحسن، في قوله ﴿فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ يقول: في وسط الجحيم. ⁕ حدثنا ابن سنان، قال: ثنا عبد الصمد، قال ثنا عباد بن راشد، قال: سمعت الحسن، فذكر مثله. ⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا أبو هلال، قال: ثنا قتادة، في قوله ﴿سَوَاءِ الْجَحِيم﴾ قال: وَسَطها. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ قال: سأل ربه أن يطلعه، قال ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ : أي في وسط الجحيم. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن خليد العصري، قال: لولا أن الله عرفه إياه ما عرفه، لقد تغير حبره وسبرة بعده، وذُكر لنا أنه اطلع فرأى جماجم القوم، فقال: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ ⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله، في قوله ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ قال: والله لولا أنه عرفه ما عرفه، لقد غيرت النار حِبْره وسِبْره [[في (اللسان: حبر) الحبر والسبر، الحسن والبهاء.]] . ⁕ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ قال: كان ابن عباس يقرؤها:"هَلْ أنتُمْ مُطْلِعُونِى فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ " قال: في وسط الجحيم. وهذه القراءة التي ذكرها السدي، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ في ﴿مُطَّلِعُونَ﴾ إن كانت محفوظة عنه، فإنها من شواذ الحروف، وذلك أن العرب لا تؤثر في المكنى من الأسماء إذا اتصل بفاعل على الإضافة في جمع أو توحيد، لا يكادون أن يقولوا أنت مُكَلِّمُني ولا أنتما مكلماني ولا أنتم مكلِّموني ولا مكلِّمونني، وإنما يقولون أنت مكلِّمي، وأنتما مكلِّماي، وأنتم مكلمي؛ وإن قال قائل منهم ذلك قاله على وجه الغلط توهما به: أنت تكلمني، وأنتما تكلمانني، وأنتم تكلمونني، كما قال الشاعر: وَما أدْرِي وَظَنِّي كُلَّ ظَن ... أَمُسْلِمُنِي إلى قَوْمي شَرَاحِي؟ [[البيت من شواهد الفرّاء في معاني القرآن (مصورة الجامعة ص ٢٧٢) قال في قوله تعالى " هل أنتم مطلعون" وقرأ بعض القراء " هل أنتم مطلعون فاطلع" فكسر النون، وهو شاذ؛ لأن العرب لا تختار على الإضافة إذا أسندوا فاعلا مجموعا أو موحدا، إلى مكنى عنه. فمن ذلك أن يقولوا: أنت ضاربي ويقولون للاثنين: أنتما ضارباي، وللجميع: أنتم ضاربي ولا يقولون للاثنين أنتما ضاربانني، ولا للجميع: أنتم ضاربونني، وإنما تكون هذه النون يضربونني يضربني، وربما غلط الشاعر، فيذهب إلى المعنى، فيقول: أنت ضاربني يتوهم أنه أراد: هل تضربني، فيكون ذلك على غير صحة قال الشاعر:" وما أدري وظني......البيت"، يريد شراحيل، ولم يقل: أمسلمي، وهو وجه الكلام. وقال آخر: هم القائلون الخير والفاعلونه ... إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما ولم يقل:" الفاعلوه"، وهو وجه الكلام. وإنما اختاروا (العرب) الإضافة في الاسم المكنى، لأنه يختلط بما قبله (أي يلتصق به) فيصير الحرفان كالحرف الواحد، استحبوا الإضافة في المكنى، وقالوا هما ضاربان زيدا، وضاربا زيد، لأن زيدا في ظهوره لا يختلط بما قبله، لأنه ليس بحرف واحد، والمكنى (الضمير) : حرف. فأما قوله"فاطلع" فإنه على جهة فعل ذلك به، كما تقول: دعا فأجيب يا هذا. ويكون: هل أنتم مطلعون فاطلع أنا، فيكون منصوبا بجواب الفاء. اهـ.]] فقال: مسلمني، وليس ذلك وجه الكلام، بل وجه الكلام أمسلمي؛ فأما إذا كان الكلام ظاهرا ولم يكن متصلا بالفاعل، فإنهم ربما أضافوا، وربما لم يضيفوا، فيقال: هذا مكلم أخاك، ومكلم أخيك، وهذان مكلما أخيك، ومكلمان أخاك، وهؤلاء مكلمو أخيك، ومكلمون أخاك؛ وإنما تختار الإضافة في المكنى المتصل بفاعل لمصير الحرفين باتصال أحدهما بصاحبه كالحرف الواحد. * * * وقوله ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ يقول: فلما رأى قرينه في النار قال: تالله إن كدت في الدنيا لتهلكني بصدك إياي عن الإيمان بالبعث والثواب والعقاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله ﴿إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ قال: لتهلكني، يقال منه: أردى فلان فلانا: إذا أهلكه، وردي فلان: إذا هلك، كما قال الأعشى. أفِي الطَّوْفِ خِفْتِ عليّ الرَّدَى ... وَكَمْ مِنْ رَدٍ أهْلَهُ لَمْ يَرِمْ [[البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة ٤١) من قصيدة ميمية مطولة يمدح بها قيس بن معد يكرب. والبيت من أبيات في آخرها يخاطب الشاعر بها ابنته التي تخشى عليه الموت بسبب طول أسفاره وكثرتها، فيرد عليها قائلا: أخفت عليّ الموت بسبب السفر؟ فانظري كم إنسان يموت ولا يبرح ديار أهله! والردى الهلاك، وهو محل الشاهد على قوله تعالى:" إن كدت لتردين" أي إنك كدت تهلكني. قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة الورقة ٢٠٩ - ب) : أرديته: أهلكته وردي هو: أي هلك. اهـ. وقال الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة ٢٧٢) قال:" هل أنتم مطلعون": هذا رجل من أهل الجنة، قد كان له أخ من أهل الكفر، فأحب أن يرى مكانه، فيأذن الله له، فيطلع في النار ويخاطبه، فإذا رآه قال" تالله إن كدت لتردين". وفي قراءة عبد الله. هو بن مسعود:" إن كدت لتغوين، ولولا رحمة ربي لكنت من المحضرين": أي معك في النار محضرا.]] يعني بقوله:"وكم من رَد": وكم من هالك. * * * وقوله ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ يقول: ولولا أن الله أنعم عليّ بهدايته، والتوفيق للإيمان بالبعث بعد الموت، لكنتُ من المحضَرِين معك في عذاب الله. كما:- ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ : أي في عذاب الله. ⁕ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله ﴿لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرِينَ﴾ قال: من المعذبين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب