الباحث القرآني
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في صفة المعنى الذي أمرت به هذه الطائفة مَنْ أمرَت به: من الإيمان وجهَ النهار، وكفرٍ آخره. [[في المطبوعة: "والكفر آخره" غير ما في المخطوطة، وهو صواب متمكن.]]
فقال بعضهم: كان ذلك أمرًا منهم إياهم بتصديق النبي ﷺ في نبوّته وما جاء به من عند الله، وأنه حق، في الظاهر = [[سياق قوله: "بتصديق النبي ... في الظاهر".]] من غير تصديقه في ذلك بالعزم واعتقاد القلوب على ذلك = وبالكفر به وجحود ذلك كله في آخره.
* ذكر من قال ذلك:
٧٢٣١ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره"، فقال بعضهم لبعض: أعطوهم الرضى بدينهم أوّل النهار، واكفروا آخره، فإنه أجدر أن يصدّقوكم، ويعلموا أنكم قد رأيتم فيهم ما تكرهون، وهو أجدَرُ أن يرجعوا عن دينهم.
٧٢٣٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا خالد، عن حصين، عن أبي مالك في قوله:"آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره"، قال: قالت اليهود: آمنوا معهم أوّل النهار، واكفروا آخره، لعلهم يرجعون معكم.
٧٢٣٣ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون"، كان أحبارُ قُرَى عربيةَ اثني عشر حبرًا، [[في المطبوعة: "قرى عرينة" وهي قراءة فاسدة للمخطوطة، إذ كانت غير منقوطة وجاءت على الصواب في الدر المنثور ٢: ٤٢. وانظر معجم ما استعجم: ٩٢٩، فهو اسم مكان.]] فقالوا لبعضهم: ادخلوا في دين محمد أول النهار، وقولوا:"نشهد أن محمدًا حقّ صادقٌ"، فإذا كان آخر النهار فاكفروا وقولوا:"إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم، فحدَّثونا أن محمدًا كاذب، وأنكم لستم على شيء، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم"، لعلهم يشكّون، يقولون: هؤلاء كانوا معنا أوّل النهار، فما بالهم؟ فأخبر الله عز وجل رسوله ﷺ بذلك.
٧٢٣٤ - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن حصين، عن أبي مالك الغفاري قال: قالت اليهود بعضهم لبعض: أسلِموا أول النهار، وارتدُّوا آخره لعلهم يرجعون. فأطلع الله على سرّهم، فأنزل الله عز وجل: "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون".
* * *
وقال آخرون: بل الذي أمرَت به من الإيمان: الصلاةُ، وحضورها معهم أول النهار، وتركُ ذلك آخرَه.
* ذكر من قال ذلك:
٧٢٣٥ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:"آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار"، يهودُ تقوله. صلَّت مع محمد صلاةَ الصبح، وكفروا آخرَ النهار، مكرًا منهم، ليُرُوا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالةُ، بعد أن كانوا اتَّبعوه.
٧٢٣٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمثله.
٧٢٣٧ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار"، الآية، وذلك أنّ طائفة من اليهود قالوا: إذا لقيتم أصحابَ محمد ﷺ أوّل النهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم، لعلهم يقولون: هؤلاء أهلُ الكتاب، وهم أعلم منا! لعلهم ينقلبون عن دينهم، ولا تُؤمنوا إلا لمن تَبع دينكم.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا:"وقالت طائفة من أهل الكتاب"، يعني: من اليهود الذين يقرأون التوراة ="آمنوا" صدّقوا ="بالذي أنزل على الذين آمنوا"، وذلك ما جاءهم به محمد ﷺ من الدين الحقّ وشرائعه وسننه ="وجه النهار"، يعني: أوّل النهار.
* * *
وسمَّى أوّله"وجهًا" له، لأنه أحسنه، وأوّلُ ما يواجه الناظرَ فيراه منه، كما يقال لأول الثوب:"وجهه"، وكما قال ربيع بن زياد:
مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بمَقْتَلِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ [[مجاز القرآن ١: ٩٧، حماسة أبي تمام ٣: ٢٦، والأغاني ١٦: ٢٧، والخزانة ٣: ٥٣٨، واللسان (وجه) وغيرها، من أبياته التي قالها حين قتل حميمه مالك بن زهير، وحمى لقتله، واستعد لطلب ثأره، وبعد البيت، وهو من تمامه. يَجِدِ النَّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ ... يَبْكِينَ قَبْلَ تَبَلُّج الأسْحَارِ
قَدْ كُنَّ يَخْبَأْنَ الوُجُوهُ تَسَتُّرًا ... فَالْيَوْمَ حِينَ بَرَزْنَ للنظّارِ
يَخْمِشنَ حُرَّاتِ الوُجُوهِ عَلَى امْرِئٍ ... سَهْلِ الخليقةِ طَيِّبِ الأخبارِ
قالوا في معنى البيت الشاهد: "يقول: من كان مسرورًا بمقتل مالك، فلا يشتمن به، فإنا قد أدركنا ثأره به. وذلك أن العرب كانت تندب قتلاها بعد إدراك الثأر". ومعنى البيت عندي شبيه بذلك، إلا أن قوله: "فليأت نسوتنا بوجه نهار"، أراد به أنه مدرك ثأره من فوره، فمن شاء أن يعرف برهان ذلك، فليأت ليشهد المأتم قد قام يبكيه في صبيحة مقتله. يذكر تعجيله في إدراك الثأر، كأنه قد كان. وتأويل ذلك أنه قال هذه الأبيات لامرأته قبل مخرجه إلى قتال الذين قتلوا مالكًا، فقال لامرأته ذلك، يعلمها أنه مجد في طلب الثأر، وأنه لن يمرض في طلبه، بل هو مدركه من فوره هذا.]]
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٧٢٣٨ - حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وجه النهار"، أوّلَ النهار.
٧٢٣٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"وجه النهار"، أول النهار ="واكفروا آخره"، يقول: آخر النهار.
٧٢٤٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره) ، قال قال: صلوا معهم الصبح، ولا تصلّوا معهم آخرَ النهار، لعلكم تستزلُّونهم بذلك.
* * *
وأما قوله:"واكفروا آخره"، فإنه يعني به، أنهم قالوا: واجحدوا ما صدَّقتم به من دينهم في وَجه النهار، في آخر النهار ="لعلهم يرجعون": يعني بذلك: لعلهم يرجعون عن دينهم معكم ويَدَعونه: كما:-
٧٢٤١ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"لعلهم يرجعون"، يقول: لعلهم يدَعون دينهم، ويرجعون إلى الذي أنتم عليه.
٧٢٤٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
٧٢٤٣ - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"لعلهم يرجعون"، لعلهم ينقلبون عن دينهم.
٧٢٤٤ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"لعلهم يرجعون"، لعلهم يشكّون.
٧٢٤٥ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله:"لعلهم يرجعون"، قال: يرجعون عن دينهم.
{"ayah":"وَقَالَت طَّاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ ءَامِنُوا۟ بِٱلَّذِیۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوۤا۟ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











