الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"والذين إذا فعلوا فاحشة"، أن الجنة التي وصف صفتها أعدت للمتقين، المنفقين في السراء والضراء، والذين إذا فعلوا فاحشة. وجميع هذه النعوت من صفة"المتقين"، الذين قال تعالى ذكره:"وجنة عرضُها السموات والأرض أعدت للمتقين"، كما:-
٧٨٤٤- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية:"الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، ثم قرأ:"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم" إلى"أجر العاملين"، فقال: إن هذين النعتين لنعت رجل واحد.
٧٨٤٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد:"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم"، قال: هذان ذنبان،"الفاحشة"، ذنب،"وظلموا أنفسهم" ذنب.
* * *
وأما"الفاحشة"، فهي صفة لمتروك، ومعنى الكلام: والذين إذا فعلوا فعلة فاحشة.
* * *
ومعنى"الفاحشة"، الفعلة القبيحة الخارجة عما أذِن الله عز وجل فيه. وأصل"الفحش": القبح، والخروج عن الحد والمقدار في كل شيء. ومنه قيل للطويل المفرط الطول:"إنه لفاحش الطول"، يراد به: قبيح الطول، خارج عن المقدار المستحسن. ومنه قيل للكلام القبيح غير القصد:"كلام فاحش"، وقيل للمتكلم به:"أفحش في كلامه"، إذا نطق بفُحش [[انظر تفسير"الفحشاء" فيما سلف ٣: ٣٠٣ / ٤: ٥٧١.]] .
* * *
وقيل: إن"الفاحشة" في هذا الموضع، معنىٌّ بها الزنا.
* ذكر من قال ذلك:
٧٨٤٦- حدثنا العباس بن عبد العظيم قال، حدثنا حبان قال، حدثنا حماد، عن ثابت، عن جابر:"والذين إذا فعلوا فاحشة"، قال: زنى القوم وربّ الكعبة.
٧٨٤٧- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"والذين إذا فعلوا فاحشة"، أما"الفاحشة"، فالزنا.
* * *
وقوله:"أو ظلموا أنفسهم"، يعني به: فعلوا بأنفسهم غير الذي كان ينبغي لهم أن يفعلوا بها. والذي فعلوا من ذلك، ركوبهم من معصية الله ما أوجبوا لها به عقوبته، كما:-
٧٨٤٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قوله:"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم"، قال: الظلم من الفاحشة، والفاحشة من الظلم.
* * *
وقوله:"ذكروا الله"، يعني بذلك: ذكروا وعيد الله على ما أتوا من معصيتهم إياه ="فاستغفروا لذنوبهم"، يقول: فسألوا ربهم أن يستُر عليهم ذنوبهم بصفحه لهم عن العقوبة عليها ="ومن يغفر الذنوب إلا الله"، يقول: وهل يغفر الذنوب -أي يعفو عن راكبها فيسترها عليه- إلا الله ="ولم يصروا على ما فعلوا"، يقول: ولم يقيموا على ذنوبهم التي أتوها، ومعصيتهم التي ركبوها ="وهم يعلمون"، يقول: لم يقيموا على ذنوبهم عامدين للمقام عليها، وهم يعلمون أنّ الله قد تقدم بالنهي عنها، وأوعد عليها العقوبةَ من ركبها.
* * *
وذكر أن هذه الآية أنزلت خصوصًا بتخفيفها ويسرها أُمَّتَنا، [[في المطبوعة: "أمنا"، مكان"أمتنا"، أخطأ الناشر الأول قراءتها، لأنها غير منقوطة في المخطوطة، وقوله: "أمتنا" منصوب، مفعول به لقوله: "خصوصًا". أي: قد خص الله بتخفيفها ويسرها أمتنا.]] مما كانت بنو إسرائيل ممتحنة به من عظيم البلاء في ذنوبها.
٧٨٤٩- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبى رباح: أنهم قالوا: يا نبي الله، بنو إسرائيل أكرم على الله منا! كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه:"اجدع أذنك"،"اجدع أنفك"،"افعل"! فسكت رسول الله ﷺ، فنزلت:"وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين" إلى قوله:"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم"، فقال رسول الله ﷺ:"ألا أخبركم بخير من ذلك"؟ فقرأ هؤلاء الآيات.
٧٨٥٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني عمر بن أبي خليفة العبدي قال، حدثنا علي بن زيد بن جدعان قال: قال ابن مسعود: كانت بنو إسرائيل إذا أذنبوا أصبح مكتوبًا على بابه الذنب وكفارته، فأعطينا خيرًا من ذلك، هذه الآية. [[الأثر: ٧٨٥٠-"عمر بن أبي خليفة العبدي"، واسم"أبي خليفة": "حجاج بن عتاب"، ثقة مات سنة ١٨٩، مترجم في التهذيب، وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عمر بن خليفة" وهو خطأ.]]
٧٨٥١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني قال: لما نزلت:"ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه"، بكى إبليس فزعًا من هذه الآية.
٧٨٥٢- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني قال: بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية:"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم"، بكى.
٧٨٥٣- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت عثمان مولى آل أبي عقيل الثقفي قال، سمعت علي بن ربيعة يحدِّث، عن رجل من فزارة يقال له أسماء -و: ابن أسماء-، عن علي قال: كنت إذا سمعتُ من رسول الله ﷺ شيئًا نفعني الله بما شاء أن ينفعني [منه] ، فحدثني أبو بكر -وصدق أبو بكر- عن النبي ﷺ قال:"ما من عبد -قال شعبة: وأحسبه قال: مسلم- يذنب ذنبًا، ثم يتوضأ، ثم يصلي ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب [إلا غفر له] = وقال شعبة: وقرأ إحدى هاتين الآيتين: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ . [[الحديث: ٧٨٥٣- عثمان مولى آل أبي عقيل الثقفي: هو عثمان بن المغيرة مولى ثقيف. وسيأتي باسم أبيه في الحديث التالي لهذا. وهو ثقة، وثقه أحمد، وابن معين وغيرهما.
علي بن ربيعة بن فضلة الوالبي الأسدي: تابعي ثقة، روى له الشيخان وأصحاب السنن. أسماء أو ابن أسماء؛ هكذا شك فيه شعبة. وغيره لم يشك فيه. وهو أسماء بن الحكم الفزاري، كما سيأتي في الإسناد التالي لهذا. وهو تابعي ثقة، وثقه العجلي وغيره. وترجمه ابن أبي حاتم ١ / ١ / ٣٢٥، فلم يذكر فيه جرحًا.
وترجمه البخاري في الكبير ١ / ٢ / ٥٥، وأشار إلى روايته هذا الحديث، ثم قال: "ولم يتابع عليه. وقد روى أصحاب النبي ﷺ بعضهم عن بعض، فلم يحلف بعضهم بعضًا". وهذا لا يقدح في صحة الحديث، كما قال الحافظ المزي.
والحديث رواه الطيالسي، عن شعبة، بهذا الإسناد. وهو أول حديث في مسنده المطبوع.
ورواه أحمد في المسند، برقم: ٤٨، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، به. ورواه أيضًا، برقم: ٤٧، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة.
ورواه أيضًا، برقم: ٥٦، عن أبي كامل، عن أبي عوانة، عن عثمان بن أبي زرعة، عن علي بن ربيعة. و"عثمان بن أبي زرعة": هو عثمان بن المغيرة الثقفي. وكذلك رواه الترمذي ١: ٣١٣ - ٣١٤ (رقم: ٤٠٦ بشرحنا) . عن قتيبة، عن أبي عوانة. وكذلك رواه أيضا في كتاب التفسير ٤: ٨٤، بهذا الإسناد.
وقال في الموضع الأول: "حديث على حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث عثمان بن المغيرة. وروى عنه شعبة وغير واحد، فرفعوه مثل حديث أبي عوانة. ورواه سفيان الثوري ومسعر فأوقفاه، ولم يرفعاه إلى النبي ﷺ"! وقال نحو ذلك في الموضع الثاني. كأنه يريد تعليل المرفوع بالموقوف. وما هي بعلة. ولكنه وهم -رحمه الله- وهمًا شديدًا فيما نسب إلى مسعر وسفيان. وها هي ذي روايتهما عقب هذه الرواية، مرفوعة أيضًا. ولعل له عذرًا أن تكون روايتهما وقعت له موقوفة]]
٧٨٥٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = وحدثنا الفضل بن إسحاق قال، حدثنا وكيع = عن مسعر وسفيان، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن علي بن ربيعة الوالبي، عن أسماء بن الحكم الفزاري، عن علي بن أبي طالب قال: كنت إذا سمعت من رسول الله ﷺ حديثًا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدَّقته. وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر، أنه قال: قال رسول الله ﷺ: ما من رجل يذنب ذنبًا ثم يتوضأ، ثم يصلي = قال أحدهما: ركعتين، وقال الآخر:"ثم يصلي = ويستغفر الله، إلا غفر له". [[الحديث: ٧٨٥٤- هو تكرار للحديث السابق، ولكنه مختصر قليلا. والفضل بن إسحاق - شيخ الطبري: لم أعرف من هو؟ ولم أجد له ترجمة. ولعله محرف عن اسم آخر.
والحديث من هذا الوجه رواه أحمد في المسند، برقم: ٢، عن وكيع، عن مسعر وسفيان، بهذا الإسناد، مرفوعًا أيضًا. فهو يرد على الترمذي ادعاءه أن سفيان ومسعرًا روياه موقوفًا.
وقد نقله ابن كثير ٢: ٢٤٦، عن رواية المسند هذه. ثم قال: "وهكذا رواه علي بن المديني، والحميدي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأهل السنن، وابن حبان في صحيحه، والبزار، والدارقطني - من طرق، عن عثمان بن المغيرة، به".
وذكره السيوطي ٢: ٧٧، وزاد نسبته لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب.
وذكره المنذري في الترغيب والترهيب ١: ٢٤١، مختصرًا، ونسبه لبعض من ذكرنا، ثم قال: "وذكره ابن خزيمة في صحيحه بغير إسناد، وذكر فيه الركعتين".]]
٧٨٥٥- حدثنا الزبير بن بكار قال، حدثني سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أخيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب أنه قال: ما حدثني أحدٌ عن رسول الله ﷺ إلا سألته أن يقسم لي بالله لَهُوَ سمعه من رسول الله ﷺ، إلا أبا بكر، فإنه كان لا يكذب. قال علي رضي الله عنه: فحدثني أبو بكر، أنّ رسول الله ﷺ قال: ما من عبد يذنب ذنبًا ثم يقوم عند ذكر ذنبه فيتوضأ، ثم يصلي ركعتين، ويستغفر الله من ذنبه ذلك، إلا غفره الله له. [[الحديث: ٧٨٥٥- وهذا إسناد ثالث للحديث السابق. ولكنه إسناد ضعيف جدًا. الزبير بن بكار - شيخ الطبري: ثقة ثبت عالم بالنسب، عارف بأخبار المتقدمين. وهو ابن أخي المصعب بن عبد الله الزبيري، صاحب كتاب"نسب قريش".
سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري: قال أبو حاتم - فيما روى عنه ابنه ٢ / ١ / ٨٥: "هو في نفسه مستقيم، وبليته أنه يحدث عن أخيه عبد الله بن سعيد، وعبد الله بن سعيد ضعيف الحديث، ولا يحدث عن غيره. فلا أدري، منه أو من أخيه؟ ". وأخوه: هو عبد الله بن سعيد المقبري، وهو ضعيف جدًا، رمي بالكذب. والإسنادان السابقان كافيان كل الكفاية لصحة الحديث، دون هذا الإسناد الواهي.]]
* * *
وأما قوله"ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم"، فإنه كما بينا تأويله.
وبنحو ذلك كان أهل التأويل يقولون:
٧٨٥٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحاق:"والذين إذا فعلوا فاحشة"، أي إن أتوا فاحشة ="أو ظلموا أنفسهم" بمعصية، ذكروا نهي الله عنها، وما حرَّم الله عليهم، فاستغفروا لها، وعرفوا أنه لا يغفر الذنوبَ إلا هو. [[الأثر: ٧٨٥٦- ابن هشام ٣: ١١٥، ١١٦ - وهو تتمة الآثار التي آخرها رقم: ٧٨٣٩.]]
* * *
وأما قوله:"ومن يغفر الذنوب إلا الله"، فإن اسم"الله" مرفوع ولا جحد قبله، وإنما يرفع ما بعد"إلا" بإتباعه ما قبله إذا كان نكرة ومعه جحد، كقول القائل:"ما في الدار أحد إلا أخوك". [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٣٤.]] فأما إذا قيل:"قام القوم إلا أباك"، فإن وجه الكلام في"الأب" النصب. و"مَنْ" بصلته في قوله:"ومن يغفر الذنوب إلا الله"، معرفة. فإن ذلك إنما جاء رفعًا، لأن معنى الكلام: وهل يغفر الذنوب أحدٌ = أو: ما يغفر الذنوب أحدٌ إلا الله. فرفع ما بعد"إلا" من [اسم] الله، [[في المخطوطة والمطبوعة: "ما بعد إلا من الله"، والصواب زيادة ما بين القوسين.]] على تأويل الكلام لا على لفظه.
* * *
وأما قوله:"ولم يصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون"؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويل"الإصرار"، ومعنى هذه الكلمة.
فقال بعضهم: معنى ذلك: لم يثبتوا على ما أتوا من الذنوب ولم يقيموا عليه، ولكنهم تابوا واستغفروا، كما وصفهم الله به.
* ذكر من قال ذلك:
٧٨٥٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"ولم يصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون"، فإياكم والإصرار، فإنما هلك المصرُّون، الماضون قُدُمًا، لا تنهاهم مخافة الله عن حرام حرَّمه الله عليهم، ولا يتوبون من ذنب أصابوه، حتى أتاهم الموتُ وهم على ذلك.
٧٨٥٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"؟ قال: قُدمًا قُدُمًا في معاصي الله!! لا تنهاهم مخافة الله، حتى جاءهم أمر الله.
٧٨٥٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"، أي: لم يقيموا على معصيتي، كفعل من أشرك بي، فيما عملوا به من كفرٍ بي. [[الأثر: ٧٨٥٩- سيرة ابن هشام ٣: ١١٦، وهو تتمة الآثار التي آخرها: ٧٨٥٦.]]
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لم يواقعوا الذنب إذا همُّوا به.
* ذكر من قال ذلك:
٧٨٦٠- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله:"ولم يصروا على ما فعلوا"، قال: إتيان العبد ذنبًا إصرارٌ، حتى يتوب.
٧٨٦١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:"ولم يصروا على ما فعلوا"، قال: لم يواقعوا. [[في المخطوطة: "قال: لم يصروا"، لم يفعل غير إعادة لفظ الآية، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب، كما سترى في ترجيح أبي جعفر بعد.]]
* * *
وقال آخرون: معنى"الإصرار"، السكوت على الذنب وترك الاستغفار.
* ذكر من قال ذلك:
٧٨٦٢- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"، أما"يصروا" فيسكتوا ولا يستغفروا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا، قول من قال:"الإصرار"، الإقامة على الذنب عامدًا، وترك التوبة منه. [[في المخطوطة والمطبوعة: "أو ترك التوبة"، ولا معنى لوضع "أو" هنا والصواب ما أثبت.]] ولا معنى لقول من قال:"الإصرار على الذنب هو مواقعته"، لأن الله عز وجل مدح بترك الإصرار على الذنب مُواقع الذنب، فقال:"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفرُ الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"، ولو كان المواقع الذنب مصرًّا بمواقعته إياه، لم يكن للاستغفار وجه مفهوم. لأن الاستغفار من الذنب إنما هو التوبة منه والندم، ولا يعرف للاستغفار من ذنب لم يواقعه صاحبه، وجهٌ.
وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال:"ما أصرَّ من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة".
٧٨٦٣- حدثني بذلك الحسين بن يزيد السبيعي قال، حدثنا عبد الحميد الحماني، عن عثمان بن واقد، عن أبي نصيرة، عن مولى لأبي بكر، عن أبي بكر، عن رسول الله ﷺ. [[الحديث: ٧٨٦٣- الحسين بن يزيد السبيعي؛ مضى الكلام في: ٢٨٩٢ بالشك في نسبته"السبيعي". ولكن هكذا ثبتت هذه النسبة مرة أخرى في هذا الموضع. فلعله شيخ للطبري لم تصل إلينا معرفته. عبد الحميد الحماني - بكسر الحاء وتشديد الميم: هو عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني الكوفي، وهو ثقة، وثقه ابن معين، وأخرج له الشيخان. عثمان بن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر: ثقة، وثقه ابن معين. وقال أحمد: "لا أرى به بأسا".
أبو نصيرة -بضم النون وفتح الصاد المهملة- الواسطي: اسمه مسلم بن عبيد. وهو تابعي ثقة. والحديث ذكره ابن كثير ٢: ٢٤٨، من رواية أبي يعلى، من طريق عبد الحميد الحماني، بهذا الإسناد، ووقع فيه تحريف في كنية"أبي نصيرة" واسمه ونسبته. وهو خطأ مطبعي فيما أرجح.
وقال ابن كثير - بعد ذكره: "ورواه أبو داود، والترمذي، والبزار في مسنده، من حديث عثمان بن واقد، وقد وثقه يحيى بن معين - به. وشيخه أبو نصيرة الواسطى، واسمه مسلم بن عبيد، وثقه الإمام أحمد، وابن حبان. وقول علي بن المديني والترمذي: ليس إسناد هذا الحديث بذاك - فالظاهر أنه لأجل جهالة مولى أبي بكر. ولكن جهالة مثله لا تضر، لأنه تابعي كبير، ويكفيه نسبته إلى أبي بكر، فهو حديث حسن".
وذكره السيوطي ٢: ٧٨، وزاد نسبته لعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب.]]
* * *
= فلو كان مواقع الذنب مصرًّا، لم يكن لقوله"ما أصرَّ من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة"، معنى لأن مواقعةَ الذنب إذا كانت هي الإصرار، فلا يزيل الاسمَ الذي لزمه معنى غيره، كما لا يزيل عن الزاني اسم"زان" وعن القاتل اسم"قاتل"، توبته منه، ولا معنى غيرها. وقد أبان هذا الخبر أن المستغفر من ذنبه غير مصرٍّ عليه، فمعلوم بذلك أن"الإصرار" غير المواقعة، وأنه المقام عليه، على ما قلنا قبل.
* * *
واختلف أهل التأويل، في تأويل قوله:"وهم يعلمون".
فقال بعضهم: معناه: وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا.
* ذكر من قال ذلك:
٧٨٦٤- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما"وهم يعلمون"، فيعلمون أنهم قد أذنبوا، ثم أقاموا فلم يستغفروا.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: وهم يعلمون أن الذي أتوا معصية لله. [[في المخطوطة: "معصية الله"، والصواب ما أثبت.]]
* ذكر من قال ذلك:
٧٨٦٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"وهم يعلمون"، قال: يعلمون ما حرمت عليهم من عبادة غيري. [[الأثر: ٧٨٦٥- سيرة ابن هشام ٣: ١١٦، وهو تتمة الآثار التي آخرها: ٧٨٥٩ وكان في المطبوعة والمخطوطة: "بما حرمت عليهم"، وأثبت ما في ابن هشام، فهو الصواب.]]
* * *
قال أبو جعفر: وقد تقدم بياننا أولى ذلك بالصواب.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ إِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُوا۟ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُوا۟ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ یُصِرُّوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلُوا۟ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق