الباحث القرآني

القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: ﴿طسم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) ﴾ قال أبو جعفر: وقد بيَّنا قبل فيما مضى تأويل قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿طسم﴾ ، وذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويله. وأما قوله: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ فإنه يعني: هذه آيات الكتاب الذي أنزلته إليك يا محمد، المبين أنه من عند الله، وأنك لم تتقوله: ولم تتخرّصه.. وكان قَتادة فيما ذكر عنه يقول في ذلك ما:- ⁕ حدثني بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: ﴿طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ يعني مبين والله بركته ورشده وهداه. * * * وقوله: ﴿نَتْلُوا عَلَيْك﴾ يقول: نقرأ عليك، ونقصّ في هذا القرآن من خبر ﴿مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ﴾ . كما:- ⁕ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون﴾ يقول: في هذا القرآن نبؤهم. * * * وقوله: ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يقول: لقوم يصدّقون بهذا الكتاب، ليعلموا أن ما نتلو عليك من نبئهم فيه نبؤهم، وتطمئنّ نفوسهم، بأن سنتنا فيمن خالفك وعاداك من المشركين سنتنا فيمن عادى موسى، ومن آمن به من بني إسرائيل من فرعون وقومه، أن نهلكهم كما أهلكناهم، وننجيهم منهم كما أنجيناهم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤) ﴾ يقول تعالى ذكره: إن فرعون تجبر في أرض مصر وتكبر، وعلا أهلها وقهرهم، حتى أقرّوا له بالعُبُودَةِ. كما:- ⁕ حدثنا محمد بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ﴾ يقول: تجبر في الأرض. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ﴾ أي: بغى في الأرض. * * * وقوله: ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ يعني بالشيع: الفِرَق، يقول: وجعل أهلَها فرقًا متفرّقين. كماحدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ﴿وَجَعَل أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ : أي فرقًا يذبح طائفة منهم، ويستحيي طائفة، ويعذب طائفة، ويستعبد طائفة، قال الله عز وجل: ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ . ⁕ حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه، أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر، فأحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل، وأحرقت بيوت مصر، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة [[لعله: الحزاة، بضم الحاء، جمع الحازي، وهو المتكهن. قال في (اللسان: حزا) التحزي: التكهن، حزى حزيًا، وتحزى: تكهن. ولم نجده في مادة (حوز) معنى التكهن. فلعل ما في الأصل خطأ الناسخ. ويؤيد ما قلناه أنه سيجيء في صفحة ٨ سطر ٢٣ صحيحًا كما قلناه.]] فسألهم عن رؤياه، فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه، يعنون بيت المقدس، رجل يكون على وجهه هلاك مصر، فأمر ببني إسرائيل أن لا يولد لهم غلام إلا ذبحوه، ولا تولد لهم جارية إلا تركت، وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجا، فأدخلوهم، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة، فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم، وأدخلوا غلمانهم، فذلك حين يقول: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ يعني بني إسرائيل، حين جعلهم في الأعمال القذرة. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ قال: فرّق بينهم. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ قال: فِرَقا. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ قال: الشيع: الفِرَق. * * * وقوله: ﴿يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾ ذكر أن استضعافه إياها كان استعباده. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة: يستعبد طائفة منهم، ويذبح طائفة، ويقتل طائفة، ويستحي طائفة. * * * وقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ يقول: إنه كان ممن يفسد في الأرض بقتله من لا يستحقّ منه القتل، واستعباده من ليس له استعباده، وتجبره في الأرض على أهلها، وتكبره على عبادة ربه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب