الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ثم أنزل الله، أيها المؤمنون من بعد الغم الذي أثابكم ربكم بعد غم تقدمه قبله ="أمنة"، وهي الأمان، [[انظر تفسير"الأمن" فيما سلف ٣: ٢٩ / ٤: ٨٧.]] على أهل الإخلاص منكم واليقين، دون أهل النفاق والشك.
* * *
ثم بين جل ثناؤه، عن"الأمنة" التي أنزلها عليهم، ما هي؟ فقال ="نعاسًا"، بنصب"النعاس" على الإبدال من"الأمنة".
* * *
ثم اختلفت القرأة في قراءة قوله:"يغشى".
فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والمدينة والبصرة وبعض الكوفيين بالتذكير بالياء: ﴿يَغْشَى﴾ .
* * *
وقرأ جماعة من قرأة الكوفيين بالتأنيث: ﴿تَغْشَى﴾ بالتاء.
* * *
وذهب الذين قرأوا ذلك بالتذكير، إلى أن النعاس هو الذي يغشى الطائفة من المؤمنين دون الأمَنة، فذكَّره بتذكير"النعاس".
وذهب الذين قرأوا ذلك بالتأنيث، إلى أنّ الأمَنة هي التي تغشاهم فأنثوه لتأنيث"الأمنة".
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، غير مختلفتين في معنى ولا غيره. لأن"الأمنة" في هذا الموضع هي النعاس، والنعاس هو الأمنة. فسواء ذلك، [[في المطبوعة: "وسواء ذلك" بالواو، والصواب من المخطوطة.]] وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ الحقَّ في قراءته. وكذلك جميع ما في القرآن من نظائره من نحو قوله: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثِيمِ كَالْمُهْلِ تَغْلِي فِي الْبُطُونِ﴾ [سورة الدخان: ٤٣-٤٥] و ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ تُمْنَى﴾ [سورة القيامة: ٣٧] ، ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ﴾ [سورة مريم: ٢٥] . [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٤٠.]] .
* * *
فإن قال قائل: وما كان السبب الذي من أجله افترقت الطائفتان اللتان ذكرهما الله عز وجل فيما افترقتا فيه من صفتهما، فأمِنت إحداهما بنفسها حتى نعست، وأهمَّت الأخرى أنفسها حتى ظنت بالله غير الحق ظن الجاهلية؟
قيل: كان سبب ذلك فيما ذكر لنا، كما:-
٨٠٧٢- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أن المشركين انصرفوا يوم أحد بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين، فواعدوا النبي ﷺ بدرًا من قابلٍ، فقال نعم! نعم! فتخوف المسلمون أن ينزلوا المدينة، فبعث رسول الله ﷺ رجلا فقال: "انظر، فإن رأيتهم قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم، [[الأثقال جمع ثقل (بفتحتين) : وهو متاع المسافر، وعنى به الإبل التي تحمل المتاع. وجنب الفرس والأسير وغيره: قاده إلى جنبه.]] فإن القوم ذاهبون، وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم وجنبوا أثقالهم، [[في المطبوعة والمخطوطة والدر المنثور ٢: ٨٧: "وجنبوا على أثقالهم"، والصواب الذي لا شك فيه حذف"على".]] فإن القوم ينزلون المدينة، فاتقوا الله واصبروا" ووطَّنهم على القتال. فلما أبصرهم الرسولُ قعدوا على الأثقال سراعًا عجالا نادى بأعلى صوته بذهابهم. فلما رأى المؤمنون ذلك صدَّقوا نبي الله ﷺ فناموا، وبقى أناس من المنافقين يظنون أنّ القوم يأتونهم. فقال الله جل وعز، يذكر حين أخبرهم النبي ﷺ إن كانوا ركبوا الأثقال فإنهم منطلقون فناموا:"ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسًا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ويظنون بالله غير الحقّ ظن الجاهلية".
٨٠٧٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: أمَّنهم يومئذ بنعاس غشَّاهم. وإنما ينعُسُ من يأمن ="يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية".
٨٠٧٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة قال: كنت فيمن أنزل عليه النعاس يوم أحد أمنة، حتى سقط من يدي مرارًا = قال أبو جعفر: يعني سوطه، أو سيفه.
٨٠٧٥- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أبي طلحة قال: رفعت رأسي يوم أحُد، فجعلت ما أرى أحدًا من القوم إلا تحت حجفته يميد من النعاس. [["الحجفة": ضرب من الترسة، تتخذ من جلود الإبل مقورة، يطارق بعضها على بعض، ليس فيه خشب، وهي الحجفة والدرقة."ماد يميد": مال وتحرك واضطرب.]] .
٨٠٧٦- حدثنا ابن بشار وابن المثني قالا حدثنا أبو داود قال، حدثنا عمران، عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة قال: كنت فيمن صبَّ عليه النعاس يوم أحد.
٨٠٧٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا أنس بن مالك: عن أبي طلحة: أنه كان يومئذ ممن غشِيه النعاس، قال: كان السيف يسقط من يدي ثم آخذه، من النعاس.
٨٠٧٨- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ذكر لنا، والله أعلم، عن أنس: أن أبا طلحة حدثهم: أنه كان يومئذ ممن غشيه النعاس، قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه، ويسقط = والطائفة الأخرى المنافقون، ليس لهم همَّة إلا أنفسهم،"يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية"، الآية كلها.
٨٠٧٩- حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال، حدثنا ضرار بن صُرد قال، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبيه قال: سألت عبد الرحمن بن عوف عن قول الله عز وجل:"ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمَنةً نعاسًا". قال: ألقي علينا النوم يوم أحد.
٨٠٨٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسًا"، الآية، وذاكم يوم أحد، كانوا يومئذ فريقين، فأما المؤمنون فغشّاهم الله النعاس أمنةً منه ورحمة.
٨٠٨١- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، نحوه.
٨٠٨٢- حدثنا المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله:"أمنة نعاسًا"، قال: ألقي عليهم النعاس، فكان ذلك أمنةً لهم.
٨٠٨٣- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين قال، قال عبد الله: النعاس في القتال أمنة، والنعاس في الصلاة من الشيطان.
٨٠٨٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسًا"، قال: أنزل النعاس أمنة منه على أهل اليقين به، فهم نيامٌ لا يخافون. [[الأثر: ٨٠٨٤- سيرة ابن هشام ٣: ١٢٢، وهو من تتمة الأثار التي آخرها: ٨٠٦٧.]]
٨٠٨٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"أمنة نعاسًا"، قال: ألقى الله عليهم النعاس، فكان"أمنة لهم". وذكر أن أبا طلحة قال: ألقي عليًّ النعاس يومئذ، فكنت أنعس حتى يسقط سيفي من يدي.
٨٠٨٦- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا إسحاق بن إدريس قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، أخبرنا ثابت، عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة = وهشام بن عروة، عن عروة، عن الزبير، أنهما قالا لقد رفعنا رءوسنا يوم أحد، فجعلنا ننظر، فما منهم من أحد إلا وهو يميل بجنب حجفته. قال: وتلا هذه الآية:"ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنةً نعاسًا".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه:"وطائفة منكم"، أيها المؤمنون ="قد أهمتهم أنفسهم"، يقول: هم المنافقون لا هم لهم غير أنفسهم، فهم من حذر القتل على أنفسهم، وخوف المنية عليها في شغل، قد طار عن أعينهم الكرى، يظنون بالله الظنون الكاذبة، ظن الجاهلية من أهل الشرك بالله، شكًا في أمر الله، وتكذيبًا لنبيه ﷺ، وَمحْسَبة منهم أن الله خاذل نبيه ومُعْلٍ عليه أهل الكفر به، [[حسب الشيء يحسبه (بكسر السين) حسبانًا (بكسر الحاء) ومحسبة ومحسبة (بكسر السين وفتحها) ، ظنه طنًا.]] يقولون: هل لنا من الأمر من شيء. كالذي:-
٨٠٨٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: والطائفة الأخرى: المنافقون، ليس لهم همٌّ إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبُه وأخذله للحق، يظنون بالله غير الحق ظنونًا كاذبة، إنما هم أهل شك وريبة في أمر الله: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ .
٨٠٨٨- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: والطائفة الأخرى المنافقون، ليس لهم همة إلا أنفسهم، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا﴾ قال الله عز وجل: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ الآية.
٨٠٨٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"وطائفة قد أهمتهم أنفسهم"، قال: أهل النفاق قد أهمتهم أنفسهم تخوُّف القتل، وذلك أنهم لا يرجون عاقبةٌ. [[الأثر: ٨٠٨٩- سيرة ابن هشام ٣: ١٢٢، وهو تتمة الآثار التي آخرها: ٨٠٨٤.]]
٨٠٩٠- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"وطائفة قد أهمتهم أنفسهم" إلى آخر الآية، قال: هؤلاء المنافقون.
* * *
وأما قوله:"ظنّ الجاهلية"، فإنه يعني أهل الشرك. كالذي:-
٨٠٩١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"ظنّ الجاهلية"، قال: ظن أهل الشرك.
٨٠٩٢- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله:"ظن الجاهلية"، قال: ظن أهل الشرك.
* * *
قال أبو جعفر: وفي رفع قوله:"وطائفة"، وجهان.
أحدهما، أن تكون مرفوعة بالعائد من ذكرها في قوله:"قد أهمتهم".
والآخر: بقوله:"يظنون بالله غير الحق"، ولو كانت منصوبة كان جائزًا، وكانت"الواو"، في قوله:"وطائفة"، ظرفًا للفعل، بمعنى: وأهمت طائفة أنفسهم، كما قال ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [سورة الذاريات: ٤٧] . [[قد استقصى هذا الباب من العربية، الفراء في معاني القرآن ١: ٢٤٠ - ٢٤٢.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك الطائفة المنافقةَ التي قد أهمَّتهم أنفسهم، يقولون: ليس لنا من الأمر من شيء، قل إن الأمر كله لله، ولو كان لنا من الأمر شيء ما خرجنا لقتال من قاتلنا فقتلونا. كما:-
٨٠٩٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قيل لعبد الله بن أبيّ: قُتل بنو الخزرج اليوم! قال: وهل لنا من الأمر من شيء؟ قيل إنّ الأمر كله لله!. [[في المطبوعة: "قل إن الأمر كله لله" كنص الآية، وأثبت ما في المخطوطة.]]
* * *
وهذا أمر مبتدأ من الله عز وجل، يقول لنبيه محمد ﷺ: قل، يا محمد، لهؤلاء المنافقين:"إن الأمر كله لله"، يصرفه كيف يشاء ويدبره كيف يحبّ.
ثم عاد إلى الخبر عن ذكر نفاق المنافقين، فقال:"يُخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك" يقول: يخفي، يا محمد، هؤلاء المنافقون الذين وصفتُ لك صفتهم، في أنفسهم من الكفر والشك في الله، ما لا يبدون لك. ثم أظهر نبيَّه ﷺ على ما كانوا يخفونه بينهم من نفاقهم، والحسرة التي أصابتهم على حضورهم مع المسلمين مشهدهم بأحد، فقال مخبرًا عن قيلهم الكفرَ وإعلانهم النفاقَ بينهم:"يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا"، يعني بذلك، أنّ هؤلاء المنافقين يقولون: لو كان الخروج إلى حرب من خرجنا لحربه من المشركين إلينا، ما خرجنا إليهم، ولا قُتل منا أحد في الموضع الذي قتلوا فيه بأحد.
* * *
وذكر أن ممن قال هذا القول، معتّب بن قشير، أخو بني عمرو بن عوف.
*ذكر الخبر بذلك:
٨٠٩٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، قال، قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير قال: والله إنّي لأسمع قول معتِّب بن قشير، أخي بني عمرو بن عوف، والنعاسُ يغشاني، ما أسمعه إلا كالحلم حين قال: لوْ كان لنا من الأمر شيء ما قُتلنا هاهنا! [[لم أجد نص الخبر في سيرة ابن هشام، في خبر أحد، ولكني وجدت معناه والإشارة إليه قبل أحد في ذكر من اجتمع إلى يهود من منافقي الأنصار ٢: ١٦٩.]]
٨٠٩٥- حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثني أبي، عن ابن إسحاق قال، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، بمثله.
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق: ﴿قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ﴾ ، بنصب"الكل" على وجه النعت لـ"الأمر" والصفة له.
* * *
وقرأه بعض قرأة أهل البصرة: ﴿قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ برفع"الكل"، على توجيه"الكل" إلى أنه اسم، وقوله"لله" خبره، كقول القائل:"إن الأمر بعضه لعبد الله. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٤٣.]] .
* * *
وقد يجوز أن يكون"الكل" في قراءة من قرأه بالنصب، منصوبًا على البدل.
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي هي القراءة عندنا، النصبُ في"الكل" لإجماع أكثر القرأة عليه، من غير أن تكون القراءة الأخرى خطأ في معنى أو عربية. ولو كانت القراءة بالرفع في ذلك مستفيضة في القرأة، لكانت سواءً عندي القراءةُ بأيِّ ذلك قرئ، لاتفاق معاني ذلك بأيَ وجهيه قرئ.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور (١٥٤) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قل، يا محمد، للذين وصفت لك صفتهم من المنافقين: لو كنتم في بيوتكم لم تشهدوا مع المؤمنين مشهدهم، ولم تحضروا معهم حرب أعدائهم من المشركين، فيظهرَ للمؤمنين ما كنتم تخفونه من نفاقكم، وتكتمونه من شككم في دينكم [[في المطبوعة: "من شرككم في دينكم"، والصواب من المخطوطة.]] ="لبرز الذين كُتب عليهم القتل"، يقول: لظهر للموضع الذي كتب عليه مصرعه فيه، من قد كتب عليه القتل منهم، [[انظر تفسير"برز" فيما سلف ٥: ٣٥٤.]] ولخرج من بيته إليه حتى يصرع في الموضع الذي كُتب عليه أن يصرع فيه. [[في المطبوعة: "ويخرج من بيته"، لم يحسن قراءة المخطوطة.]] .
* * *
وأما قوله:"وليبتلي الله ما في صدوركم"، فإنه يعني به: وليبتلي الله ما في صدوركم، أيها المنافقون، كنتم تبرزون من بيوتكم إلى مضاجعكم.
* * *
ويعني بقوله:"وليبتلي الله ما في صدوركم"، وليختبر الله الذي في صدوركم من الشك، فيميِّزكم = بما يظهره للمؤمنين من نفاقكم = من المؤمنين. [[انظر تفسير"الابتلاء" فيما سلف ٧: ٢٩٧ تعليق: ١، والمراجع هناك.]]
* * *
وقد دللنا فيما مضى على أنّ معاني نظائر قوله:"ليبتلي الله" و"وليعلم الله" وما أشبه ذلك، وإن كان في ظاهر الكلام مضافًا إلى الله الوصف به، فمرادٌ به أولياؤه وأهل طاعته = [[انظر ما سلف قريبًا ص: ٢٤٦، تعليق ٢، / ثم انظر ٣: ١٦٠ - ١٦٢.]] وأنّ معنى ذلك: وليختبر أولياءُ الله، وأهل طاعته الذي في صدوركم من الشك والمرض، فيعرفوكم، [فيميّزوكم] من أهل الإخلاص واليقين ="وليمحص ما في قلوبكم"، يقول وليتبينوا ما في قلوبكم من الاعتقاد لله ولرسوله ﷺ وللمؤمنين من العداوة أو الولاية. [[انظر تفسير"محص" فيما سلف ص: ٢٤٤.]]
* * *
"والله عليم بذات الصدور"، يقول: والله ذو علم بالذي في صدور خلقه من خير وشر، وإيمان وكفر، لا يخفى عليه شيء من أمورهم، سرائرها علانيتها، وهو لجميع ذلك حافظ، حتى يجازي جميعهم جزاءهم على قدر استحقاقهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن إسحاق يقول:
٨٠٩٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ذكر الله تلاومَهم -يعني: تلاوم المنافقين - وحسرتهم على ما أصابهم، ثم قال لنبيه ﷺ قل:"لو كنتم في بيوتكم"، لم تحضروا هذا الموضع الذي أظهر الله جل ثناؤه فيه منكم ما أظهر من سرائركم، لأخرج الذي كتب عليهم القتل إلى موطن غيره يصرعون فيه، حتى يبتلي به ما في صدوركم ="وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور"، أي لا يخفى عليه ما في صدورهم، [[في المطبوعة"لا يخفى عليه شيء مما في صدورهم"، وفي المخطوطة"لا يخفى عليه شيء ما في صدورهم"، وضرب بالقلم على"شيء"، ولكن الناشر آثر إثباتها، وجعل"ما""مما"، والصواب المطابق لنص السيرة هو ما أثبت.]] مما اسْتَخْفَوْا به منكم. [[الأثر: ٨٠٩٦- سيرة ابن هشام ٣: ١٢٢، وهو تتمة الآثار التي آخرها: ٨٠٨٩.]]
٨٠٩٧- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا الحارث بن مسلم، عن بحر السقاء، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن قال: سئل عن قوله:"قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم"، قال: كتب الله على المؤمنين أن يقاتلوا في سبيله، وليس كل من يقاتل يُقتل، ولكن يُقتل من كَتب الله عليه القتل. [[الأثر: ٨٠٩٧-"الحارث بن مسلم الرازي المقرئ"، روى عن الثوري، والربيع بن صبيح وغيرهما. قال أبو حاتم: "الحارث بن مسلم، عابد، شيخ ثقة صدوق. رأيته وصليت خلفه". مترجم في ابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٨٨.
و"بحر السقاء"، هو"بحر بن كنيز الباهلي السقاء أبو الفضل" روي عن الحسن، والزهري وقتادة. وهو جد"عمرو بن علي الفلاس". وروى عنه الثوري وكناه ولم يسمه، قال يحيى بن سعيد القطان: "كان سفيان الثوري يحدثني، فإذا حدثني عن رجل يعلم أني لا أرضاه كناه لي، فحدثني يوما قال حدثني أبو الفضل، يعني بحرًا السقاء". وقال يحيى بن معين: "بحر السقاء، لا يكتب حديثه". وهو متروك. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٤١٨.]]
{"ayah":"ثُمَّ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةࣰ نُّعَاسࣰا یَغۡشَىٰ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنكُمۡۖ وَطَاۤىِٕفَةࣱ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ یَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِۖ یَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَیۡءࣲۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ یُخۡفُونَ فِیۤ أَنفُسِهِم مَّا لَا یُبۡدُونَ لَكَۖ یَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَیۡءࣱ مَّا قُتِلۡنَا هَـٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِی بُیُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِینَ كُتِبَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِیَبۡتَلِیَ ٱللَّهُ مَا فِی صُدُورِكُمۡ وَلِیُمَحِّصَ مَا فِی قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق