الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره:"إن تمسسكم حسنة تسؤهم"، إن تنالوا، أيها المؤمنون، سرورًا بظهوركم على عدوكم، وتتابع الناس في الدخول في دينكم، وتصديق نبيكم ومعاونتكم على أعدائكم = يسؤهم. [[انظر تفسير"المس" فيما سلف ٥: ١١٨.]] وإن تنلكم مساءة بإخفاق سرية لكم، أو بإصابة عدوٍّ لكم منكم، أو اختلاف يكون بين جماعتكم = يفرحوا بها. كما:-
٧٧٠٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها"، فإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورًا على عدوهم، غاظهم ذلك وساءهم، وإذا رأوا من أهل الإسلام فُرقة واختلافًا، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين، سرَّهم ذلك وأعجبوا به وابتهجوا به. فهم كلما خرج منهم قَرْنٌ أكذبَ الله أحدوثته، وأوطأ محلَّته، وأبطل حجته، وأظهر عورته، فذاك قضاء الله فيمن مضى منهم وفيمن بقى إلى يوم القيامة.
٧٧٠٦- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله:"إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها"، قال: هم المنافقون، إذا رأوا من أهل الإسلام جماعة وظهورًا على عدوهم، غاظهم ذلك غيظًا شديدًا وساءهم. وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافًا، أو أصيب طرفٌ من أطراف المسلمين، سرَّهم ذلك وأعجبوا به. قال الله عز وجل:"وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا إن الله بما يعملون محيط".
٧٧٠٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله:"إن تمسكم حسنه تسؤهم"، قال: إذا رأوا من المؤمنين جماعة وألفة ساءهم ذلك، وإذا رأوا منهم فرقة واختلافًا فرحوا.
* * *
وأما قوله:"وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا"، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه: وإن تصبروا، أيها المؤمنون، على طاعة الله واتباع أمره فيما أمركم به، واجتناب ما نهاكم عنه: من اتخاذ بطانة لأنفسكم من هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم من دون المؤمنين، وغير ذلك من سائر ما نهاكم ="وتتقوا" ربكم، فتخافوا التقدم بين يديه فيما ألزمكم وأوجبَ عليكم من حقه وحق رسوله ="لا يضركم كيدهم شيئًا"، أي: كيد هؤلاء الذين وصف صفتهم.
* * *
ويعني بـ "كيدهم"، غوائلهم التي يبتغونها للمسلمين، ومكرهم بهم ليصدّوهم عن الهدى وسبيل الحق.
* * *
قال أبو جعفر: واختلف القرأة في قراءة قوله:"لا يضركم".
فقرأ ذلك جماعة من أهل الحجاز وبعضُ البصريين: ﴿لا يَضُرُّكُمْ﴾ مخففة بكسر"الضاد"، من قول القائل:"ضارني فلان فهو يضيرني ضيرًا". وقد حكي سماعًا من العرب:"ما ينفعني ولا يضورني"، فلو كانت قرئت على هذه اللغة لقيل: ﴿لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ ، ولكني لا أعلم أحدًا قرأ به". [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٣٢.]]
* * *
وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة: ﴿لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ بضم"الضاد" وتشديد"الراء"، من قول القائل: ضرّني فلان فهو يضرني ضرًا".
* * *
وأما الرفع في قوله:"لا يضركم"، فمن وجْهين.
أحدهما: على إتباع"الراء" في حركتها = إذْ كان الأصل فيها الجزم، ولم يمكن جزمها لتشديدها = أقربَ حركات الحروف التي قبلها. وذلك حركة"الضاد" وهي الضمة، فألحقت بها حركة الراء لقربها منها، كما قالوا:"مُدُّ يا هذا".
والوجه الآخر من وجهي الرفع في ذلك: أن تكون مرفوعة على صحة، وتكون"لا" بمعنى"ليس"، وتكون"الفاء" التي هي جواب الجزاء، متروكة لعلم السامع بموضعها.
وإذا كان ذلك معناه، كان تأويل الكلام: وإن تصبروا وتتقوا، فليس يضرُّكم كيدهم شيئًا - ثم تركت"الفاء" من قوله:"لا يضركم كيدهم"، ووجهت"لا" إلى معنى"ليس"، كما قال الشاعر: [[هو سوار بن المضرب السعدي التميمي.]]
فَإنْ كَانَ لا يُرْضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِي ... إلَى قَطَرِيٍّ، لا إخَالُكَ رَاضِيَا [[نوادر أبي زيد: ٤٥، الكامل ١: ٣٠٠، حماسة ابن الشجري: ٥٤، ٥٥، معاني القرآن للفراء ١: ٢٣٢، من أبيات ضرب بها وجه الحجاج بن يوسف الثقفي، لما كتب على بني تميم البعث إلى قتال الخوارج، فهرب سوار وقال: أَقَاتِلِىَ الحَجَّاجُ أَنْ لَمْ أَزُرْ لَهُ ... دَرَابَ، وَأَتْرُكْ عِنْدَ هِنْدٍ فُؤَادِيَا؟
فَإن كُنْتَ لا يُرْضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِي ... إلَى قَطَرِيٍّ، لا إِخالُكَ رَاضِيَا!!
إذَا جَاوَزَتْ دَرْبَ المُجِيزِينَ نَاقَتي ... فَبِأسْتِ أبي الحَجَّاجِ لَمَّا ثَنَانِيَا
أَيَرْجُو بَنُو مَرْوَانَ سَمْعِي وطَاعَتِي، ... وَدُونِي تَمِيمٌ، والفَلاةُ وَرَائِيَا!!
وقوله: "دراب" يعني: دراب جرد، وهي بلدة في بلاد فارس، وكان المهلب يومئذ يقاتل بها الخوارج ورأسهم قطرى بن الفجاءة. ثم يقول له في البيت الثاني: إن كان لا يرضبيك إلا ردي إلى قتال قطري، فلا أظنك تبلغ رضاك، فإنك غير مدركي، ولن تنالني يدك. يسخر بسطوة الحجاج. وقوله: "درب المجيزين" هم المقيمون على أبواب المدن والثغور. يمنعون الخارج والداخل، إلا من كان بيده جواز معطى من أميره. يقول: إذا جاوزت الدرب فيا بعد يديك عن أن تنالني وتثنيني عن وجهتي! والشاهد عند الطبري هو في قوله: "لا إخالك راضيًا"، أي: فلست إخالك راضيًا.]] ولو كانت"الراء" محركة إلى النصب والخفض، كان جائزًا، كما قيل:"مُدَّ يا هذا، ومُدِّ. [[الذي سلف هو مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٢٣٢.]]
* * *
وقوله:"إنّ الله بما يعملون محيطٌ"، يقول جل ثناؤه: إن الله بما يعمل هؤلاء الكفار في عباده وبلاده من الفساد والصدّ عن سبيله، والعداوة لأهل دينه، وغير ذلك من معاصي الله ="محيط" بجميعه، حافظ له، لا يعزب عنه شيء منه، حتى يوفيهم جزاءهم على ذلك كله، ويذيقهم عقوبته عليه. [[انظر تفسير"الإحاطة" فيما سلف ٢: ٢٨٤ / ٥: ٣٩٦.]]
{"ayah":"إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةࣱ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَیِّئَةࣱ یَفۡرَحُوا۟ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ لَا یَضُرُّكُمۡ كَیۡدُهُمۡ شَیۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا یَعۡمَلُونَ مُحِیطࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











