الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١٦١) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ (١٦٣) وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) ﴾ يقول تعالى ذكره: ﴿فَإِنَّكُمْ﴾ أيها المشركون بالله ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ من الآلهة والأوثان ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ﴾ يقول: ما أنتم على ما تعبدون من دون الله بفاتنين: أي بمضِلِّينَ أحدًا ﴿إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ﴾ يقول: إلا أحدًا سبق في علمي أنه صال الجحيم. وقد قيل: إن معنى ﴿عَلَيْهِ﴾ في قوله ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ﴾ بمعنى به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ﴾ يقول: لا تضلون أنتم، ولا أضل منكم إلا من قد قضيت أنه صال الجحيم. ⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ﴾ يقول: ما أنتم بفاتنين على أوثانكم أحدا، إلا من قد سبق له أنه صال الجحيم. ⁕ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، عن خالد، قال: قلت للحسن، قوله ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ﴾ إلا من أوجب الله عليه أن يَصْلَى الجحيم. ⁕ حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن حماد بن سلمة، عن حميد، قال: سألت الحسن، عن قول الله: ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ﴾ قال: ما أنتم عليه بمضلين إلا من كان في علم الله أنه سيصْلَى الجحيم. ⁕ حدثنا إن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ﴾ : إلا من قدر عليه أنه يَصْلَى الجحيم. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن العشرة الذين دخلوا على عمر بن عبد العزيز، وكانوا متكلمين كلهم، فتكلموا، ثم إن عمر بن عبد العزيز تكلم بشيء، فظننا أنه تكلم بشيء رد به ما كان في أيدينا، فقال لنا: هل تعرفون تفسير هذه الآية: ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ﴾ قال: إنكم والآلهة التي تعبدونها لستم بالذي تفتنون عليها إلا من قَضَيْت عليه أنه يَصْلَى الجحيم. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم ﴿إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيم﴾ قال: ما أنتم بمضلين إلا من كتب عليه إنه يصلى الجحيم. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ حتى بلغ: ﴿صَالِي الْجَحِيمِ﴾ يقول: ما أنتم بمضلين أحدا من عبادي بباطلكم هذا، إلا من تولاكُم بعمل النار. ⁕ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط عن السديّ ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ﴾ بمضلين ﴿إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ﴾ إلا من كتب الله أنه يصلى الجحيم. ⁕ حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ﴾ يقول: لا تضلون بآلهتكم أحدا إلا من سبقت له الشقاوة، ومن هو صال الجحيم. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ﴾ يقول: لا تفتنون به أحدا، ولا تضلونه، إلا من قضى الله أنه صال الجحيم، إلا من قد قضى أنه من أهل النار. وقيل: ﴿بِفَاتِنِينَ﴾ من فتنت أفتن، وذلك لغة أهل الحجاز، وأما أهل نجد فإنهم يقولون: أفتنته فأنا أفتنه. وقد ذُكر عن الحسن أنه قرأ:"إلا مَنْ هُوَ صَالُ الجَحِيمِ" برفع اللام من"صالِ"، فإن كان أراد بذلك الجمع كما قال الشاعر: إذَا ما حاتِم وُجِدَ ابْنَ عَمِّي ... مَجْدَنا منْ تَكَلَّمُ أجْمعِينا [[البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة ٢٧٥) ولم ينسبه. قال: وقد يكون أن تجعل" صالو" جمعا، كما تقول: من الرجال من هو أخوتك. تذهب بهو إلى الاسم المجهول، وتخرج فعله على الجمع، كما قال الشاعر:" إذا ما حاتم ... البيت". ولم يقل تكلموا. واجود ذلك في العربية، إذا أخرجت الكناية، أن تخرجها على المعنى والعدد، لأنك تنوى تحقيق الاسم. اهـ. وفي فتح القدير للشوكاني (٤: ٤٠٣) في تفسير قوله تعالى:" إلا من هو صال الجحيم": قرأ الجمهور:" صال" بكسر اللام، لأنه منقوص مضاف، حذفت الياء للالتقاء الساكنين، وحمل على لفظ من، وأفرد، كما أفرد" هو". وقرأ الحسن وابن أبي عبلة بضم اللام، مع واو بعدها؛ وروى عنهما قرأ بضم اللام بدون واو. فاما مع الواو فعلى انه جمع سلامة بالواو، حملا على معنى" من" وحذفت نون الجمع للإضافة. وأما بدون الواو، فيحتمل أن يكون جمعا، وإنما حذفت الواو خطا، كما حذفت لفظا. ويحتمل أن يكون مفرداً؛ وحقه على هذا كسر اللام. قال النحاس: وجماعة أهل التفسير يقولون: إنه لحن، لأنه لا يجوز: هذا قاض المدينة. والمعنى أن الكفار وما يبعدونه، لا يقدرون على إضلال أحد من عباد الله، إلا من هو من أهل النار. أي يدخلها. اهـ.]] فقال: أجمعينا، ولم يقل: تكلموا، وكما يقال في الرجال: من هو إخوتك، يذهب بهو إلى الاسم المجهول ويخرج فعله على الجمع، فذلك وجه وإن كان غيره أفصح منه؛ وإن كان أراد بذلك واحدا فهو عند أهل العربية لحن، لأنه لحن عندهم أن يقال: هذا رامٌ وقاضٌ، إلا أن يكون سمع في ذلك من العرب لغة مقلوبة، مثل قولهم: شاكُ السلاح، وشاكي السلاح، وعاث وعثا وعاق وعقا، فيكون لغة، ولم أسمع أحدا يذكر سماع ذلك من العرب. * * * وقوله ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ وهذا خبر من الله عن قيل الملائكة أنهم قالوا: وما منا معشر الملائكة إلا من له مقام في السماء معلوم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ قال: الملائكة. ⁕ حدثني يونس، قال: ثنا أسباط، عن السديّ في قوله ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ قال الملائكة. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ هؤلاء الملائكة. ⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ كان مسروق بن الأجدع يروي عن عائشة أنها قالت: قال نبيّ الله ﷺ:"ما فِي سَماءِ الدُّنْيا مَوْضِعُ قَدَمٍ إلا عَلَيْه مَلَكٌ ساجِد أوْ قائم". فذلك قول الملائكة: ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ ⁕ حدثني موسى بن إسحاق الحَبَئِيُّ المعروف بابن القوّاس، قال: ثنا يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: لو أن قطرة من زقوم جهنم أنزلت إلى الدنيا، لأفسدت على الناس معايشهم، وإن ناركم هذه لتعوذ من نار جهنم. ⁕ حدثنا موسى بن إسحاق، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: قال عبد الله بن مسعود: إن ناركم هذه لما أنزلت، ضربت في البحر مرتين ففترت، فلولا ذلك لم تنتفعوا بها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب